حسمت التصريحات الاسرائيلية بعد ظهر الاثنين، التصارب الاسرائيلي حول وقف اطلاق النار على الجبهة اللبنانية، إذ قال السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة داني دينون الاثنين إن المحادثات "تمضي قدماً"، لكنه أصر على أن إسرائيل ستحتفظ في أي اتفاق بالقدرة على ضرب جنوب لبنان.
وقال السفير قبل اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إنه يتوقع اجتماع مجلس الوزراء الإسرائيلي اليوم الاثنين أو غدا الثلاثاء لمناقشة قضية وقف إطلاق النار في لبنان.
تضارب في التقديرات
وحتى بعد الظهر، كان ثمة موقفان إسرائيليان متناقضان يعكسهما الإعلام العبري، أكده المراسل العسكري لإذاعة "مكان" العبرية، إيال عاليما، في إفادته بالنشرة الصباحية، بالإشارة إلى موقف "تفاؤلي" يتحدث عن أن الاتفاق بات في "متناول اليد" رغم "الفجوات"، لدرجة التنبؤ بإبرامه في غضون أيام قليلة جداً، بدعوى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منح الولايات المتحدة ضوءاً أخضر "مبدئياً" للمضيّ قدماً نحو الاتفاق المنشود.
"أيام حسّاسة.. والخطر قائم"
وعلى النقيض من الموقف الأول، أبرز عاليما رأياً آخر في تل أبيب، يبدو حذراً من الجزم بقرب الاتفاق، بقوله إن "الخطر ما زال قائماً رغم تعالي الأصوات عن قرب الاتفاق"، وسط تأكيد إعلامي عبري بأن الموافقة النهائية على الاتفاق منوطة بالمجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينت".
ورأت إفادات عسكرية لهيئة البث العبرية، "أننا في أيام حساسة وفاصلة"، من منطلق أن التصعيد الميداني الأخير، قد يعطل الاتفاق، أو يؤجله إلى أجل غير مسمى، خاصة بعد إطلاق حزب الله أكبر رشقة صاروخية تجاه العمق الإسرائيلي منذ بدء الحرب، بواقع 340 صاروخاً في يوم واحد، حيث وصلت إلى منطقة المركز (تل أبيب)، في مقابل قصف إسرائيلي عنيف على بيروت وضاحيتها الجنوبية، بموازاة مزاعم بشأن "التقدم البري" لقوات الاحتلال في عمق الجنوب اللبناني.
واللافت في خضم الموقفين المتناقضين، هو نبأ نشرته صحيفة "إسرائيل هيوم" المقربة من نتنياهو، نقلا عن "مصدر سياسي"، ومفاده أن وقف إطلاق النار في لبنان سيتحقق خلال أيام أو أقل.. وهو أمر يطرح تساؤلات بشأن دوافع شخصيات مقربة من نتنياهو من التسريب بالساعات الأخيرة عن أن الاتفاق بات "قريباً جداً"، وعدم ارتباطه بمناورة سياسية محددة من قبل نتنياهو؛ لأسباب خفيّة.
قطع الطريق على مجلس الأمن!
ولعلّ علامات الاستفهام هذه، تبرز أكثر عند التمعّن في مقال لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، أضاء على مخاوف إسرائيلية من وراء الكواليس، تتمثل بالخشية من انتهاء الوساطة الأميركية، أو إصدار مجلس الأمن الدولي قرارا بوقف الحرب، وهما سيناريوهان لا يريدهما نتنياهو..
وخرجت تساؤلات عما إذا كان ترويج مصادر محسوبة عليه، لقرب الاتفاق، يُعدّ بمثابة تهيئة وتحضير لليمين من أجل تمرير الاتفاق المحتمل؟، أم أنه ليس أكثر من مناورة يقوم بها نتنياهو لتحقيق هدف مزدوج: أولاً شراء الوقت ومماطلة الحرب حتى دخول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير 2025، وثانياً قطع الطريق أمام أي قرار محتمل من مجلس الأمن بوقف الحرب بلبنان، عبر القول إن "هناك جهوداً سياسية جدية قد تقرّب الاتفاق"!
وما يفرض هذه الأسئلة عملياً، هو أن تجربة مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة على مدار أكثر من سنة، أظهرت أن نتنياهو كان ينسف المفاوضات كلما اقتربت من تحقيق شيء، ناهيك عن أن بعض الأوساط الإسرائيلية تعتقد أن ما يدور في عقل نتنياهو لا يعكس دائماً تقييمات ورغبات المستويين الأمني والعسكري.
شراء نتنياهو للوقت؟
وعززت هذا الاعتقاد، قراءة قدمها المحلل السياسي الإسرائيلي يوني بن مناحيم في لقاء إذاعي أخيراً، قال فيها إنه لا يستبعد أن نتنياهو "يناور ويماطل بالمفاوضات حتى دخول ترامب إلى البيت الأبيض"، وأنه يريد استغلال الفترة الشهرين لمواصلة الهجوم على "حزب الله" وإضعاف قوته العسكرية بشكل أكبر، مبيّناً أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي يرى في ما يجري "فرصة تاريخية لا تتكرر لإضعاف الحزب"، وأن لديه "وهم" بإمكانية تحويله إلى "حزب سياسي فقط".
ومهما كانت نية نتنياهو، فإن تحليلات إسرائيلية ذكرت أن دافع إصرار إسرائيل على فترة الهدنة التجريبية لمدة 60 يوماً، هدفه عدم إلزامها بوقف نهائي للحرب، وإتاحة الفرصة لاستئناف القتال، تحت أي ذريعة كانت.. إضافة إلى عدم رغبة الحكومة اليمينية منح "إنجاز" لإدارة بايدن، وأن تُرحّل تفاصيل المفاوضات إلى ولاية ترامب حينما يتسلم مهمته رسمياً.
وأما الجيش الإسرائيلي، فإن حماسته للاتفاق تقوم على أساس حاجة عملياته وتكتيكية، باعتباره "مهماً لاستراحة القوات، وتجديد مخازن السلاح"، وفق ما يُنسب إلى قيادات بالجيش.
اليمين المتطرف يرفض الإتفاق
وسط ذلك، نقلت عدد من الصحف العبرية عن مصدر سياسي قوله، إنه رغم الاتجاه الإيجابي، فإن هناك أشياء ما زالت على جدول الأعمال وهناك أمور لم يتم اغلاقها، على حد تعبيره.
والحال أنّه بالترافق مع الحديث عن قرب الاتفاق، تصاعدت من أقطاب اليمين الحاكم، والمعارضة، إذ عبر الوزير المتطرف إيتمار بن غفير عن رفضه الاتفاق مع لبنان، بوصفه إياه بـ"خطأ كبير ويفوّت الفرصة للجم حزب الله"، بيدَ أن مراسل القناة "12" العبرية، عميت سيجل، علق على موقف بن غفير، بالقول: "سجلوا، لم يهدد بترك الحكومة"، في إشارة إلى إمكانية تمرير الاتفاق، رغم معارضة أصوات يمينية له.
ولم يختلف موقف المعارضة جوهرياً، حيث شدد زعيم "معسكر الدولة"، بني غانتس، على أن "أي اتفاق يجب أن يمكننا من حرية الحركة وضرب منشآت عسكرية في لبنان".
مع العلم، أن استطلاعاً للرأي العام الإسرائيلي أظهر أخيراً أن أكثر من نصف الإسرائيليين يريدون الاتفاق مع لبنان، لكن الاستطلاع بيّن أيضاً معارضة اليمين للاتفاق، بواقع 55 في المئة.
إشكاليات الاتفاق
بالموازاة، تطرقت تحليلات عبرية إلى مواجهة الاتفاق 3 إشكاليات رئيسية: الأولى إصرار إسرائيل على المرحلية بالاتفاق، عبر هدنة تجريبية لستين يوماً، في مقابل رفض حزب الله هذه النقطة. بينما تكمن النقطة الإشكالية الثانية بـ"حرية العمل الإسرائيلي" في لبنان، منوهاً إلى أنه يمكن حل هذه الإشكالية بأن تنفذ إسرائيل قصفاً "عاجلاً" دون "إذن" من أحد. وأما المسألة الثالثة، فهي مرتبطة بوجود 13 نقطة عالقة أصلاً في تنفيذ قرار 1701، بحسب وسائل إعلام عبرية.
وبالنسبة لإشكالية مشاركة فرنسا في لجنة المراقبة الدولية، على ضوء رفض نتنياهو ذلك، غضباً من باريس، بسبب مواقفها تجاه إسرائيل منذ بدء الحرب، فقد نوهت نشرات إخبارية عبرية إلى إمكانية تجاوزها، عبر تقليل حجم الدور الفرنسي باللجنة المذكورة.
الميدان.. كمؤثر على الاتفاق
بكل الأحوال، تجمع التقديرات العسكرية والسياسية في إسرائيل، على أن ما يحدث ميدانياً الآن قد يكون له "تأثير كبير" على التقدم بالمفاوضات، موضحة أن كل طرف يريد أن يحقق "إنجازات" بالمفاوضات، عبر المسار العسكري.
وهنا، توقفت النشرة الصباحية للإذاعة العبرية عند أشد رشقة صاروخية من "حزب الله" تجاه العمق الإسرائيلي منذ بداية الحرب، حيث نقل المراسل العسكري عن مصدر بالجيش، قوله إن الاعتقاد السائد هو أن الحزب سيواصل ضرباته وسيصعدها، وهو ما اعتبره "عاملاً سيزيد خطر الانجرار إلى سيناريو مواصلة المعركة دون التوصل إلى اتفاق"، وفق قوله.
ومع ذلك، أشارت تقديرات عسكرية عبرية الى أن محاولة إسرائيل اغتيال مسؤول العمليات في حزب الله محمد حيدر، إضافة إلى حديث مسؤوليها قبل أيام بأنها حققت "انتصاراً" في لبنان، هي من بين المبررات التي دفعت الحزب لإطلاق هذا العدد الكبير من القذائف الصاروخية، لكنها أضافت سبباً آخر متعلقاً بالعامل الجوي، مشيرة إلى أن الحالة الجوية "الرديئة" صعبت على سلاح الجو عملية الرصد، ما شكل فرصة لحزب الله لإطلاق هذا العدد الكبير من الصواريخ، بما فيها "الدقيقة" التي وصلت تل أبيب.
ونوّه مراسلون عسكريون الى أنه بغضّ النظر عن دوافع الحزب، فإنه يمتلك قدرات صاروخية تمكنه من مواصلة الضربات على إسرائيل، مضيفين أنه مع الاقتراب من الاتفاق، تزداد الجهود العسكرية من قبل الحزب.. وهو ما دفع أوساطاً بالجيش الإسرائيلي إلى الدعوة لاستغلال الفرصة للتوصل إلى اتفاق، منعاً لانجرار الأمور إلى "حرب استنزاف طويلة".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها