لم تختلف لغة الإعلام العبري كثيراً عن اللغة الصادرة عن المستويين السياسي والعسكري في إسرائيل خلال الساعات الأخيرة، بشأن المقترح الأميركي- الفرنسي لوقف التصعيد في جبهة لبنان، عبر إبرام تسوية سياسية تقود إلى عودة "السكان إلى شمال إسرائيل"، وهو ما اتضح أنها مناورة سياسية اسرائيلية، تنفيها الوقائع الوقائع الميدانية والاستعدادات لمواصلة القتال في لبنان.
إسرائيل تعمل بـ"يَدَين"
وأجمعت المعالجات العبرية على أنّ إسرائيل تعمل بيَدين اثنتَين، يدٌ للضغط العسكري على حزب الله، والاستعداد لسيناريوهات الحرب الواسعة، ويدٌ أخرى للتسوية بطرق دبلوماسية. وذلك في إشارة إلى أن تل أبيب تتعامل مع الخَطَّين كمسارَين متوازيَين، لا متناقضَين، بدليل أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو جمعهما في جملة "مفاوضات تحت النار"، وهو ما يثير تساؤلات بشأن فرص وقف إطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله لثلاثة أسابيع، بموجب المبادرة الأميركية-الفرنسية، لإفساح المجال لمفاوضات جدية تقود إلى الصفقة المنشودة.
وحاول الخطاب السياسي والعسكري الإسرائيلي المقايضة بين شن عملية برية على لبنان ونجاح الجهود الدولية لعقد صفقة شاملة مع حزب الله، تضمن المطالب والاشتراطات الإسرائيلية، قبل المسارعة إلى وقف العمليات الجوية، من منطلق أن إسرائيل لا تريد منح الحزب "هدنة تكتيكية يستريح فيها بعد سلسلة من الضربات الموجعة".
وقد بعثت إسرائيل برسائل تعزز هذا الاستنتاج خلال الساعات الماضية، وذلك بإضفاء "جدية" على نيّتها تنفيذ "مناورة برية حتمية" إذا فشلت الجهود السياسية، وذلك بتأكيدها أن قواتها تتأهب لسيناريو الاجتياح، مروراً بإعلانها استدعاء لواءين من الاحتياط للقيام بمهمات قرب حدود لبنان، إلى جانب التشديد على أن "الضربات لن تتوقف إلا بعودة السكان".
الزخم الدولي.. لمنع العملية البرية؟
بدورها، أكدت هيئة البث الإسرائيلية أن هدف المبادرة الدولية، وما يرافقها من زخم سياسي عالمي، هو منع عملية برية في لبنان، والانتقال إلى مسار دبلوماسي يقود إلى عودة حزب الله إلى ما وراء الليطاني، ضمن صفقة شاملة. وقد نوّه محرر الشؤون السياسية في تلفزيون "مكان" العبري، شمعون آران، الى أن نتنياهو منح الشخص الأكثر "موثوقية" بالنسبة إليه، وهو وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الضوء الأخضر لإجراء اتصالات مع المسؤولين الأميركيين. ووفق آران، ناقش الكابينت الإسرائيلي في الساعات الماضية تقييمات للمسارات العسكرية والسياسية المتعلقة بلبنان، وكل الخيارات المتعلقة باستمرار الحرب على حزب الله، كما خوّل وزير الجيش يوآف غالانت باتخاذ كافة الإجراءات لتنفيذ الاجتياح البري إذا فشلت الجهود السياسية.
وهنا، قال المراسل العسكري، إيال عاليما، في إفادته الصباحية لراديو "مكان" العبري، إن ما صدر عن قيادة الجيش، هو بمثابة رسائل موجهة لإنذار حزب الله، على خلفية الجهود الدولية. وأضاف عاليما أن الرسائل العسكرية الإسرائيلية للحزب، تؤكد إصرار تل أبيب على تضمين عمليتها "مناورة برية"، وأن الجيش استعد لها، لكنه يركز في هذه المرحلة على توسيع هجماته الجوية، وتحقيق غاياته، بموازاة الاستعداد لسيناريوهات أخرى، وفق عاليما.
بحث مستمر لشروط الهدنة
ونقلت وسائل إعلام عبرية عن مصادر سياسية، أن نجاح الجهود لوقف إطلاق النار، متوقف على نتيجة بحث التفاصيل والشروط.
أما مراسل الشؤون السياسية للقناة "12" العبرية، عميت سيجال، فقد نظر إلى مقترح وقف إطلاق النار في حال نجاحه، بمعيار الربح والخسارة لكل طرف، معتبراً أن إسرائيل ستربح "فصلاً أولياً" للعلاقة بين حزب الله وحماس، إذ أن القتال سيتواصل في غزة، وإن توقف في لبنان، بحسب سيجال. بينما سيربح حزب الله "استراحة حيوية بعد سلسلة ضربات، من دون عودة سكان الشمال خلال هدنة الأسابيع الثلاثة"، وفق المراسل المعروف بتوجهاته اليمينية وقربه من نتنياهو.
مع ذلك، استبقت أوساط عسكرية إسرائيلية المآلات، بالقول إنها تتعامل مع سيناريو "مفاوضات.. ثم فشل.. ثم حرب شاملة"، مبينة أن الاجتياح البري مرهون بمصير المفاوضات. كما أشارت وسائل إعلام عبرية إلى أنّ إيران حاضرة في المفاوضات مع الولايات المتحدة بخصوص حزب الله.
"مفترق طرق"
رغم ذلك، تُجمع قراءات عسكرية لمحطات التلفزة العبرية على أنّ أحداً لا يمكنه التنبؤ بمآلات الأمور الميدانية أو السياسية، في إشارة إلى تعقيدات الموقف، نظراً إلى أن العنوان العام الذي وضعته إسرائيل لعملية "سهام الشمال"، وهو "عودة سكان الشمال"، تندرج تحته مطالب أخرى، أبرزها انسحاب مقاتلي الحزب إلى ما وراء الليطاني، إضافة إلى أمور متعلقة بتغير قواعد الاشتباك، والفصل بين جبهتي لبنان وغزة، بحجة أن ما قبل العملية العسكرية ليس كما بعدها.
ميدانياً، قال مراسل "مكان" العسكري إن الجيش الإسرائيلي ركز في ضرباته الجوية منذ أمس الخميس، على قصف أهداف مرتبطة بالنظام الاستخباراتي الخاص بحزب الله، وبينها مواقع جمع المعلومات وتحليلها، وذلك بهدف منع الحزب من بناء صورة استخباراتية عن إسرائيل، لا سيما مواقعها الأمنية الاستراتيجية والحساسة. وأشار المراسل العسكري إلى مشاركة عشرات الطائرات الحربية في القصف "المُوجّه بمعلومات أمنية"، منوهاً أيضاً بأن حزب الله غيّر طريقة إطلاقه القذائف الصاروخية، إثر "تعقيدات يواجهها نتيجة الضربات الإسرائيلية".
في حين زعمت تحليلات عبرية أن السبب الرئيسي في عدم استخدام حزب الله صواريخه الاستراتيجية حتى اللحظة، هو أن "إيران منعته من ذلك، لاعتبارات متعددة، أبرزها أن تلك الصواريخ مُخصصة لردع إسرائيل عن قصف مشروعها النووي".
جدل حول توقيت الاجتياح
في السياق، ركز مقال تحليلي لـ"يديعوت أحرونوت" على كيفية إدارة الجيش الإسرائيلي للقتال "الدفاعي" على جبهة لبنان لأشهر طويلة، قبل انتقاله إلى "الهجوم". وحاول المقال تضخيم "حماسة" القوات الإسرائيلية لسيناريو توسع الحرب، بقوله إن "هؤلاء الجنود على أهبة الاستعداد أكثر من أي مرحلة، وينتظرون لحظة الحقيقة للمناورة البرية".
بيدَ أنّ عاموس يدلين، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية "أمان"، بدا غير متحمس لاستعجال العمل البري في لبنان، مقترحاً خلال حديثه للإذاعة العبرية "كان"، تأجيل الاجتياح البري لمرحلة لاحقة، مضيفاً أنه "لو كان الأمر بيدي، فلن أستعجل الدخول البري"، وحث على استنفاد سلاح الجو قدرات حزب الله التي بناها على مدار سنوات طويلة.
بينما رأت هيئة البث العبرية أن إسرائيل وحزب الله غير معنيَين بالحرب الشاملة، وأن هناك موانع لها، منها إيران، وأميركا "اللاعبة لدور كبير في ما يجري"، على حد تعبيرها.
أما كبير باحثي معهد تل أبيب للأمن القومي، يوحنان تسوريف، فقال للإذاعة العبرية الرسمية، إن الدخول إلى حرب شاملة متوقف على تطورات القصف الجوي، وأن الاستراتيجية الاسرائيلية هذه الأيام هي بذل كل الجهود الممكنة لعدم الوصول إلى الاجتياح البري، وذلك بتحييد قدرات حزب الله جواً، من دون دخول بري، وأن تل أبيب تحاول استثمار التفوق التكنولوجي لتحقيق الغاية. لكن تسوريف قال إن نتيجة ذلك، ومدى الحاجة لعملية برية، مرهون بما ستحمله الأيام المقبلة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها