وفي الصورة، ظهر ترامب رافعاً قبضته نحو السماء، ووجهه مغطى بالدماء، ومحاطاً بعناصر الخدمة السرية. وأصبحت الصورة حديث الساعة وانتشرت عبر الصحف والقمصان و"الميمز" وأقواب القهوة. وفي حديث لصحيفة "نيويورك بوست" المحافظة قال ترامب: "كثير من الناس يقولون أنها الصورة الأكثر أيقونية التي رأوها في حياتهم. إنهم محقون، ولم أمت. عادة، تحتاج إلى أن تموت لتحصل على صورة أيقونية".
هذه النرجسية التي يتحدث بها ترامب مألوفة منذ أيام حملته الرئاسية الأولى، حيث كان ترامب الآتي من عوالم لا علاقة لها بالسياسة والاقتصاد والجيش، بل من عالم تلفزيون الواقع وتجارة العقارات، معتداً بنفسه وكأنه يحكم البيت الأبيض عبر "تويتر" الذي بات اسمه اليوم "إكس" بفضل حليفه الجديد ماسك الذي كان عدو الأمس.
ورأى خبراء الإعلام السياسي مثل أستاذ التواصل الاستراتيجي إريك بوكسي، أن صورة نجاة ترامب من الاغتيال "تمثل رمزاً للقوة والصمود في وجه الأزمات، وأيضاً ذكاءً فطرياً في استغلال اللحظات إعلامياً"، فيما تلخص اللحظة ككل كيفية استخدام ترامب للرمزية البصرية لتعزيز صورته كشخصية قيادية تمثل قوة رأس المال والتجارة.
شراكة بين السياسة ورأس المال
وأحد أبرز مظاهر حملة ترامب الانتخابية العام 2024 كان الدعم المادي والمعنوي الكبير الذي قدمه له إيلون ماسك مع اتفاقهما تحديداً على نقطة عداء المهاجرين والأجانب والمثليين جنسياً والعابرين جنسياً ونزعتهما المتزايدة نحو اليمين المتطرف، إلى حد إبداء دعمهما لأحزاب اليمين المتطرف حتى في ألمانيا التي عانت تحديداً من الماضي النازي الذي أفضى للحرب العالمية الثانية.
وخصص ماسك أكثر من 260 مليون دولار لدعم حملة ترامب عبر لجان سياسية مثل "America PAC" و"RBG PAC"، وكان هذا الدعم المالي المباشر جزءاً من تحالف استراتيجي أوسع، حيث استخدم ماسك منصته الاجتماعية "إكس" للترويج لرسائل ترامب السياسية بشكل واسع، كما قدم جوائز مالية مقدارها مليون دولار أميركي يومياً لفترة زادت عن شهر، لمحظوظين عبر اليانصيب ممن سجلوا في عرائض سياسية معينة عبر الإنترنت تدعم سياسات ترامب المتشددة.
وذلك التحالف لم يكن مجرد تعاون عابر، بل كان تجسيداً واضحاً لتداخل رأس المال مع السياسة. ومن خلال استغلال النفوذ المالي والتكنولوجي، استطاع كلاهما التأثير بشكل كبير على المشهد السياسي، ما جعل العلاقة بينهما محور اهتمام عالمي بوصفهما "الكوبل الذهبي" الذي يحكم العالم عبر القوة الاقتصادية والكاريزما والمعلومات المضللة وخطاب الكراهية، كما يظهر من الفوضى الجارية في "إكس" بحسب تقارير حقوقية لمنظمات عالمية مختلفة.
وزارة كفاءة الحكومة
ومن أبرز نتائج التحالف كان تأسيس "وزارة كفاءة الحكومة" (DOGE)، وهي مبادرة جريئة أطلقها ترامب بعد فوزه في الانتخابات بهدف تقليص الحكومة بشكل كبير وخفض الإنفاق بمقدار 2 تريليون دولار، مع تقليص عدد موظفي الحكومة بنسبة تصل إلى 75%.
وتكمن الفكرة في تحويل إدارة الحكومة إلى نهج أشبه بإدارة الشركات، مع التركيز على الإنتاجية وخفض التكاليف. ويعكس المشروع التحول في طبيعة العلاقة بين القطاعين العام والخاص، حيث أصبحت السياسة تعتمد بشكل متزايد على أدوات التجارة وإدارة رأس المال لتعزيز الكفاءة وتحقيق الأهداف.
انعكاسات اقتصادية وتكنولوجية
ولم يقتصر تأثير تحالف ترامب وماسك على السياسة فقط، بل امتد ليشمل الاقتصاد والتكنولوجيا، فشهدت أسهم شركة "تسلا" ارتفاعاً ملحوظاً بنسبة تجاوزت 12% في الأيام التي تلت فوز ترامب بالانتخابات، ما ساهم في تجاوز قيمتها السوقية حاجز تريليون دولار لأول مرة منذ أكثر من عامين، مدعومة بتوقعات تفاؤلية بشأن السياسات التي تدعم الابتكار والتقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي والطاقة المتجددة.
في الوقت نفسه، بلغت القيمة السوقية لشركة "سبايس إكس" 350 مليار دولار بعد صفقة بيع أسهم داخلية، ما عزز مكانتها كواحدة من أكثر الشركات الخاصة قيمة في العالم. هذا التداخل بين رأس المال والتكنولوجيا والسياسة يعكس ديناميكية جديدة، حيث يمكن لرأس المال الخاص أن يشكل مستقبل الاقتصاد العالمي ويؤثر على الأولويات السياسية للدول، كما أن التأثير طاول سوق العملات الرقمية الذي انتعش بعد وعود ترامب بقوننته في الولايات المتحدة بينما كان معادياً له في ولايته الرئاسية الأولى.
تأثير رأس المال على الديموقراطية
ومع تزايد النفوذ الذي يمنحه رأس المال في السياسة، أثار التحالف بين ترامب وماسك نقاشات واسعة حول مستقبل الديموقراطية في الولايات المتحدة. يرى البعض أن هذا التعاون يعزز الابتكار ويحفز التقدم، إلا أن هناك مخاوف من أن يؤدي تركيز النفوذ في يد عدد قليل من الأثرياء إلى تهديد مبادئ الديموقراطية مثل الشفافية والمساواة.
وتتعزز تلك المخاوف في وسائل الإعلام الرصينة التي ترى أن الثنائي يدفع بسياسات لا يمكن وصفها حتى بالمحافظة، بسبب تطرفها في قضايا اجتماعية وحقوقية، حيث تبرر الأرباح المادية لهما تقديم معلومات مضللة حول قضايا مثل التغير المناخي وحقوق المثليين والمهاجرين وغيرها، مع تركيز على تقديم صورة تفوق الرجل الأبيض والذكورية السامة.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها