في ساحة الأمويين وسط دمشق، تنقل شاشة عملاقة على مدار الساعة ما يبثه التلفزيون الرسمي: صورة الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله الذي استشهد بغارة إسرائيلية، قبل أيام، والى جانبها ضيوف ومحللون يتناوبون على الكلام.
في الشاشات كما في المقاهي والشوارع، يطغى الحدث على سواه، وسط ترقب لتداعيات محتملة وخشية من أن تتوسع رقعة التصعيد الإسرائيلي لتطاول الأراضي السورية التي لم تكن أساساً بمنأى عن غارات ركزت في الأيام الأخيرة على نقاط قريبة من المعابر الحدودية مع لبنان، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".
في أحد أزقة دمشق، قال التاجر أيهم باردة (30 سنة) في طريقه إلى عمله: "تلقينا خبر استشهاد السيد نصرالله بصدمة كبيرة، حدث مأساوي حل علينا وعلى الأمة العربية. خسرنا شخصاً له مكانة كبيرة، اعتدنا عليه وعلى إطلالاته".
ولطالما حظيت إطلالات نصرالله بمتابعة واسعة في سوريا، خصوصاً بعد تدخل حزبه بشكل علني العام 2013 في النزاع الذي عصف بالبلاد العام 2011. ودلالة على الارتباط الوثيق بين دمشق والحزب، أرسل رئيس النظام بشار الأسد، الأحد، رسالة تعزية إلى عائلة نصرالله، قال فيها: "يبقى الشهيد نصرالله في ذاكرة السوريين وفاء لوقوفه على رأس المقاومة الوطنية اللبنانية إلى جانب سوريا في حربها ضد أدوات الصهيونية".
وساهم تدخل "حزب الله" المدعوم من طهران، في سنوات النزاع الأولى، في ترجيح كفة الميدان لصالح دمشق على جبهات عديدة. وشكلت سوريا بدورها أحد حلفاء "حزب الله"، ولطالما سهلت، عملية نقل الأسلحة اليه من طهران، بحسب خبراء. ومع تراجع حدة المعارك، انحصر وجود الحزب في السنوات الأخيرة في دمشق. وشكلت منطقة السيدة زينب في الضاحية الجنوبية لبيروت واحدة من أبرز مراكز تجمع أنصاره ومؤيديه.
ورفعت صور نصرالله على الجدران في شوارع المنطقة، حيث يوجد مقام السيدة زينب الذي يحظى بأهمية كبرى لدى الطائفة الشيعية وشكّل "الدفاع عنه"، بحب أدبيات حزب الله، عامل استقطاب لمقاتلين قاتلوا الى جانب القوات الحكومية.
وبثت مآذن المقام تلاوات من القرآن على روح نصرالله، بينما وزع فتية وروداً بيضاء ومياه شرب مجاناً على المارة، حسبما أفاد سكان المنطقة. وفي أحياء أخرى، من بينها الصادق والأمين وزين العابدين، أقيمت مجالس عزاء لثلاثة أيام، استقبلت في يومها الأول الأحد، عشرات المعزين "باستشهاد نصرالله" حسبما نشرت هيئات دينية مناصرة للحزب في دمشق.
وأعلنت الحكومة السورية، السبت، الحداد الرسمي العام ثلاثة أيام، تنكس خلالها الأعلام على المقرات والسفارات. وقالت أن اغتيال نصرالله يشكل "عدواناً دنيئاً".
وتعرض محيط معابر حدودية عديدة، في الأيام الأخيرة، لغارات إسرائيلية، على وقع تدفق عشرات الآلاف من اللاجئين السوريين واللبنانيين عبرها، هرباً من التصعيد في لبنان، ثم شهدت العاصمة دمشق ومحيطها قصفاً إسرائيلياً، بينما أحصت الأمم المتحدة الإثنين نحو مئة ألف شخص نزحوا من لبنان باتجاه سوريا.
وقتل خمسة جنود سوريين، الجمعة، بحسب وزارة الدفاع، جراء غارة اسرائيلية على موقع عسكري قرب الحدود مع لبنان. وقال الجيش الإسرائيلي أنه قصف "بنى تحتية.. يستخدمها حزب الله لنقل وسائل قتالية من سوريا إلى لبنان".
وأصيب سبعة مقاتلين موالين لطهران، الإثنين، في غارات قرب معبر جديدة يابوس الحدودي، المعبر الأكبر مع شرق لبنان، فيما شنت طائرات إسرائيلية غارة على حي المزة الدمشقي، صباح الثلاثاء.
وقال وسام بشور (36 سنة): "نشعر بالقلق. ستتأثر سوريا بكل تأكيد، لكن لدينا القدرة على تجاوز ذلك، كما تجاوزنا سابقاً أموراً أكبر". وتابع الشاب الذي يعمل في مجال الدعاية والإعلانات أن هاتفه المحمول لا يفارقه منذ ثلاثة أيام: "هذه جولة ضمن المعركة، خسارتنا كبيرة".
وعلى نافذة شرفتها في حي الصادق في دمشق، علّقت لبانة شعار (36 عاما)، صورة جديدة لنصرالله على زاويتها شريط أسود. وقالت: "ما قبل نصرالله ليس كما بعده، خسارتنا كبيرة ومن حقنا أن نشعر بالخوف لما ستحمله المرحلة المقبلة".
ويبدو المشهد في دمشق مغايراً كلياً لما هو عليه في مناطق خارج سيطرة النظام، خصوصاً في إدلب حيث استبق سوريون تأكيد مقتل نصرالله بتوزيع الحلوى وإطلاق المفرقعات ابتهاجاً، في مؤشر على عمق الانقسام في الموقف من "حزب الله" وقياداته.
ويحمّل ناشطون ومعارضون سوريون "حزب الله" مسؤولية تهجيرهم من مناطقهم، بعدما خاض مقاتلوه مواجهات شرسة ضد مقاتلي المعارضة على جبهات متعددة، ما أدى الى خسارة فصائل معارضة لمعاقلها وإجبار عشرات الآلاف على الرحيل الى شمال غربي البلاد.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها