"شرق أوسط جديد من دون حسن نصرالله الذي حمل فكرة زوال إسرائيل"، هو العنوان الأبرز للإذاعة العبرية الرسمية "مكان" في نشرتها الصباحية، وبدا عنواناً جامِعاً للصحف العبرية من يمينها إلى يسارها، على سبيل الاحتفاء باغتياله إثر ما وُصفت بـ"الضربة الأكبر" على ضاحية بيروت الجنوبية مساء الجمعة، عبر استهداف ما أسمتها إسرائيل "غرفة حزب الله المركزية تحت الأرض".
كما أدرجت قراءات إسرائيلية تطورات الأحداث في سياق "لحظات دراماتيكية، والانتقال إلى مرحلة ومعادلة جديدة للمواجهة".
تقييم ما بعد الضربة
وانشغلت النشرات الصباحية والمسائية لمحطات التلفزة والإذاعة العبرية في تحليل سيناريوهات ما بعد نصرالله، وأشكال الرد المختلفة ضد إسرائيل.
ويقول مراسل تلفزيون "مكان" العسكري، إيال عاليما، إن كافة الأطراف في "مرحلة تقييمات"، بدءاً من إسرائيل، ومرورا بإيران التي تدرس مآلات الأمور، وإلى أين تتجه سياستها في هذه المرحلة، وحتى حزب الله وبقية حلفائه.
واللافت هو إقرار عاليما خلال إفادته التلفزيونية، بأن كل الأمور ليست واضحة للمستوى السياسي والعسكري في إسرائيل، بالنسبة للرد المحتمل على الاغتيال، وما إذا كان من حزب الله، أو مشترًكا مع بقية الحلفاء، وما إذا كانت إيران ستشارك فيه بشكل مباشر.
ردود أقلّ من المتوقع
وقال عاليما إن قيادة المستوى العسكري والأمني تواصل مشاوراتها في غرفة عمليات تحت الأرض بهيئة الأركان الإسرائيلية، لفهم إلى أين تتجه الأمور، وقد وضعت سيناريوهات متعددة للتعامل معها، بحسب عاليما.
وبيّن عاليما أن هناك علامات استفهام لدى الجيش والاستخبارات، بشأن السبب الذي جعل ردود حزب الله أقل من المتوقع، منذ إطلاق عملية "سهام الشمال"، مقدرا أن السبب ليس بفعل الضرر الكبير الذي لحق بقدرات الحزب العسكرية، وإنما أيضاً نتيجة إرباكه بفعل الضربات "الموجعة" والمكثفة، وتركيزه على تقييم التطورات المتسارعة. ونوّه الى أن أحد سيناريوهات "الرد" التي تأخذها إسرائيل بعين الاعتبار، هو انتظار "أيام قاسية، وردود مشتركة من المحور الإيراني".
هزّة استراتيجية
وبمنظور الدوائر العسكرية والأمنية الإسرائيلية، فإن الاغتيال أحدث "هزة استراتيجية" قد تكون له انعكاسات على المدى القريب والبعيد، لكن هذه الدوائر بدت غير حاسمة لطبيعة الانعكاسات، وفق مراسل "مكان" العسكري.
ووسط ذلك، بث التلفزيون العبري تقريراً استعرض آراء جنرالات وباحثين أمنيين، بشأن "َضرورات الاجتياح البري للبنان"، وشدد بعضهم على أنّ حسم المعركة وتحقيق "الهزيمة الكُبرى للعدو"، لا يتم بضربات جوية فقط، بل بـ"مناورة برية".
تغيّر أهداف الحرب
لعلّ ما يثير تساؤلات بشأن سقوف الحرب الإسرائيلية، هو تطويق جيش الاحتلال للبنان جواً وبراً وبحراً، بما يشمل كافة حدوده، بحجة منع "تهريب" أسلحة ومقاتلين، وقد أشار الإعلام العبري إلى إبلاغ الجيش الإسرائيلي لبيروت رسمياً بعدم السماح بهبوط طائرات قادمة من سوريا وإيران، كما رجح مراسلون عسكريون بأن حصار لبنان سيكون لوقت طويل!
واللافت أيضاً أن هناك إجماعاً إسرائيلياً على ضرب حزب الله، حتى اليسارية منها، كصحيفة "هآرتس" التي نشرت مقالاً انتقد الأصوات الغربية الداعية إلى التعاطي مع المقترح الأميركي-الفرنسي لوقف إطلاق النار، وقد دعا المقال إلى مواصلة العملية العسكرية ضد حزب الله.
في حين، طالب الصحافي بن درور يميني في مقاله كتبه بصحيفة "يديعوت أحرنوت"، الغرب بعدم إزعاج إسرائيل المنتشية بـ"إنجازاتها العسكرية والاستخباراتية؛ لأنها تفعل الصواب"، على حد تعبيره.
إسرائيل تعرف فقط خوض الحرب
بالمحصلة، أكدت التطورات المتدحرجة للعدوان الإسرائيلي، على أن أهداف الحرب على لبنان تتعدى ما أعلنته تل أبيب قبل أسبوع، أي أكبر من مسألة إعادة "السكان إلى شمال إسرائيل"، أو الفصل بين جبهتي لبنان وغزة.
وهذا استنتاج أصبح جلياً في أعقاب "الضربة الأكبر" التي تمثلت باغتيال أمين عام حزب الله حسن نصرالله برفقة مسؤولين آخرين، وما تلا ذلك من ضربات عنيفة في عمق الضاحية.
وانشغلت وسائل إعلام عبرية فور الواقعة، بسؤال مركزين، مفاده: "هل تغيرت أهداف الحرب على لبنان؟، وما هو سقفها الإسرائيلي؟ ".
واستضاف تلفزيون "مكان" العبري الجنرال بالاحتياط الإسرائيلي، سليم وهبي، بحثاً عن إجابة، إذ أكد أن أهداف الحرب قد تغيّرت عما أعلنته إسرائيل رسميًا قبل أسبوع، فلم يعد يقتصر على عودة السكان في هذه المرحلة، وإنما "تحييد خطر الحزب، وتفكيك قدراته العسكرية، وصولاً إلى استقرار أمني طويل الأمد للسكان".
لكنّ الجنرال الإسرائيلي بدا حذراً من إطالة أمد الحرب، وتحولها إلى "استنزاف" أكبر مما واجهه الجيش الإسرائيلي خلال احتلاله جنوب لبنان قبل عام 2000. ورأى وهبي "أننا كجيش إسرائيلي نعلم كيف نخوض الحرب، لكن لا نعلم كيف تتطور الأمور؟!".
طول أمد الموجهة
في حين اعتبر جنرالات إسرائيليون آخرون خلال أحاديثهم للتلفزيونات العبرية أنّ السؤال "المهم"، هو: هل عامل الوقت لصالح إسرائيل؟، وهل الحزب سيطيل أمد المواجهة؟.. الحال أن إجاباتهم كانت مفتوحة، بقولهم إن الحرب قد تستمر أياما، وربما أسابيع أو أكثر، ويمكن استمرارها أكثر مما يُتوقع.
ورغم القراءات العسكرية الإسرائيلية بتحييد "خطر حزب الله الأكبر"، رأت مقالات عبرية متخصصة بالشأن العسكري أن الحزب ما زال يمتلك وحدات في مناطق لبنانية، قادرة على إطلاق صواريخ، وتنفيذ هجوم "عصابات خطيرة على حدود إسرائيل". وبينت أن عدم غياب نصرالله الآن، لا يعني توقف القتال، وأن الحزب يعزز قواته في هذه الأثناء.
"بنك استخباراتي.. بالآلاف"!
وبتقريب المجهر من أبرز التحليلات الأمنية والسياسية الإسرائيلية، فإنّ الدوائر العسكرية الإسرائيلية نوهت قبل ساعات من اغتيال نصرالله ، بأن استخباراتها تمتلك بنكا للأهداف يُقدر بآلاف المواقع، تم جمع معلومات أمنية عنها على مدار 15 عاما. وأشارت أقلام عبرية إلى أن بنك الأهداف المتعلقة بحزب الله يفوق بكثير ما امتلكته إسرائيل عند خوضها حرب تموز 2006، حيث قُدّر حينها بنحو 280 هدفا، وهي مفارقة تدل على استعداد الاحتلال لعدوان طويل على لبنان، بحجة إنجاز بنك الأهداف، لتفكيك قدرات الحزب العسكرية والتنظيمية.
"فرصة لن تتكرر"
بكل الأحوال، يتعامل جيش الاحتلال مع أحداث لبنان ك"فرصة انتظرها منذ سنوات لتصفية الحساب مع حزب الله"، ونسب مراسل "مكان" العسكري إلى قيادات بالجيش، قولها إنها "لن تضيع الفرصة"، في إشارة إلى استمرار العدوان، وأن نهايته ستكون "بتوقيت إسرائيل مهما بلغت الضغوط الدولية لوقف إطلاق النار".
وتشير تسريبات من الأروقة الأمنية الإسرائيلية إلى "إجماعها على توسيع المعركة في لبنان مهما كان الثمن في هذه المرحلة، وإن اقتضى عملية برية".
في حين، ركزت وسائل إعلام عبرية على جملة تكررت في الاجتماعات الأمنية الإسرائيلية قبل وقت قصير من حلول ساعة صفر اغتيال أمين عام حزب الله، مفادها: "الضربة التي ستغير الشرق الأوسط، والمعادلات القديمة لم تعد قائمة". وقدر صحافيون مقربون من دوائر تل أبيب الأمنية بأننا "سنشهد تطورات في القتال لحظة بعد أخرى، والعملية الإسرائيلية متدحرجة، وهناك خطوات قادمة".
وشدد مراسلون إسرائيليون على الجبهة الشمالية على أن الطائرات الإسرائيلية لا تفارق سماء لبنان، استعدادا لاستهداف فوري لأي منصة تطلق صواريخ تجاه إسرائيل، وأي تحرك لمقاتلي حزب الله، و"تحييد أي خطر مفاجئ".
وقالت مواقع عبرية إنّ الجيش الإسرائيلي استهدف بضرباته المتتالية الضاحية الجنوبية ليلة اغتيال نصرالله ، مخازن صواريخ "ياخونت" الروسية، منعا ل"خطر استخدامها" ضد منصات الغاز الإسرائيلية، وخاصة كاريش، في عرض البحر الأبيض المتوسط.
انتقام من "بيت العنكبوت"
ووسط ذلك، استغل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التطورات الأخيرة، بالمفاخرة بـ"تصفية مَن ظن أن إسرائيل عبارة عن خيوط عنكبوت"، في إشارة إلى نصرالله ، وهو تعبير عن عقلية انتقام إسرائيلية تقف أيضاً في خلفية الحرب على لبنان، لا تخلو من ثأر قديم، ومحاولة تكريس "الردع"، تارة برسم صورة "لتفوقها الأمني الخارق"، وتارة أخرى بالترهيب من "جنون إسرائيلي لا يوقفه أحد".
وبينما ينشغل القريب والبعيد بخصوص ما إذا كانت الضربات الإسرائيلية "الموجعة" لحزب الله، ناتجة عن اختراق تنظيمي كبير في صفوف الحزب، يرى خبراء عسكريون في إسرائيل أن "المعلومة الذهبية" تعتمد على أمرين: تكنولوجيا دقيقة جدا، وعنصر بشري. وأكدوا أن الصورة الاستخباراتية لا يمكن أن تكتمل من دون أحدهما.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها