السبت 2023/08/26

آخر تحديث: 17:22 (بيروت)

فوضى المؤثرين تتيح الدجل: أدوية للسرطان...ومعالجون نفسيون يحذرون

السبت 2023/08/26
فوضى المؤثرين تتيح الدجل: أدوية للسرطان...ومعالجون نفسيون يحذرون
increase حجم الخط decrease
"قررت التواجد في مواقع التواصل الاجتماعي لأن هناك حاجة إجتماعية لمفاهيم سائدة تؤذينا، ودوري الإضاءة عليها". هذا ما قاله أحد المؤثرين خلال اعتذاره لجمهوره من طفرة المحتوى المشابه لما يقدمه في مواقع التواصل.

لا يمكن معرفة الحاجة الاجتماعية التي وصل على أساسها هذا المؤثر أو مدرب الحياة "Life Coach"، لكن الأكيد أن الوقوف أمام الكاميرا والتنظير على حياة الناس بما عليهم فعله بات مهمة سهلة، تتسم بالربحية والشهرة.

ولدى هذا المؤثر نحو مليون ونصف المليون متابع في "انستغرام" وحده، حيث ينشر مقاطع فيديو قصيرة يخبر فيها جمهوره بكيفية التعامل مع تحديات الحياة، وينقل تجاربه الخاصة، المهمة والسطحية، ليحولها إلى عِبَر يجب على المشاهدين الاستفادة منها، علماً ان هذا النموذج قد يكون الأفضل، أو الأقل فظاعة، بين زملائه من "المؤثرين الاجتماعيين" الذين ينشرون في قضايا الصحة النفسية والجسدية على سبيل المثال.

عصر التنظير على الناس
وفيما اعتاد متابعو مواقع التواصل على مدوني الموضة والتجميل والسفر والطعام، وغيرهم، فإن تلك الظاهرة تراجعت مع مرور الوقت خصوصاً أن هناك انتقادات كثيرة طاولتهم من ناحية "الرفاهية المزيفة" التي يصدرونها.

وبات "البلوغرز" الجدد قلّة هذه الأيام، مع تراجع في التفاعل والاهتمام. ولهذا السبب ربما، حان الوقت اليوم لنشر التنظير على أزمات الناس بمقومات بسيطة يمكن اختصارها بالطلاقة في الحديث والقليل من الكاريزما، والحد الأدنى من تركيب الكلمات وتحويلها جملاً مدغدغة للمشاعر، ويتم تغليف ذلك كله تحت مسمى "مدرب الحياة".



"ليه بتقبلي تكوني مع رجال مجوز؟" هو عنوان فيديو لمؤثرة يتابعها أكثر من نصف مليون شخص في "انستغرام". لا حاجة بالطبع للشهادات العلمية في اختصاصات معينة، ولا لسنوات الخبرة الطويلة والتدريبات وغيرها. المهم هو التأثير في الناس، إيجاباً أم سلباً، ورفع عدد المشاهدات مع كل مقطع جديد. وفيما لا يمكن تعميم هذا النقد على جميع المؤثرين، إلا أن غالبيتهم أثبتت سهولة الوصول للمشاهدين، ولو بمحتوى يفتقد الحد الأدنى من المنطق.

ونجحت غالبية المؤثرين بتحقيق شهرة واسعة في وقت قصير، مع استفحال أزمة لبنان الاقتصادية وما تشهده الدول المجاورة، حتى بات لكل أزمة مؤثر خاص بها، مع جمهور يتخطى الحدود السياسية للدول العربية. فيما ترسل لهم دعوات لمشاركة "خبراتهم" في لقاءات على أرض الواقع يحضرها المئات وربما الآلاف.



والعديد من الخبراء والمعالجين النفسيين في لبنان، رفعوا الصوت بوجه ممارسات بعض "مدربي الحياة" لأن عدداً كبيراً من هؤلاء سمح لأنفسهم بالتعامل مع أفراد يعانون اضطرابات نفسية مثل الاكتئاب، بغياب المقومات العلمية مكتفين ببعض الورش التدريبية التي شاركوا فيها.

إسقاط التجارب وتغييب الفروقات الفردية
بالعودة إلى تجارب المؤثرين الشخصية، يقرر العدد الأكبر منهم تحويل أبسط المواقف إلى محتوى يستحق استنتاج العِبَر منه. يتحدث بعضهم مثلاً بطريقة غير مباشرة، أنهم يتكرمون على الجمهور بمشاركة بعض مما تعلموه ومروا به.

بالنسبة إليهم، هم تعلموا معظم دروس الحياة، أو جميعها، وحان وقت الجمهور ليتعلم منهم. في المقابل، يتجاهل أولئك المؤثرون في أحاديثهم مبدأ الفروقات الفردية، وكأن جميع البشر يشكلون نسخاً عن بعضهم البعض، وقرروا بالتالي أن ما يؤمنون به يسري على الجميع، وأن ما "يعلمونه" للمشاهدين يطابق أحوالهم وعليهم الإسراع في الاقتداء بنصائحهم.

وعلقت الأخصائية النفسية والناشطة الاجتماعية وردة بو ضاهر، في حديث مع "المدن": "لا يمكن اعتبار تجارب المؤثرين فارغة، فهي خاصة ومن الممكن أن تُعظّم لتعرض بطريقة ملائمة لمواقع التواصل الاجتماعي".

وأكملت بو ضاهر بأنه "لا صح ولا خطأ في علم النفس، بل هناك ما هو مناسب وما هو أنسب"، لكن يغيب عن أحاديث غالبية المؤثرين و"اللايف كوتشز" أن الأفراد بحاجة لعيش خبرات مختلفة، وتعميم التجارب ليس سوى قمع للسلوك والتصرفات.

وأكدت بو ضاهر على الصلة بين تنامي ظاهرة هذا النوع من المؤثرين، وتردي الأوضاع المعيشية. فالأشخاص اليوم أكثر تقبّلاً لهذه المعلومات، وهم بانتظار أجوبة على الأسئلة التي تقلقهم، ويفضلون الاطلاع على هذا المحتوى بدلاً من زيارة متخصص نفسي أو القيام بمجهود لتخطي ما يمرون به.

وقبل أيام، اختارت إحدى الناشطات في "تيك توك" توظيف نفسها طبيبة، لتقدم العلاجات السحرية لمرضى السرطان، باستخدام دبس الخروب وكربونات الصوديوم، في مشهد يعكس التفلّت الذي تعيشه منصات التواصل.

وهؤلاء، يريدون كسب المشاهدات بأي ثمن، ولو بمحتوى هزيل يجذب السباب والإهانات. والمؤثرون النفسيون، بغالبيتهم، يسعون للشهرة نفسها وربما جذب الإعلانات والاستفادة المادية. الفارق الوحيد أنهم اختاروا تجسيد أنفسهم كنخبة في المجتمع، ويريدون للشهرة هذه أن تترافق مع نظرة اجتماعية موحدة: "انظروا إلينا نظرة الفقهاء".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها