الثلاثاء 2024/07/09

آخر تحديث: 13:41 (بيروت)

أسوة بنكبة أجدادهم...غزاويون يخشون تحوّل مفاتيح منازلهم إلى ذكرى

الثلاثاء 2024/07/09
أسوة بنكبة أجدادهم...غزاويون يخشون تحوّل مفاتيح منازلهم إلى ذكرى
مخيم للاجئين في رفح (غيتي)
increase حجم الخط decrease
في سلسلة مفاتيحه، يحتفظ حسن نوفل بمفاتيح منزلَين. أحدهما هو منزل أجداده في ما يعرف الآن بجنوب إسرائيل، الذي طردت القوات الإسرائيلية عائلته منه العام 1948 ولم يتمكنوا من العودة إليه مطلقاً. والآخر هو منزل نوفل في شمال غزة، الذي اضطر إلى الفرار منه العام الماضي، بعدما شنت إسرائيل حملة قصف وهجمات على القطاع.

وعلى مدى ما يقرب من تسعة أشهر منذ ذلك الحين، نزح نوفل وعائلته أربع مرات، المرة تلو الاخرى في قطاع غزة فراراً من الهجوم. وقال نوفل أنه عازم على ألا يصبح مفتاح بيته مجرد تذكار مثل بيت أجداده. وأضاف: "إذا أصبح مفتاح منزلي مجرد ذكرى، فلا أريد العيش بعد الآن. يجب أن أعود إلى دياري. أريد أن أبقى في غزة وأستقر في غزة مع أطفالي في منزلنا".

وقالت إسرائيل أنه سيسمح للفلسطينيين في نهاية المطاف بالعودة إلى منازلهم في غزة، لكن ليس من المعروف متى. وتم تدمير العديد من المنازل أو تضرر بشدة، حسبما نقلت وكالة "أسوشييتد برس".

وأدى الهجوم الإسرائيلي على غزة الذي أثاره هجوم حركة "حماس" في 7 تشرين الأول/أكتوبر على جنوب إسرائيل، إلى نزوح نحو 1.9 مليون من سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون فلسطيني قبل الحرب من منازلهم. ونزح معظمهم مراراً منذ ذلك الحين عبر القطاع بعد سلسلة من الهجمات البرية. وكانت كل مرة تعني انتقالاً مؤلماً إلى موقع جديد وملاجئ مؤقتة مزدحمة، سواء في منازل الأقارب، أو مدارس الأمم المتحدة، أو مخيمات لاجئين. وكافحت العائلات من أجل البقاء معاً، والاحتفاظ ببعض الممتلكات. وفي كل موقع جديد، كان يتعين عليهم العثور على مصادر جديدة للطعام والماء والعلاج .

وفي أحدث موجة نزوح جماعي، فر الناس من شرقي مدينة خان يونس الجنوبية بعدما أمرتهم إسرائيل بالجلاء. ويتكدس جميع سكان غزة تقريباً الآن في "منطقة آمنة إنسانية" أعلنتها إسرائيل في المواصي، تغطي حوالي 60 كيلومتراً مربعا على ساحل البحر المتوسط. ورغم تحديد اسرائيل للمنطقة بأنها آمنة، ألا أنها نفذت غارات جوية قاتلة هناك.

والظروف مزرية في المخيم مترامي الأطراف وخيامه المتداعية التي أقامها النازحون، معظمها من أغطية بلاستيكية وبطانيات قائمة على عصي. وفي ظل الافتقارالى أنظمة صرف صحي، تعيش الأسر وسط برك من مياه الصرف الصحي، ولا تحصل إلا على القليل من المياه الصالحة للشرب أو المساعدات الإنسانية.

وقال نوفل، وهو موظف في السلطة الفلسطينية يبلغ من العمر 53 عاماً، أنه هرب مع زوجته وأطفاله الستة من مخيم جباليا للاجئين شمالي القطاع في تشرين الأول/أكتوبر، وتوجهوا أولاً إلى مدينة دير البلح وسط القطاع، ثم إلى مدينة رفح في أقصى جنوب غزة. ثم اضطروا إلى الفرار مرة أخرى عندما شنت إسرائيل هجوماً هناك في أيار/مايو، وانتقلوا إلى خان يونس. والأسبوع الماضي، فروا من خان يونس إلى خيمة في المواصي.

وأكمل نوفل: "من الصعب التعامل مع الحشرات والعيش على أرض رملية، يصيبنا المرض لأن الجو حار أثناء النهار وبارد قليلاً ليلاً". وأوضح أن الخطوة الأولى، وهي مغادرة منزله في جباليا، كانت الأصعب. كان يحمل سلسلة مفاتيح بها مفتاح منزله ومفتاح منزل أجداده في ما كان في السابق قرية حليقات الفلسطينية، خارج ما يعرف الآن بغزة. لم يبق شيء من الحويلقات، حيث استولى الجيش الإسرائيلي على القرية والقرى المجاورة لها أوائل العام 1948، وأجبر سكانها على الرحيل.

تعتبر مثل هذه المفاتيح القديمة ممتلكات ثمينة لأحفاد الفلسطينيين الذين طردوا أو فروا خلال الصراع الذي أعقب تأسيس دولة إسرائيل. ويخشى الكثيرون في غزة من أنه لن يسمح لهم بالعودة إلى منازلهم بعد هذه الحرب، كما حدث في الحرب الماضية.

من جهتها، تحتفظ علا نصار بمفاتيح منزلها في بلدة بيت لاهيا شمالي قطاع غزة. وقالت أنها ترمز إلى "السلامة والاستقرار والحرية. إنها مثل هويتي"، علماً أن عائلتها كانت قد انتقلت للتو إلى المنزل الذي يحتوي على مطبخ تم تجديده حديثاً عندما بدأت حرب غزة. والآن احترق المنزل، بالإضافة إلى الملابس التي اضطرت إلى تركها وراءها عندما فروا في تشرين الأول/أكتوبر. وهي تفتقد مجموعة عزيزة من الأطباق التي كانت هدية من شقيقها وتحطمت خلال غارة جوية.

ونزحت نصار مع زوجها وأطفالهما الثلاثة سبع مرات خلال الحرب، من مدينة إلى أخرى، آخرها من رفح إلى مأواهم الحالي، خيمة في المواصي. وقالت: طكل نزوح شهدناه كان صعباً لأن التأقلم عليه يستغرق وقتاً. بحلول الوقت الذي نتأقلم فيه، يتعين علينا التحرك مرة أخرى". كما ان العثور على الطعام صعب في كثير من الأحيان بسبب الارتفاع الكبير في الأسعار. وقالت: "هناك أيام كنا نتناول فيها وجبة واحدة فقط".

وعندما هرعوا لمغادرة منازلهم، ترك كثيرون وراءهم كل ممتلكاتهم تقريباً، ولم يحملوا سوى بعض الضروريات. وقالت نور مهدي أنها لم تحمل سوى مفاتيح منزلها، وسند ملكية شقتها، وألبوم صور أطفالها السبعة. تلف الألبوم لاحقاً بسبب المطر، وقالت أنها استخدمته لإشعال النار للطهي به، موضحة: "كان هذا صعباً للغاية لأنه كان مهماً للغاية بالنسبة لي لأنه يحتوي على ذكريات تتعلق بأطفالي".

إلى ذلك، احتفظ عمر فياض بصورة لابنته وصورة لنفسه عندما كان عمره 10 سنوات. لكن بعد تنقلات عديدة و"كل مكان أسوأ من الآخر"، تمنى لو أنه لم يغادر منزله أبداً. وقال فياض (57 عاماً) أنه يشتاق إلى منزله في بيت حانون شمالي غزة: "كان من الأفضل لي لو بقيت في منزلي هناك ومت".

وقال محمد الأشقر، وهو أيضاً من بيت لاهيا، أنه نزح ست مرات مع بناته الأربع وأبنائه الأربعة وأحفاده. وعلى طول الطريق، انفصل افراد العائلة. فبقي شقيق الأشقر في الشمال لأن زوجته كانت حاملاً، ولم تكن صحتها تساعدها على التحرك. وبعد فترة وجيزة، أصابتها شظية من غارة جوية في رأسها قتلتها، ولكن تم إنقاذ الطفل.

وتوجه أحد أبناء الأشقر إلى مخيم النصيرات وسط قطاع غزة للإقامة في منزل عائلة زوجته. كان الابن في المطبخ يطهو الطعام ذات يوم عندما ضربت غارة جوية المنزل، ما أسفر عن مقتل زوجته وأربعة من أطفاله في غرفة المعيشة. وبترت ساق الابن، ويعيش الآن اثنان من أبنائه الباقين على قيد الحياة معه. كما قتل ابن آخر في غارة منفصلة في النصيرات.

وليست الممتلكات هي ما يفتقده الرجل البالغ من العمر 63 عاماً لأنه "لا يوجد ما نبكي عليه بعدما تركنا كل شيء وراءنا، ورؤية كل هؤلاء الموتى وكل هذه المعاناة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها