الأحد 2024/07/07

آخر تحديث: 21:17 (بيروت)

تحولات إيران: هزائم وانتصارات على مقياس النظام

الأحد 2024/07/07
تحولات إيران: هزائم وانتصارات على مقياس النظام
ناخبة إيرانية تدلي بصوتها في مركز اقتراع في طهران وتظهر من دون حجاب (غيتي)
increase حجم الخط decrease

تنطوي قراءة أنصار إيران ومعارضيها لنتائج الانتخابات الرئاسية على تسرع وإجتزاء، لم تقرأ بدقة تفاصيل المرحلة، وحاجات إيران السياسية في الوقت الراهن، واقتصرت في مواقع التواصل على إحتفالات غير مبررة قام بها أنصار النظام، وعجلة غير مبررة في تقدير أزمة السيستم، قام بها معارضوه، وهما وجهتا نظر تستدعيان النقاش والتفكيك.

ومنذ إعلان فوز مسعود بزشكيان في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، غلبت العاطفة على التحليلات والحملات في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية. طرح البعض أن فوز بزشكيان شكّل مفاجأة للمرشد علي خامنئي وأنه جاء بعكس ما يطمح النظام الحاكم، فيما إعتبر آخرون أن بزشكيان هو رجل المرحلة وثمّة تشابه كبير بين سيناريو اليوم وسيناريو العام 2013 عندما فاز حسن روحاني، وتالياً، هو انعكاس لديموقراطية إيران.

تتركّز قراءة وحملة الأصوات المعارضة للنظام الإيراني على فكرة فوز بزشكيان بأصوات غير فارسية كونه من أصول تركية وآذرية (أمه كردية)، إضافةً إلى إعتبار الفوز خرقاً أو هزيمة للتيار الموالي للمرشد خامنئي. وساهمت خلفية بزكشيان، منذ العام 2008، في الدفع نحو هذا التقدير. 

فالرئيس المنتخب، كان معروفاً بانتقاداته للحكومة، لا سيما إبان الحركة الاحتجاجية الواسعة النطاق التي أثارتها وفاة الشابة الكردية مهسا أميني في أيلول/ سبتمبر 2022. وسبق أن ندّد في العام نفسه بانعدام الشفافية من جانب السلطات في قضية أميني. بذلك، يلتقي مع خطاب جزء كبير من المعارضين في الداخل الايراني، ومع أنصار التيار المدني، والمنظمات الحقوقية غير الحكومية. 

هذه الإنتقادات السابقة شكّلت أرضاً خصبة لمحتوى المواد المنشورة لاعتبار بزشكيان معارضاً، أو على الأقل، بعيداً عن نهج الثورة الإسلامية في إيران بقيادة المرشد الأعلى، مما دفع المعارضين لا سيّما الإيرانيين من الأصول غير الفارسية لإطلاق حملتهم وتسجيل آرائهم، مُعتبرين أن الحدث الجديد أصاب قلب النظام الإيراني بقوّة الأصوات غير الفارسية.

إضافة الى ذلك، تصاعدت أصوات معارضي إيران بكونها رأس المحور الممانع، وسط تحليلات بأنّ النتيجة جاءت على خلفية رفض الشعب الإيراني لسياسات نظامهم الخارجية، في إشارة من هؤلاء الى أن موجة التغيير في إيران قد بدأت وتجلّت معالمها بهزيمة المُرشّح المحافظ.

لكن هذه التقديرات تبدو متسرعة، وهو ما أكدته تحليلات الصحف الغربية. فرغم أن بزشكيان مدعوم من إصلاحيي النظام، ومن المتوقع أن ينعكس فوزه على الداخل من خلال إبراز بعض الليونة المرتبطة بالقوانين المحافظة والمُتشدّدة، إلا أنه لا يستطيع القفز فوق سياسات المرشد علي خامنئي بما يخص السياسات الداخلية والخارجية، كما يستحيل الجزم بأن فوزه يمثل انتصاراً لمعارضي النظام الذين يدفعون باتجاه مساحات حرية أكبر، ورفع القيود عن الحجاب، بالنظر الى تدين الرجل وتعهداته السابقة، وابرزها تعهّده باحترام قرارات المرشد خامنئي منذ البداية، مما منحه دفعاً نحو إختياره للرئاسة. 

هذه الوقائع، تجعل من التوقعات بحصول تحوّلات سياسية ضخمة على المستوى الخارجي والإقليمي، ضئيلة، من غير أن تكون مصحوبة بقرارات سياسية صادرة من قلب النظام. فقد أثبتت ايران، منذ العام 1979، قدرتها على تلقّي الصدمات والتعامل مع المتغيّرات والأحداث، وهو أمر لا يمكن نكرانه. 

لذلك، يمكن قراءة فوز بزشكيان من زاويتين، أولهما أن تعديل النظام في توجّهاته بعد نتائج الجولة الأولى من الانتخابات، هو لتجنب فوز متشدّد وسط أجواء انتخابيّة غير مؤاتية قد يعيد الشوارع والساحات الإيرانية إلى الاضطرابات. 

أما السبب الثاني، فيتصل بالتطورات السياسية في المنطقة بعد الحرب الاسرائيلية على قطاع غزة، وفتح قنوات التواصل غير المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران من جهة، والتواصل المباشر بين طهران وعواصم أوروبية وعربية من جهة أخرى. عادة، يحاول الايرانيون مخاطبة الولايات المتحدة برئيس إصلاحي، معتدل، عندما يكون على رأس الولايات المتحدة رئيس ديموقراطي، وهو ما ظهر في تجربة روحاني عندما كان أوباما رئيساً أميركياً، ويتحول الأمر باتجاه رئيس محافظ، ومتشدد، عندما تُقفل قنوات الحوار مع الولايات المتحدة، بدليل تجربتي وصول رئيسي وقبله في العام 2005 محمود أحمدي نجاد.
تغيب هذه التفاصيل عن الحملات والآراء المُعارضة للنظام الإيراني، وخصوصاً تلك التي تزعم أن النظام أصبح خارج اللعبة وفَقَد السيطرة، وهو ما تنفيه وقائع أن المشهد الحالي هو حاجة لإستمرارية النظام بصورته الحالية. أما بالنسبة للموالين، فإن انتصارات القيادة الإيرانية قائمة، بمعزل عن النتائج.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها