"مش طالعين"، كلمتان يتحدى بهما سكان مدينة غزة، الاحتلال الاسرائيلي الذي طالبهم بإخلاء المدينة. لم يجد هؤلاء منبراً غير مواقع التواصل لايصال الصوت، في مقابل بيان ومنشورات ودعوات نقلتها وسائل الاعلام الاعلامية، تطالبهم بالنزوح إلى مناطق الوسط.
وقال جيش الاحتلال في مناشير ورقية ألقتها الطائرات الإسرائيلية على مناطق مختلفة من غزة "إلى كل المتواجدين في مدينة غزة، الممرات الآمنة تمكنكم المرور بسرعة ومن دون تفتيش من مدينة غزة إلى المآوي في دير البلح والزوايدة".
وتابع: "نعلمكم أن شوارع طارق بن زياد وعمر المختار تعتبر ممرات آمنة للعبور غربا إلى شارع الرشيد (البحر) ومن هناك جنوبا"، مضيفا أن "شوارع الوحدة وخليل الوزير تعتبر ممرات آمنة للعبور شرقا إلى حي الزيتون ودوار المدينة، ومن هناك إلى شارع صلاح الدين جنوبا"، وهدد بأن مدينة غزة "ستبقى منطقة قتال خطيرة".
ويقطن في مدينة غزة في هذا الوقت نحو 200 ألف فلسطيني، بعد نزوح عشرات الآلاف الآخرين باتجاه مناطق يفترض أن تكون آمنة في الجنوب. يقول مغرد: "صبرنا على قلة الأكل والمياه.. صبرنا على الموت والفقد.. صبرنا على النزوح المستمر.. صبرنا على الخوف والرعب.. صبرنا على امراضنا وتعبنا ولسا بنقول "مش طالعين".
وغزة التي فقدت نحو 40 ألف شهيد وخسرت جزءاً كبيراً من مساكنها ومرافقها الحيوية، وتواجه آلة الحرب الاسرائيلية باللحم الحي والاجساد العارية والجائعة، لا تزال تمتلك القدرة على التحدي، والقوة على الرفض، والاصرار على قول الموقف: "مش طالعين"، هي أبسط الممكن للتعبير عن موقف، طالما أن وسيلة إيصاله ممكنة عبر حسابات "إكس" و"فايسبوك"..
ويشرح مغرد فلسطيني دوافعه للبقاء: "منذ 9 اشهر نحن صامدون، تحملنا الجوع والعطش والتلوث والخوف والموت والنزوح اكثر من عشر مرات، وكل المصايب الي عشنا فيها وما طلعنا.. بدكم اليوم نطلع؟ بدكم نسيب بلدنا وبيوتنا ونطلع؟" وأضاف أنه لن يترك منزله، حتى لو أدى ذلك الى استشهاده، وأنه صامد حتى النفس الأخير.
والحال أن الدعوة الأخيرة، هي "ترانسفير" جديد تريد قوات الاحتلال تنفيذه، بهدف إخلاء المدينة. يتوجس الفلسطينيون من هذا المصير، ذلك أن ما اختبروه في العام 1948، ثم في العام 1967، يعزز هواجسهم من عمليات الاخلاء القسرية التي تتبعها سلطات الاحتلال.
ويدعم فلسطينيون من جميع المناطق، قرار سكان مدينة غزة بعدم إخلائها. يقول أهالي مناطق غزة الاخرى الذين نزحوا من مواقعهم إن الاصرار على البقاء، هو بارقة الامل للآخرين للعودة، بالنظر الى ان هناك صامدين في منازلهم، ويصعب على الاحتلال منع النازحين من العودة في حال كانت هناك كتلة بشرية موجودة، وترحب بالعائدين.
وبمعزل عن الخوف والخطر، يبدو معنى التحدي والاصرار على البقاء مفهوماً. فتمسك الناس بمنازلها المدمرة، وبمحتوياتها، ينطلق من كون تلك المنازل ليست حجارة، بل تعب وذكريات وعائلة وشقاء ومال ومستقبل وآمال... وليس أمام الغزيين أي خيار آخر.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها