السبت 2023/09/09

آخر تحديث: 19:03 (بيروت)

"أريج" في بيروت: صحافة استقصائية في زمن الذكاء الاصطناعي

السبت 2023/09/09
"أريج" في بيروت: صحافة استقصائية في زمن الذكاء الاصطناعي
increase حجم الخط decrease
بعد انقطاع، تصدرت العاصمة اللبنانية المشهد الاستقصائي من خلال إطلاق عرض خاص للفيلم الوثائقي "الجائزة الذهبية" الذي تناول تفاصيل العمل على قصص استقصائية لصحافيات وصحافيين عرب ضمن شبكة "أريج" للصحافة الاستقصائية التي التقت بحشد كبير من الصحافيين اللبنانيين في بيروت، هذا الأسبوع.

والفيلم الذي عُرض في قصر سرسق، استعرض في 25 دقيقة، المراحل التي يمرّ بها أهل الصحافة في عملهم، وصولاً للحظات المؤثرة خلال حفلة تقديم الجوائز الثلاث الأولى لأفضل التحقيقات. وتحدث عشرة صحافيين عن مراحل التحقيق خلال كواليس مهرجان الشبكة السنوي الخامس عشر، فيما كان السؤال الأبرز متمحوراً عن سبب اختيار بيروت لإطلاق الوثائقي خلال زمن قد يكون الأسوأ اقتصادياً وسياسياً في تاريخ لبنان.

وأتى الجواب من المديرة العامة لشبكة "أريج"، روان الضامن، التي قالت أن اختيار بيروت جاء في الذكرى الثالثة لإنفجار المرفأ ليكون النشاط ميدانياً في مدينة عزيزة على قلب كلّ عربي رغم كل التحديات التي تمرّ بها.

وأكملت الضامن بأن الصحافيين الاستقصائيين يواجهون "صعوبات كثيرة لدرجة دفعت أكثر من نصفهم للنشر تحت أسماء مستعارة، والعديد من المنصات العربية لم تعد تنشر في مواقعها قصصاً ضدّ الفساد، بل تقدمها لمنصات أجنبية وتُنشر من خلال تعاون عابر للحدود". وأضافت بأن العبء الكبير على الصحافي اليوم لا يتمثل فقط في الحصول على المعلومة وحماية المصادر وجميع الأشخاص المقربين منه، بل يمتد أيضاً ليشمل أسس الحماية الرقمية والنفسية، والقانونية والجسدية والمهنية للاستمرار في هذا النوع من المساءلة.

وكلّ قصّة استقصائية تهدف في نهاية المطاف إلى صناعة تغيير وإحداث أثر، بالإضافة إلى تبيان الحقيقة في وجه الفساد والظلم وسوء استخدام السلطة والقمع وكلّ الانتهاكات التي تطاول الإنسان أينما كان.

منهج استقصائي تعليمي

ورغم أن تاريخ الصحافة في العالم العربي مرّ بمحطات كثيرة مع اختلاف في التأثير، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، فإن هنالك مدارس مختلفة في كلّ بلد من بلدان المنطقة وتجارب عظيمة يُشهد لها، لكنه يمرّ اليوم بمتغيرات جمّة من اضطراب المعلومات إلى الذكاء الاصطناعي ومقاومة لمفهوم الاستقلالية والشفافية في العمل الصحافي فضلاً عن تهديدات تطاول الأمن الوظيفي أيضاً.

كلّ تلك التفاصيل ترعاها شبكة "أريج" منذ انطلاقتها الأولى العام 2005، لتقدم اليوم معايير عربية لكتابة قصة استقصائية والعمل على تحقيقات عالية الجودة تصبح منهجاً تعليمياً لكل من يرغب في التدرب على ذلك. كما تقدم الشبكة دعماً عبر الاشراف على التحقيقات وتقديم دعم مالي وتشبيك مع مؤسسات اخرى للنشر.

متغيرات تقنية

والتفتت الشبكة منذ العام 2021 للمتغيرات التكنولوجية المستجدة وبدأ العمل على الاستثمار، من الذكاء الاصطناعي وتأثيره في مهنة الصحافة. وقالت مديرة "الشبكة العربية لمدققي المعلومات" سجى مرتضى أنه لذلك "بدأ العمل على تطوير استراتيجية أريج الخاصة بالذكاء الاصطناعي وباللغة العربية بدعم من مبادرة أخبار غوغل وهي موجودة لخدمة المؤسسات الإعلامية العربية الكبيرة والناشئة".

وتقدم الإعلانات الرقمية التي تظهر بسهولة في الهاتف الذكي، مثلاً، انطباعاً للمتلقي بأنه على بُعد ساعات من تحقيق أرباح مالية طائلة بمجرد مشاهدة فيديو تعليمي يؤمن مهارة إدارة المحتوى، وتسييله بطريقة تدعم نمو عدد المتابعات والمتابعيين، كما يمكن لمن يرغب أن يصبح ناشراً، والأهمّ أن يؤمن دخلاً كريماً ويحقق شهرة. وهو ما يحيل إلى سؤال مُلحّ أمام الصحافيين: "لماذا نجتهد ونعمل ونبحث عن الحقيقة وعن التغيير ونمضي ساعات في التعلم أو كتابة المقال؟ ولماذا لا نعتمد أيضاً على الذكاء الاصطناعي ونختصر الوقت؟".

وأجاب رئيس تحرير "أريج" منير الخطيب، بأنه يمكن لتقنيات الذكاء الاصطناعي كتابة نصّ لكنه لن يكون قصة ولن يكون سردياً، ولن تتمكن أدوات الأتمتة من صياغة روح النص. وأكمل: "نحن نكتب القصة بأسلوب سردي، سهل وشيق بعد بحث عن المعلومات والتدقيق فيها وبالمصادر وبالبُعد القانوني. ونقسم القصة أى المحتوى المكتوب والبصري، هذا التنظيم والسبك لا تقدمه تقنيات الذكاء الاصطناعي".

لا مركزية مجتمع الشبكات

إلى ذلك، تسمح فكرة لا مركزية "مجتمع الشبكات" وتشكيلها، بنسج أنماط جديدة ومعقدة للانتماء والتنظيم وإنتاج المحتوى وتقديم خبرات غير معهودة خارج هذا الإطار. وتقدم منصات كثيرة حول العالم خطوات وأمثلة لنجاحات مبدعات ومبدعين في عالم صناعة المحتوى، فيما مازالت المناهج التعليمية والمؤسسات الاعلامية في غالبيتها بعيدة من تلقي وفهم ما يحصل من سرعة نمو في قطاع ريادة الاعمال الرقمي المعاصر، وهي في أمسّ الحاجة لنموذج إعلامي جديد ومحلي.

والواقع أنه ومنذ أمد غير طويل نسبياً، يشهد المجتمع الرقمي لطفرة صانعات وصانعي المحتوى من خلال وسائل تواصل اجتماعية مختلفة. تقييم هذه التجارب ما زال في بدايته ومن الصعب التنبوء به وبما سيقدمه في المستقبل. والحديث هنا ليس عن الجودة أو عن القيمة التنموية لهذا القطاع بقدر ما هو عن قدرة هذا المحتوى على صنع التاريخ أو إحداث التغيير.

تلك الفكرة كانت جزءاً من الأسئلة خلال اللقاء مع "أريج"، خصوصاً عن تأثير صانعي المحتوى الرقمي في قيمة العمل الصحافي ومضمونه. وجاء الرد من روان الضامن بأن العمل على تحقيق معمّق لا مجال لمقارنته بصناعة محتوى، وأن ساعات التدقيق والمتابعة لا تحدث من دون مجهود بشري وتعاون أصبح غير تقليدي وعابر للحدود الجغرافية ومتنقل عالمياً، حسب تعبيرها.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها