الجمعة 2024/11/29

آخر تحديث: 13:11 (بيروت)

صوْر المنكوبة...مهدي يسمع القصف في "فَقش الموج"

الجمعة 2024/11/29
صوْر المنكوبة...مهدي يسمع القصف في "فَقش الموج"
يتفقد السكان منازلهم نهاراً، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء والكهرباء (Getty)
increase حجم الخط decrease
قرب ركام مبنى مازال الدخان يتصاعد منه في مدينة صور، تحمل عائلة حقائب وتصعد على سلم مظلم الى شقة تخلعت أبوابها ونوافذها، ولا يوجد فيها ماء ولا كهرباء، بعدما استهدف القصف الإسرائيلي البنى التحتية والطرق بالإضافة الى الأبنية والمنازل.

وفي اليوم الثاني من سريان وقف إطلاق النار بين "حزب الله" وإسرائيل، كانت مئات العائلات صباح الخميس تتفقد منازلها في أحياء استهدفتها الغارات الإسرائيلية وحولتها الى منطقة منكوبة، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".

ولم تسلم سوى غرفة الجلوس في شقة عائلة دنيا نجدة. وقالت ربة المنزل البالغة من العمر 33 عاماً، وهي أم لطفلين، بينما وقفت على شرفتها المطلة على دمار واسع: "لم نتوقع دماراً الى هذا الحد. كنا رأينا الصور لكن وجدنا الواقع مغايراً وصعباً".

وغطى الزجاج أسرّة أطفالها وألعابهم، بينما تناثرت قطع من إطارات النوافد الحديدية في كل مكان. وأضافت نجدة: "عندما وصلنا، وجدنا الدخان يتصاعد من المكان وبالكاد استطعنا معاينة المنزل". وعلى الشرفة ذاتها، وقف والد زوجها سليمان نجدة (60 عاماً)، وقال: "نشكو من انقطاع المياه والكهرباء. حتى المولدات الخاصة لا تعمل بعد انقطاع خطوط الشبكات".

وأكمل الرجل الذي يملك استراحة على شاطئ صور، الوجهة السياحية التي تجذب السكان والأجانب: "صور ولبنان لا يستحقان ما حصل. لكن الله سيعوض علينا وستعود المدينة أفضل ما كانت"، علماً أن المدينة تعرضت خلال الشهرين الماضيين، لضربات عديدة دمرت أو ألحقت اضراراً بمئات الوحدات السكنية والبنى التحتية وقطعت أوصال المدينة.

ومراراً، أنذرت إسرائيل خلال الأسابيع القليلة الماضية سكان أحياء بأكملها لإخلائها، ما أثار الرعب وجعل المدينة تفرغ من قاطنيها الذين كان عددهم يتجاوز 120 ألفاً.

وخلال جولة في المدينة حيث تعمل آليات على رفع الردم من الطرق الرئيسية، أحصى رئيس بلدية صور واتحاد بلدياتها حسن دبوق "أكثر من خمسين مبنى مؤلفة من ثلاثة الى 12 طابقاً دمرت كلياً جراء الغارات الإسرائيلية"، إضافة إلى تضرر عشرات الأبنية في محيطها بنسبة تصل الى 60%. وعلق: "يمكن القول إنه يكاد لم يبق أي منزل بمنأى عن الضرر".

وشهدت شوارع المدينة زحمة سير، الخميس، مع عودة المئات من السكان الى أحيائهم، بينما أبقت المؤسسات والمحال التجارية والمطاعم أبوابها موصدة. وأوضح دبوق: "يتفقد السكان منازلهم خلال النهار، ثم يغادرون ليلاً بسبب انقطاع الماء عن أنحاء المدينة والكهرباء عن الأحياء التي تعرضت لضربات إسرائيلية قاسية".

وأكمل دبوق بأن الأولوية اليوم "للإسراع في إعادة الخدمات إلى المدينة وتأمين سبل الحياة للمواطنين"، مقراً بأن ذلك "لن يحصل بنقرة، ويحتاج لتعاون" بين المؤسسات المعنية، مضيفاً: "من المهم أيضاً إزالة الردم لفتح الشوارع حتى يتمكن الناس من العودة".

واستهدفت غارة إسرائيلية في 18 تشرين الثاني/نوفمبر شركة مياه صور، ما أسفر عن تدميرها واستشهاد موظفين اثنين، وانقطاع المياه عن ثلاثين ألف مشترك في المدينة ومحيطها، حسبما أفاد رئيس مصلحة مياه صور وليد بركات.

ودمرت الغارة مضخات المياه وشبكة الأنابيب المتفرعة منها، حسبما شاهد مراسلو "فرانس برس"، في إطار جولة نظمها حزب الله للصحافيين في عدد من أحياء المدينة. وتحتاج إعادة بنائها الى فترة تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر، بحسب بركات الذي قال إن العمل جار لتوفير خيار موقت يزود السكان العائدين بالمياه. وأكمل بركات: "لا صواريخ هنا ولا منصات لإطلاقها، إنها منشأة عامة حيوية. استهدفها العدوان الإسرائيلي".

وبحزن شديد، عاين أنس مدللي (40 عاماً)، الخياط السوري المقيم في صور منذ عشر سنوات، الأضرار التي لحقت بمنزله جراء استهداف مبنى مجاور قبل ساعة من بدء سريان وقف إطلاق النار. كانت أكوام من الركام تقفل مدخل المبنى الذي تقع فيه الشقة. وقال بأسى: "بكيت من القهر. منذ يوم أمس، وأنا أتناول المسكنات جراء الصدمة. أنظر الى ألعاب أولادي والدمار وأبكي".

وغابت الزحمة عن سوق السمك في ميناء المدينة القديمة الذي كان يعج بالزبائن قبل الحرب، بينما المراكب راسية في المكان منذ أكثر من شهرين وينتظر الصيادون معجزة تعيدهم الى البحر لتوفير قوتهم. ومن بين هؤلاء مهدي اسطنبولي (37 عاماً) الذي روى أنه ورفاقه لم يبحروا للصيد منذ حظر الجيش اللبناني في 7 تشرين الأول/أكتوبر حركة القوارب في المنطقة البحرية في جنوب لبنان.

وأكمل اسطنبولي: "لم يسمح لنا الجيش بعد بالخروج إلى البحر حفاظاً على سلامتنا" باعتبار المنطقة "حدودية" مع إسرائيل، مضيفاً: "نراقب الوضع. وننتظر. خرجنا من أزمة، لكن الناس سيعانون الآن من أزمات نفسية" بعد توقف الحرب... أحياناً وأنا أجلس عند البحر، أسمع فقش الموج وأجفل. يتهيأ لي أن الطيران يقصف. نعاني الصدمة".


increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها