الجمعة 2023/06/02

آخر تحديث: 18:09 (بيروت)

"سرقة المأكولات العربية" تشعل اشتباكاً في الإعلام الإسرائيلي

الجمعة 2023/06/02
"سرقة المأكولات العربية" تشعل اشتباكاً في الإعلام الإسرائيلي
"معمول" بتمر وجوز في مخبز فلسطيني بالقدس الشرقية (غيتي)
increase حجم الخط decrease
درجت العادة على أن يتحدث ويكتب الفلسطينيون والعرب، دائماً، عن سرقة إسرائيل لأكلاتهم وأطباق طعامهم عبر نسبها إليها كما لو أنها من صنع "مطبخها"، لكن اللافت أن تكون الإشارة الصريحة لهذه السرقة عبر وسيلة إعلام إسرائيلية هي قناة "مكان" التلفزيونية الرسمية.
"الجهة الثانية" برنامج يُبث عبر "مكان" تركز معالجاته على التحقق من دقة وصحة كل ما يُنشر في السوشال ميديا ووسائل الإعلام من مواضيع سياسية و أمنية وحتى اجتماعية وثقافية، ثم يقوم بدحضها. وكان لـ"الأكل الإسرائيلي" المزعوم نصيب في إحدى فقرات البرنامج، حيث علّقت منى أبو شحادة، المشاركِة في إعداد وتقديم هذه الفقرة، على ما جاء في تقرير بثته قناة "12" العبرية عن المطبخ الإسرائيلي وأبرز أطباقه!


عقدة نقص!
تبدأ أبو شحادة بعبارة ساخرة "آه، آه، الأكل الإسرائيلي!"، وذلك في مستهل تعليقها على مقدمة مذيع القناة "12" العبرية لتقرير يدّعي استعراض أبرز المأكولات الإسرائيلية. ويمهد المذيع الإسرائيلي للتقرير بسؤال لا يخلو من الشعور بعقدة النقص، حتى في عالم المطبخ، ومفاده: "هل تذكرون حينما كانوا يتساءلون: هل هناك أصلاً أكل إسرائيلي؟..اليوم، يُمكن القول إنه بات موجوداً".

المفتول والحمص والعكوب
وما أن بدأ التقرير الإسرائيلي الادعاء بأن المفتول الفلسطيني هو "طبق إسرائيلي"، حتى انهالت منى أبو شحادة وهي من فلسطينيي-48 بطرح مجموعة من الأسئلة الساخرة، أبرزها: "المفتول الفلسطيني أصبح أكلاً إسرائيلياً؟!"، وكذلك الحال حينما توالى استعراض أكلات معروفة بصلتها بالمطبخ الفلسطيني واللبناني كما لو أنها من صنع "المطبخ الإسرائيلي"، مثل الباذنجان المشوي، والحمص، واللبنة، الخبيزة، والعكوب.

تهكم وسخرية
الأمر المضحك أن الشيف الإسرائيلي عيران طيبي يشرح بـ"ثقة" حيثيات بلورة هوية الأكل الإسرائيلي، بقوله "إن صياغة الهوية المطبخية استغرقت وقتاً"، ويستدرك: "إنها مأكولات إسرائيلية تماماً، إنه أكل متصدر دون تردد".

وتهكمت أبو شحادة في برنامج "الجهة الثانية" على ما قاله الشيف الإسرائيلي، باعتبار أن إسرائيل لم تسرق "الأكلات الفلسطينية والعربية" لجعلها ضمن خيارات مطبخها فحسب، وإنما ذهبت إلى تسويقها في دول العالم كما لو أنها "إسرائيلية". وواصل عيران حديثه عن الأكلات التي تم استعراضها، لتُطلق أبو شحادة تعليقها الساخر بلكنتها العامّية: "واو، ما في شيء إسرائيلي أكثر من هيك، تأخذ أكلات مش إلك وتسميها إسرائيلية، ومش تأكلها فقط، كمان تسوقها في بلاد العالم على أساس أنها إسرائيلية.. شو هالأكل الاورجينال هاد".

تبرير السرقة
ولأن عيران طيبي يدرك أن حبال الكذب قصيرة، حاول شرعنة سرقته للأكل العربي، بالقول: "لا يوجد مطبخ لشعب محدد، وإنما هو عابر للحدود وتابع لكل البشرية". غير أنّ أبو شحادة كانت له بالمرصاد، إذ شددت على أنه بالوضع الطبيعي من الممكن أن يكون ما قاله عيران منطقياً، لكننا لسنا في وضع طبيعي، وطالما ما زال "غير الطبيعي" مستمراً، فإنّ ما فعله عيران ليس فقط سرقة، وإنما "وقاحة إسرائيلية كلاسيكية".

المطبخ الإسرائيلي غير موجود
المثير للضحك في ما عرضته القناة "12" أن التقرير الذي وعد المشاهد بتعريفه على "أطباق إسرائيلية بامتياز"، اتضح أنها أكلات عربية "قح" (مئة بالمئة)، وهو ما يؤكد أنه مهما حاولت إسرائيل ومارست من دعاية مُمولة في العالم بشأن "مطبخها" المزعوم، فإنها لن تستطيع تمرير الكذبة، ذلك أن المطبخ عبارة عن هوية وموروث ثقافي وتاريخي تمت بلورته منذ مئات السنين، وليس في غضون سبعة عقود هي عمر دولة الاحتلال. ناهيك عن أن الأخيرة استقدمت يهوداً غربيين وشرقيين محسوبين أصلاً على ثقافة ومطبخ البلد الأم الذي جاءوا منه كي يستوطنوا في أرض فلسطين المحتلة، وهذا ليس كافياً لاستحداث مطبخ يُدعى "إسرائيلي"، فلا يوجد شيء إسمه "مطبخ إسرائيلي".

سرقة الثوب الفلسطيني
لم تسرق الدولة العبرية المطبخ الفلسطيني والعربي فقط، بل دأبت، أيضاً، على سرقة الثوب التراثي لنساء فلسطين، عبر اللعب في زركشاته وتصميمه بطريقة حديثة كي ترتديه مضيفات طيران "العال" الإسرائيلي وفي مناسبات بعينها، لتصويره كـ"تراث إسرائيلي"، في مسعى لتكريس الكذبة القائلة "إن إسرائيل لها هوية تاريخية ثابتة" على أرض فلسطين. 

كما لوحظ استخدام بعض المستوطنين في الأعراس والأفراح أغاني تراثية وشعبية فلسطينية للرقص عليها، وهو ما يعكس توجهاً لدى مدارس أيديولوجية استيطانية يتصدرها الوزير المتطرف بتسلئيل سموترتيش، والذين يزعمون أن "أجدادهم هم الفلسطينيون الحقيقيون، وأن من يُعرفون بالفلسطينيين العرب مجرد اختراع عمره 100 سنة للتصدي للحركة الصهيونية"! وهذه عبارة عن خيالات يتم اللجوء إليها للتغطية على عقدة النقص الناتجة عن انعدام الهوية الثقافية والتاريخية لمشروع احتلالي فُرض كجائزة ترضية اقتضتها مراكز القوى العالمية في فترة الأربعينيات وما سبقها، لا أكثر.

وتبرز سرقة الاحتلال لمطبخ فلسطين وتراثها ضمن معركة الرواية التي تحاول إسرائيل من خلالها تسجيل نقاط لصالحها، لكنها أخفقت في وقائع متعددة، بدليل تناقضها عند حديثها عن مطبخها المزعوم، لدرجة مثيرة للابتذال والسُخرية.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها