الأربعاء 2023/05/03

آخر تحديث: 21:37 (بيروت)

"لبنَنة" الحريات العربية.. "تسوية" بين الرغبة والواقع

الأربعاء 2023/05/03
"لبنَنة" الحريات العربية.. "تسوية" بين الرغبة والواقع
increase حجم الخط decrease
الاجتماع اللبناني العام على ضرورة حماية حرية الرأي والتعبير، لا يبدد الاستنتاج العام بأن الاختلاف حول ممارسة هذه الحرية، بأي معايير وأي سقف، هو السمة الطاغية على مداخلات المتحدثين في فعاليات "اليوم العالمي لحرية الصحافة" الذي استضافته "اليونيسكو" في بيروت، وجَمَع مروحة واسعة من الاكاديميين والاعلاميين والباحثين والحقوقيين والناشطين وطلاب الاعلام. 
واستضافت "اليونيسكو" هذا العام مؤتمراً اقليمياً، على مدى يومين، في بيروت، تحت شعار عالمي "تشكيل مستقبل للحقوق: حرية التعبير كمحرك لجميع حقوق الإنسان الأخرى". رمزية بيروت، أنها تتمتع بالهامش الاعلى من حرية التعبير في المنطقة، وقد تكون نموذجاً يُعمم على بلدان محيطة تم تقويض الحريات فيها، مرة بسبب الاحتلال، كما هو الحال في فلسطين، ومرات بسبب طبيعة الأنظمة السياسية، والحروب التي تنتج مجموعات نفوذ وقوى ضغط أخرى تخنق الحريات. 

غير أن هذا الواقع، لا يخفي الانقسامات اللبنانية الداخلية حول الممارسة، وهو ما يمكن أن يُستشف من النقاشات والمداولات، حيث بدا أن هناك خلطاً، بالتأكيد خلط غير مقصود، بين مسألة حرية الصحافة، ومسألة حقوق الانسان، ولو أنهما يتقاطعان في الكثير من المواقف والمفاهيم.. وجرى التشديد على أن حرية الصحافة هي أساس حقوق الانسان.

أهمية النقاشات أنها شددت على ضرورة حرية التعبير، والحق في الوصول الى الانترنت والمعلومات، والحق في المساواة والتجمع والتظاهر، وناقشت تأثير القيود المفروضة على حقوق الإنسان في الحريات بمختلف أشكالها ودور المدافعين عن حقوق الإنسان. وشددت الجلسات على أن حرية التعبير هي حجر الزاوية لسلامة الإنسان والحق في الحياة والأهمية الحاسمة لحرية الصحافة في دعم حقوق الإنسان وتأثير قيودها في جميع الحريات الأساسية ودور حرية الصحافة في ضمان الوصول إلى معلومات موثوقة على الإنترنت، وكذلك تأثير حرية الصحافة على النساء والفئات الضعيفة.

لكن تأكيد حرية الرأي والتعبير، يصطدم بمواقف تأخذ بعين الاعتبار الحيثيات الاجتماعية والسياسية، تحت عناوين مختلفة، ما يجعل مسألة حرية التعبير غير مطلقة. تكون، بذلك، خاضعة، في الكثير من الظروف، لتسويات. بهذا المعنى، يصبح الحق المطلق، مقيداً بالضوابط الاجتماعية والسياسية، وهي مسألة خاضعة لنقاش ولا تستوي مع المعايير الأوروبية لحرية التعبير، والمعايير العالمية للحريات خارج قيود الكتابة والقول بلا رقيب، أو التعبير بلا قيود الحسابات السياسية المسبقة. 

والحال إن فكرة التسوية، هي "لبنَنَة" مطلقة لمسألة الحريات. إخضاع غير مباشر لقيود وتوازنات. الفكرة، لبنانية المنشأ والممارسة، مستقاة، عملياً، من التجربة السياسية اللبنانية، وهي فكرة مغرية، من الناحية السياسية، لكنها تجربة بائسة في إسقاطاتها الحقوقية. ما ينطبق على الممارسة السياسية اليومية، لجهة التشاركية وحفظ التوازنات منعاً لتجدد الصراعات الاهلية، يُفترض ألا تكون ممارسة جاهزة للتعميم على تجارب أخرى، أبرزها حرية الصحافيين، ضمن سياق الصحافة المسؤولة، وخارج الضوابط الرسمية. 

ما قيل في المؤتمر، لا يبدو قادراً على تجاوز الإطار النظري، والآراء التي يؤمن بها الجميع، ولا يستطيعون تطبيقها. ثمة هوّة عميقة بين القول والواقع. بين النوايا والممارسة. بين المسعى الذي ترعاه "اليونيسكو"، والتطبيق المفترض. ذلك إن ممارسة الحرية، ليست فعل ايمان شخصي فحسب، بقدر ما ترتبط بظروف موضوعية، بينها القوانين، ومصلحة المشرّع وحيثيات التنفيذ وظروف البلاد السياسية والاجتماعية.
 
حرية الصحافة تحتاج الى التحرر من ضغوط الممول أولاً، واستقلالية مالية وسياسية، وقدرة على فتح المحاكمات الموثقة، بلا خوف وترهيب. هي أمور لا تستوي مع واقع العالم العربي، حتى الآن، وهي المنطقة المُعتبرة واحدة من أكثر بقاع العالم تسجيلاً للانتهاكات والترهيب وشراء الذمم..

حرية كاملة ومسؤولة
في بداية المؤتمر الذي يستضيف الندوات على مدى يومين، أكد وزير الاعلام في حكومة تصريف الاعمال، زياد المكاري، أن "واجبنا نحن السلطات الرسمية أن نصون حرية الصحافة، بغض النظر عن الاختلاف والانقسام في الآراء السياسية"، مشدداً على ان "احترام التعددية هو ركن من اركان الديموقراطية التي نتغنى بها، وقبول الرأي الآخر هو أنبل ما يمكن أن ترتقي اليه الشعوب". وقال: "هذه الحرية تصان أولاً عبر القوانين التي تحمي حرية الصحافة وسلامة الصحافيين وتخولهم الحصول على المعلومات اللازمة للقيام بعملهم الإعلامي بشكل علمي وموضوعي، وثانياً عبر التوعية على حقوقهم وأساليب حمايتهم من المخاطر التي تهددهم".

ولفت المكاري الى انه حرص، منذ بداية ولايته في وزارة الاعلام، "على ضمان هذه الحقوق من خلال صياغة جديدة لقانون إعلام عصري (بالتعاون مع مكتب اليونيسكو) يضمن سلامة الصحافيين وحرية التعبير ويلغي الأحكام السجنية وينظم مهنة الصحافة بشكل يضمن الحقوق المهنية، على أمل ان يتعافى الاقتصاد اللبناني فينال الصحافيون حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية". واضاف: "ما نطمح اليه هو حرية كاملة ومسؤولة، حرية لا حدود لها إلا ما يشكل خطراً على المجتمع مثل الأخبار الزائفة والمضللة وخطاب الكراهية الذي يولد القسمة والتفرقة".
من جانبها، قالت المنسقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا إن "لقاءنا اليوم في بيروت هو في حد ذاته رمزي بسبب الدور المؤثر الذي لعبه الإعلام تاريخياً في لبنان. من المهم جداً الحفاظ على الانفتاح في لبنان والمساحة التي توفرها لحرية الصحافة وحرية التعبير".

ورأت أنه "لا يمكن للمجتمعات الديموقراطية أن تزدهر وتتطور من دون صحافة نشطة وحرة"، قائلة: "تسمح الصحافة الحرة للناس ممارسة حقهم في المعرفة وتوسيع وتنويع معارفهم واتخاذ قرارات مستنيرة". وشددت على أنه "لا تقوم الصحافة الحرة بإعلام الناس فحسب، بل إنها تمكن المجتمع ككل من خلال إتاحة الوصول للمعلومات والتطورات التي تؤثر في حياتهم جميعاً، بل وتجعل من الممكن للأشخاص مساءلة سلطاتهم عند الضرورة"، مضيفة: "دورها حاسم في تسليط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان وتمكين الفئات المهمشة، مثل النساء والأشخاص ذوي الإعاقة والضعفاء من خلال جعل أصواتهم مسموعة وفهم احتياجاتهم وحقوقهم".

بدورها، قالت مديرة مكتب اليونيسكو الاقليمي في بيروت، كوستانزا فارينا: "على مدار الأعوام الثلاثين الماضية، أخذتنا الاحتفالات باليوم العالمي لحرية الصحافة في رحلة، حيث سلطت الضوء على الحق في حرية التعبير والتأكيد على الجوانب المختلفة لأهمية حرية الصحافة". وأضافت: "مع ذلك، في مواجهة الأزمات المتعددة، تتعرض حرية الإعلام، وسلامة الصحافيين، وحرية التعبير، فضلاً عن حقوق الإنسان الأخرى، للهجوم بشكل متزايد. مع دخولنا العقد الأخير لتلبية طموحات جميع البلدان لتحقيق أهداف التنمية المستدامة والوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها كل دولة عضو في الأمم المتحدة لمستقبل الكوكب، فإن اليوم العالمي لحرية الصحافة هو دعوة للتأكيد على حرية التعبير كشرط مسبق ضروري للتمتع بجميع حقوق الإنسان الأخرى". 

ولفتت الى "اننا بالفعل، شهدنا تقدماً كبيراً على مستوى العالم في مجال حرية الصحافة على مدار الأعوام الثلاثين الماضية مع نهاية حكم الحزب الواحد أو الحكم العسكري في العديد من البلدان ومع نمو الإنترنت كعامل تمكين هام لكل من حرية التعبير وحرية الصحافة، مع الاعتراف أيضا بتراجع في العديد من البلدان، بما في ذلك بعض الديموقراطيات الراسخة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها