وعمدت إسرائيل إلى بث رسائل سياسية وإعلامية ونفسية لـ"حزب الله"، بشكل مواز لحملتها العسكرية الجوية الواسعة ضده في لبنان، والتي دخلت يومها الثاني. وقال المراسل العسكري للإذاعة العبرية "مكان" إيال عاليما، في إفادته الصباحية أن إسرائيل أعدت للحملة على مدار أكثر من 10 سنوات، جمعت خلالها الدوائر الاستخباراتية والأمنية الإسرائيلية "بنكاً كبيراً من الأهداف العسكرية الخاصة بحزب الله، بما في ذلك المنازل والسراديب التي خزن فيها الحزب أسلحته وصواريخه، ومواقع أخرى لصناعة وتخزين الأسلحة، أو استخدمها لأغراض عسكرية أخرى".
وقال عاليما أن هذا هو السبب وراء العدد الكبير للأهداف التي قصفت في الأراضي اللبنانية في اليوم الأول لعملية "سهام الشمال"، علماً أن عاليما بدا حذراً في تصديق التقديرات الأمنية الإسرائيلية التي تحدثت عن القضاء على نصف مخزون السلاح الذي يمتلكه "حزب الله"، خلال اليوم الأول للقصف الجوي الأوسع منذ حرب تموز/يوليو 2006.
وقال عاليما عن تلك التقديرات: "ربما يكون مبالغاً فيها، وليست بالضرورة دقيقة كما حصل في مرات سابقة"، لكنه شدد على أن التعليمات الصادرة من الجيش تقضي بمواصلة وتوسيع عمليات سلاح الجو في عمق الأراضي اللبنانية.
وبشأن الوجهة الإسرائيلية المقبلة، نقلت وسائل إعلام عبرية عن مصادر في الجيش الإسرائيلي، أن الجيش يفضل في المرحلة الحالية أن يحقق أهدافه عبر القصف الجوي المركز، باستخدام قنابل معدة لهذا الغرض، من دون الاضطرار إلى تنفيذ "مناورة برية"، رغم التنبيه في الوقت ذاته بأن "الجيش جاهز للاجتياح البري، ومستعد لتنفيذه في ما بعد، إن اقتضى الأمر".
وألقى باحثون أمنيون إسرائيليون الكرة في ملعب "حزب الله"، بخصوص سيناريو الاجتياح البري، بقولهم أن المسألة مرهونة بكيفية تصرف الحزب في هذه المرحلة من العمليات الإسرائيلية، وما بعدها. وأضاف الباحثون المقربون من الدوائر الاستخباراتية، أن الحزب بالرغم من توسيع دائرة نيرانه، يمتنع حتى الآن عن استهداف وسط إسرائيل، وهو أمر عدته مؤشرا لعدم رغبته بالحرب الشاملة، التي تبقى احتمالاً قائماً.
من جهته، فاخر الجنرال الإسرائيلي المتقاعد موشيه إلعاد، الذي يعمل محاضراً في "أكاديمية الجليل الغربي"، بأسلوب لا يخلو من تهديد "حزب الله" مما هو أكبر، بادعائه أن إسرائيل تمتلك "مفاجآت عديدة" للحزب والشعب اللبناني، مشيراً إلى "أننا في كل مرحلة عسكرية نعطي حسن نصر الله فرصة للتفكير واتخاذ القرار".
وأشار إلعاد في تصريحات إذاعية، إلى أن قدرات إسرائيل العسكرية والجوية أكبر بكثير مما كانت عليه في عملية "سلامة الجليل" العام 1982، وأيضا خلال حرب تموز/يوليو 2006. وفي رده على سؤال المذيع الإسرائيلي عما إذا كان نصرالله يسيطر على قاعدة "حزب الله" الآن، أجاب إلعاد أن نصرالله ما زال يعتمد على أربعة قادة كبار، هم علي كركي، ومحمد حيدر، وطلال حمية، وعباس الدبس. وأضاف أن الإشكالية بالنسبة لنصرالله، تكمن في خسارته عدد كبير من الضباط بالمستوى العالي والمنخفض، ما جعله في "موقف صعب جداً"، حسب تعبيره.
وبينما ذكر إلعاد أن "إسرائيل تنتظر كيف يتصرف الحزب؟!"، أقر في الوقت ذاته بأن نصرالله ليس من النوع الذي يرفع العلم الأبيض، وأنه يمكن أن يطلب مساعدة من إيران.
وإدراكاً من إسرائيل بأن تصريحات جنرالاتها الحاليين والسابقين على الإعلام العبري، تتابع من "حزب الله" وأطياف لبنانية أخرى، قال إلعاد أن هدف إسرائيل "ليس احتلال لبنان، وإنما عودة سكان الشمال"، مطالباً الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بإدراج الضغط على "حزب الله" كي يوافق على الشروط الإسرائيلية، ضمن دعواتها لوقف إطلاق النار خلال أيام.
إلى ذلك، تحدثت ضابط الاحتياط ساريت زهافي، ومؤسسة موقع "ألما" الاستخباراتي، عن "استراتيجية الطاعون" الواجب اتباعها مع "حزب الله" والتي ينبغي على إسرائيل بموجبها إلى طرح مطالبها بشأن "اليوم التالي في لبنان"، في إشارة إلى أن هدف "سهام الشمال" هو رسم خطوط "اليوم التالي لبنانياً"، وفق المقاس الإسرائيلي.
وأشارت زهافي إلى أن مطالب تل أبيب يجب أن تكون مختلفة عما جاء في المقترح الأميركي والفرنسي أخيراً، على نحو يكرس واقعاً جديداً في لبنان، يكون فيها "حزب الله" غير قادر على التعافي من الضربات الإسرائيلية التي وجهت له، وألا يسيطر على المال والطاقة والاتصالات في لبنان. وقدمت الباحثة الأمنية الإسرائيلية توصية لصناع القرار السياسي والعسكري في تل أبيب، بالحث على استكمال إسرائيل "إنجازاتها الاستراتيجية" إذا رفض "حزب الله" مطالبها، بتوجيه مزيد من الضربات له، وأن يتم عندها تنفيذ الاجتياح البري للبنان.
وفي مقال آخر، قدم موقع "ألما" توصية للمستويات العسكرية الإسرائيلية، بمواصلة مهاجمة أعضاء "مجلس الجهاد" في "حزب الله"، وعلى رأسهم علي كركي وطلال حمية، وإيقاع خسائر فادحة في صفوف قيادات الحزب، بما يشمل استهداف رئيس المجلس التنفيذي هاشم صفي الدين، ونائب الأمين العام نعيم قاسم.
ومن خلال قراءة التحليلات والتوصيات الأمنية الإسرائيلية، يمكن القول أن الشيء الوحيد الذي تعلمه إسرائيل حالياً، هو أنها ماضية في عملية متدرجة ضد "حزب الله"، لكنها لا تعلم إلى أين ستصل الأمور، نتيجة عملياتها العسكرية، ومدة التصعيد المتعاظم، ومن ينكسر أولاً أمام التسوية المأمولة.
وما هو واضح أيضاً، أن وسائل الإعلام العبرية تؤكد أن "حزب الله" لم يستخدم حتى اللحظة صواريخه الثقيلة وبعيدة المدى، رغم توسيع دائرة نيرانه تدريجياً في العمق الإسرائيلي، وأن كل ما استخدمه الحزب منذ بدء القتال في 8 تشرين الأول/أكتوبر الماضي عبارة عن صواريخ قصيرة ومتوسطة المدى.
وعليه، فإن تطور المواجهة إلى حرب شاملة، مرهون بنقطتين. الأولى هي استخدام "حزب الله" لصواريخ "دقيقة" ضد هدف استراتيجي إسرائيلي، والثانية هي ضرب منطقة تل أبيب. ما يعني كسر القواعد وقلب المعادلة الراهنة.
في المقابل، تحرص إسرائيل على القول علناً أن عمليتها تستهدف ترسانة "حزب الله" في مناطق الجنوب والبقاع، ولا تشمل بيروت ومناطق أخرى، وأن قصفها للعاصمة اللبنانية "محدد" لاغتيال قيادات عليا بالحزب، في سياق محاولتها تكريس قواعد اشتباك جديدة، عنوانها "أكبر من قتال وأقل من حرب شاملة".
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها