لا تُعدّ الانتقادات لجيلبير قرعان، خطيب المتطوعة في فوج الاطفاء سحر فارس، الا رأس جبل الجليد من محاولات فرض الوصاية على عائلات شهداء انفجار المرفأ. وضعهم الاعلام تحت الضوء، وشاركهم الناس مآسيهم وخصوصياتهم، لدرجة انتقاد جيلبير لاعلان خطوبته على فتاة أخرى.
كانت سحر فارس تستعد لزواجها من جيلبير في العام 2021. استشهدت ضمن الانفجار، وعاش خطيبها لحظات مأساوية، وبقي، حتى آب/أغسطس الماضي، يعلن وفاءه لخطيبته ويدافع عن قضية شهداء المرفأ. دافع عن القضية، ولم يخلُ تحرك من مشاركته.
قبل أيام قليلة، أعلن جيلبير في مقطع فيديو خطوبته من فتاة أخرى. ثارت ثائرة الناس، واتهم بالتخلي عن سحر وقضيتها، ونُشرت العناوين الصحافية المستفزة التي تهاجمه، وهو ما دفع آخرين للدفاع عنه، بوصف الحياة "ستستمر"، وهذا "مسار طبيعي"، وأن الرجل لم يخطئ إذا أحب مرة أخرى.. وقال آخرون إنه من الطبيعي أن يرتبط بأي فتاة أخرى، بينما البقاء على الذكرى "لا يعدو كونه استثناءً".
والحال إن التعاطي مع حدث خطوبة جيلبير، يظهر حجم انتهاك الخصوصية والحياة الشخصية، حيث لا يفصل المؤيدون لمسار العدالة في انفجار المرفأ بين القضية الوطنية وضرورة احقاق الحق وتحصيل العدالة، وبين الحياة الشخصية للأفراد. يغافل كثيرون حقائق بأن أهالي الضحايا، هم أفراد من لحم ودم، لهم مشاعرهم، ولهم حياتهم، ومن الطبيعي ألا تتوقف حياتهم عند حدث، إلا باستثناءات، ومن حقهم العمل والتعلم والحلم والزواج.
يحاول البعض فرض وصاية على هؤلاء، من اللحظة الأولى، عبر دفعهم للقيام بما يشتهيه الناس. مرة بتقييد حركتهم، وأخرى بانتقاد ردود أفعالهم، ومرات بالحديث عما يجب أن يقوم به هؤلاء. عزز الاعلام هذه الوصاية، عبر نشر تفاصيل خاصة، وربما أشرك الناس في تفاصيل الحياة الشخصية، وحوّل القضية من قضية وطنية، الى قضية شخصية على مقاس أفراد، فبات هناك "نجوم" من مواكبي القضية، وتم استغلال المعاناة الشخصية بالكامل، وصولاً الى تحديد الصح من الخطأ، من منظور الناس، بمعزول عن ظروف كل فرد، وتطلعاته الشخصية.
غالباً ما يخلط كثيرون بين كل تلك المفاهيم. لا يلحظون موجبات الضغط الاعلامي، ولا اسبابه وأهدافه. يحاول البعض مصادرة القضية، وتفصيلها على مقاسات شخصية، علماً أن الضغط محدد بإحقاق العدالة، وبمحاولة تغيير الذهنية اللبنانية التي تتراخى مع الجرائم، ومساعي السياسيين للتطبيع مع "الإفلات من العقاب".
ما يجري في قضية المرفأ، وصاية مرفوضة من البعض على تطلعات الأفراد وحقوقهم الشخصية. سحر فارس، كانت ولا تزال عروس المرفأ، وهي صورة تجسد معاناة اللبنانيين وحجم وجعهم مع منظومة سياسية تنظر الى مصالحها بما يتخطى حقوق المواطنين، لكنها ليست مِلكاً لأحد، لا صحافيين ولا لبنانيين آخرين. كل من اللبنانيين له ظروفه وتطلعاته التي لا حق لأحد في مصادرتها.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها