على غرار شرطة الحسبة التي أسسها تنظيم "داعش" إبان حكمه لمناطق واسعة في سوريا والعراق قبل سنوات، تنوي "هيئة تحرير الشام" الجهادية تطبيق نفس التجربة مجدداً في إدلب عبر قانون "الأداب العامة" الذي نشرت نصه الأولي وسائل إعلام سورية معارضة، وينص في بنوده على إنشاء شرطة الآداب العامة وفرض الحجاب على الفتيات فوق 12 عاماً ومنع تشغيل الموسيقى ومنع الاختلاط في العمل بين الجنسين.
ومشروع القانون الذي لم يتم تطبيقه بعد، مكون من 28 صفحة، وصادر عن وزارة الداخلية في "حكومة الإنقاذ"، الذراع الإدارية للهيئة التي زعمت أنها فكت ارتباطها بتنظيم "القاعدة" من دون أي تحول في النهج الجهادي المتشدد الذي تقوم عليه، على غرار جماعات صديقة لها مثل حركة "طالبان" التي تفرض نفس الأحكام والقوانين في أفغانستان.
وعرفت الوزارة مشروع القانون بأنه "مجموعة القواعد والأحكام المتعلقة بالنظام الأخلاقي والسلوكي لأفراد المجتمع"، وتنص المادة الثانية منه على "الحفاظ على الآداب العامة والذوق العام، ويُقصد به منع المخالفات وكل ما هو مذموم شرعاً وعرفاً، ما لم تنظمها قوانين أخرى".
أما المادة السابعة من القانون، فتتولى شرطة الآداب العامة منع المخالفات العامة التي تظهر في المجال العام، وهي: "كل محرم قطعي لا يُختلف فيه، مشهور التحريم، وما استقرت فتوى أهل العلم في البلد على تحريمه، واشتهر ذلك بين الناس، والمخالفات الاجتماعية الظاهرة، وما يمسّ الذوق العام، مما منعه القانون، ومما يصدر من الوزارة تعميم بمنعه".
أما المادة التاسعة، فتنصّ على عدم "سب الله وأنبيائه ودينه، أو الاستهزاء والانتقاص من شعائر الإسلام ورموزه وعلمائه"، فيما تنص المادة العاشرة على منع "البيع وفتح المحال التجارية والمطاعم والأندية والمسابح والمقاهي والبسطات ونحو ذلك، بعد النداء الثاني يوم الجمعة وحتى انتهاء الصلاة".
أما في المواد الأخرى، فيمنع فيها "تشبه أحد الجنسين من الرجال والنساء بما يختص به الآخر، ويمنع الوشم، وفرض الحجاب على النساء والفتيات اللاتي بلغت الـ12 من العمر، ويُمنع شرب الخمر والمخدرات بأنواعها وصناعتها وحيازتها وبيعها أو اللعب بالقمار".
ويضم القانون المقترح، بنوداً عن منع الأغاني ومنع الرجال بالمباشرة في بيع الأشياء الخاصة بالنساء ويمنع دخول الرجال في الأماكن المخصصة للنساء، إلى جانب منع الاختلاط بين الرجال والنساء في العمل سواء في القطاع العام أو الخاص إلا بإثبات أنهما من المحارم، كما ويمنع استخدام الأسماء المسيئة للقيم والأعراف المجتمعية، سواء في الأماكن العامة أو المحال التجارية أو المنتجات أو الخدمات الإعلامية.
والحال أن كثيراً من تلك الممارسات تنتشر أصلاً في إدلب وحتى في مناطق الشمال السوري التي تسيطر عليها فصائل "الجيش الوطني"، وهي ميليشيات إسلامية تتبع لأنقرة، وشهد الشهر الماضي مثلاً حالة جلد علنية لرجل بتهمة "الإساءة للذات الإلهية"، فيما توثق منظمات مثل "المرصد السوري لحقوق الإنسان" و"الشبكة السورية لحقوق الإنسان" انتهاكات مستمرة لحقوق الإنسان الأساسية، في ظل الحكم الديني لتلك الفصائل والتنظيمات.
والشرطة الجديدة المقترحة في مشروع القانون كانت حاضرة في ظل حكم "تحرير الشام" لإدلب خلال السنوات الماضية تحت مسميات مختلفة مثل جهاز "سواعد الخير" الذي تم إنشاؤه العام 2018. وقبلها بعام عندما تم إنشاء "حكومة الإنقاذ" حاولت "تحرير الشام" فرض تفسير صارم للشريعة الإسلامية. وتم تكليف الشرطة الدينية (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) بالتأكد من تغطية النساء أجسادهن، مع إظهار وجوههن وأيديهن فقط. وكان أعضاؤها يجبرون المتاجر على الإغلاق أيام الجمعة حتى يتمكن الناس من حضور الصلاة. تم حظر تشغيل الموسيقى، كما تم حظر تدخين النارجيلة في الأماكن العامة.
ومطلع العام الماضي، ظهر زعيم التنظيم بثياب مدنية وأجرى مقابلات مع الإعلام الأميركي كما زار الكنائس المحلية التي عادت لممارسة نشاطها الديني، في محاولة لتصدير رسالة دعائية عن التعددية والتسامح الديني، كما تم فك أجهزة الحسبة والشرطة الدينية التي تعود اليوم للنشاط عبر مشروع القانون الجديد.
وقال الجولاني مطلع العام 2023 أنه لا ينبغي فرض الشريعة الإسلامية بالقوة. وأضاف: "لا نريد أن يصبح المجتمع منافقاً. يصلي الناس عندما يروننا ويتركون الصلاة بمجرد أن نرحل"، مشيراً إلى المملكة العربية السعودية التي خففت ضوابطها الاجتماعية في السنوات الأخيرة بعد عقود من حكم إسلامي صارم.
وفي الأشهر الأخيرة زادت الدعاية المتشددة التابعة للهيئة من شدتها، بما في ذلك الكشف عن المدارس الدينية الكثيرة المنتشرة في إدلب منذ العام 2017 والتي كانت غائبة عن المشهد الإعلامي للهيئة.
ومع تبني "تحرير الشام" لكل هذه الرسائل مجتمعة اليوم، فإنها ربما تشعر بشيء من الاستقرار مع هدوء المعارك في البلاد التي تعيش تقسيماً غير معلن، بعد فشل الثورة السورية وانجرافها نحو الأسلمة. ومع سيطرة "الهيئة" على إدلب لسنوات وتخلصها من معظم الفصائل الإسلامية المنافسة تدريجياً، وقمعها للأصوات المستقلة والصحافيين والناشطين والمنظمات غير الحكومية، باتت اليوم تشعر بشيء من فائض القوة ربما بشكل يجعلها تستعيد خطابها الأول الذي كان حاضراً بين العامين 2013 و2016.
ورغم أن "حكومة الإنقاذ" لم تعلن إقرار المشروع بشكل رسمي حتى الآن، فإن وزارة الداخلية فيها نشرت إعلاناً عن فتح باب الانتساب للعمل ضمن شرطة الآداب العامة وحددت الشروط التي كان أولها "أن يكون خريجاً من كلية الشريعة أو من معهد شرعي متوسط".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها