الجمعة 2023/05/26

آخر تحديث: 13:08 (بيروت)

أسماء الأسد زائرة القلمون: "وردة شامية" في صحراء الفقر

الجمعة 2023/05/26
أسماء الأسد زائرة القلمون: "وردة شامية" في صحراء الفقر
increase حجم الخط decrease
تربط أسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري بشار الأسد، صورتها العامة بكل ما له علاقة بالرقة والنعومة، وفي صورها الأخيرة من قرية المراح في منطقة القلمون بريف دمشق، ارتدت السيدة الأولى ثياباً مطرزة بالورود واصطحبت معها الممثلة سلاف فواخرجي الشهيرة بتقديم النعومة الزائدة في أعمالها التلفزيونية، وكأنها تذكّر العالم بأنها "وردة الصحراء"، وهو اللقب الذي أطلقته عليها مجلة "فوغ" العالمية العام 2011، قبيل الثورة السورية، عندما ظهرت على غلاف أشهر مجلات الأزياء في العالم ضمن مقابلة كانت جزءاً من حملة دعاية سياسية مدفوعة الثمن أُبرمت قبل الثورة السورية.

وفيما يميل منتقدو أسماء إلى إطلاق ألقاب عليها مثل "سيدة الصبار" بدلاً من "سيدة الياسمين"، على غرار الإعلامية الموالية للنظام ماغي خزام بعدما دخلت في صراع شخصي مع أسماء التي شددت الخناق على كافة الجمعيات غير الحكومية في البلاد واحتكرتها ضمن "الأمانة السورية للتنمية"، فإن أسماء تحافظ على رسم صورتها الناعمة، بربطها بالياسمين والورود والملابس الأنيقة وغيرها من التفاصيل التي تريد القول بأنها سيدة عصرية قوية وجميلة وملهمة تقود بلداً مدمراً بلقاء المهمشين ورعاية الفقراء.


ولطالما ربطت أسماء نفسها بصور لنساء بارزات، لدرجة أن الكثير من تعليقات دبلوماسيين غربيين حولها ركز، طوال العقد الماضين على تصديق "الصورة" إلى حد تشبيه أسماء بالأميرة الراحلة ديانا! خصوصاً أن أسماء، أو "إيما" كما كانت تطلق على نفسها خلال مرحلة إقامتها تعيش في بريطانيا قبل زواجها بالرئيس السوري، مثقفة ومتعلمة وتتحدث الإنجليزية بطلاقة. ورغم ذلك الربط، فإن أسماء التي تركت لندن "من أجل الحب" تظهر دائماً وكأنها تقتبس صورة النجمة العالمية غرايس كيلي (1956 - 1982) التي تركت مجد هوليوود لتصبح أميرة موناكو، وبشكل أدق، يبدو أنها تستلهم صورتها الحالية من نسخة الممثلة نيكول كيدمان عن كيلي في فيلم "Grace Of Monaco" العام 2014.

وفي الفيلم تم تقديم كيلي على أنها أفروديت معاصرة، أو "أفروديت القادمة من فيلادلفيا"، تضج بالأنوثة والجمال، لتنجح في هزيمة شبح الحرب بزعامة الرئيس الفرنسي شارل ديغول، أي "مارس"، إله الحرب الروماني القديم، الذي هدد العام 1962 بغزو موناكو عسكرياً. وبالمثل تقدم أسماء نفسها على أنها "رقيقة كالنسمة" مثلما وصفها مصمم الأزياء اللبناني إيلي صعب العام 2019، كما تصورها الدعاية الرسمية منتصرة على كل عقبة تواجهها. ومع اللقب الموازي لها "أمّ الكل" فإنها تضخ مزيداً من الأنوثة على نفسها وتصبح بشكل أو بآخر امتداداً لسوريا نفسها بوصفها "الوطن الأم".

مثلاً، استغلت الدعاية الرسمية إصابة أسماء بالسرطان قبل سنوات، للقول بأن السيدة الأولى حاربت السرطان في المشافي المحلية وانتصرت عليه، مثلما تعافت سوريا من "المؤامرة الكونية" بـ"صمود جيشها وشعبها". ومع ثيابها وأزيائها وإطلالاتها الباذخة تُرسَم محاكاة لسوريا التني تنهض من تحت الرماد نحو إعادة الإعمار، وغيرها من المقاربات المماثلة، فيما باتت أسماء مقصداً لابتهالات الموالين الذين يكررون في التعليقات عنها: "سيدة الياسمين أمدّينا بالقوة".

ولسنوات كثيرة كان هناك نوع من التشكك داخل سوريا تجاه أسماء، بوصفها عنصراً غريباً ضمن النظام. ليس فقط لأنها من طائفة مغايرة، بل لأنها بدت منفصلة عن واقع السوريين وأقرب للأوروبيين منها للناس البسطاء العاديين. وتغير ذلك جذرياً بعد وفاة أنيسة مخلوف، والدة الرئيس بشار، العام 2016، لتوصف أسماء للمرة الأولى في حياتها بـ"السيدة الأولى" وتصبح دائمة الحضور في الحياة اليومية للسوريين، وصولاً إلى تحكّمها في اقتصاد البلاد ومحاربتها لرجل الأعمال رامي مخلوف بوصفه صرّافاً للنظام، بحسب تقارير ذات صلة.

وهذا بالتحديد ما يفرق بين أسماء وغيرها من النماذج التي تستوحي منهن صورتها العامة، إذ كشفت بشكل متزايد عن طموح جامح، وهي التي قالت عن نفسها في رسائل إلكترونية تم تسريبها والتأكد من دقتها قبل سنوات: "أنا ديكتاتور حقيقي". واليوم باتت صورها في الشوارع والساحات تنافس صور زوجها الرئيس. كما تظهر باستمرار كراعية للجرحى والقتلى من قوات النظام بموازاة لقائها مع الطلاب والمتفوقين في الامتحانات المدرسية العامة وغير ذلك من النشاطات الهادفة لخلق صورة انتماء متبادل بين أسماء وشعبها الذي "يحبها حباً جارفاً".

والحال أن أسماء استعانت عند زواجها من الرئيس الأسد، بمستشار العلاقات العامة البريطاني السير تيموثي بيل، الذي صمم إحدى الحملات الانتخابية الناجحة لرئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت ثاتشر، وسألته كيف يمكن لها أن تصبح سيدة أولى ناجحة مثل لورا بوش، ليتجه بيل لاحقاً إلى دمشق ويصمم مكتب أسماء ودورها الذي لعبته بمهارة. ووصفها في تصريحات صحافية بأنها كانت "زبونة جيدة وتدفع بانتظام وتعمل بشكل لطيف من أجل الخير"، قبل أن ينكشف زيف ذلك أمامه لاحقاً، لافتاً إلى أنه كان دائماً يشعر بأنه مُراقَب خلال لقاءاته مع أسماء في قصورها في دمشق، لأن النظام كان حريصاً على ألا تخرج أسماء عن النص المكتوب لها وألا تلعب دوراً مختلفاً عما يجب عليها القيام به.



تلك الجهود كانت دائماً محاولات من أجل تقديم أسماء للمجتمع الدولي كمرأة عربية عصرية أمام العالم، وتفتح الأبواب المغلقة في وجه النظام بلعبها دور القوة الناعمة كما حصل في جنازة البابا يوحنا بولس الثاني العام 2005 عندما نجحت في فك العزلة عن زوجها بشار بعدما رفض زعماء العالم، الكلامع وحتى الوقوف معه بسبب اتهام الأسد حينها باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، لتتدخل أسماء بـ"سحرها" و"جمالها" و"أناقتها" فتبادر بالحديث مع ملكة إسبانية، ومع شيري بلير، زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.

لكن دعاية أسماء اليوم لم تعد تبالي بذلك كله، بل باتت تقدم العداء الكامل للغرب في صورتها كامرأة محلية تمثل نساء سوريا ضد "المؤامرة الكونية" التي تستهدف الخصوصية السورية والثقافة المجتمعية المحلية والعادات والتقاليد وأخلاق وقيم الأسرة، وغيرها من العبارات التي تتكرر أيضاً في الخطاب الموازي للرئيس الأسد نفسه، والتي تحدد في مجملها عَقداً اجتماعياً يحدد معنى الدولة الحاكمة في سوريا والتي لم تعد تخجل من القول أنها عاجزة عن أداء وظائفها المختلفة، بقدر ما تفتخر بذلك العجز لكونه دليلاً على صمودها في وجه "الحرب الثقافية".

وإطلالة أسماء الأخيرة هي تجسيد حرفي لذلك لأن قرية المراح في القلمون، واحدة من القرى الفقيرة والبائسة إلى حد لا يصدق في منطقة صحراوية حيث لا تنمية ولا اقتصاد فعالاً ولا شيء سوى الفقر والبؤس حيث يضطر الناس للعمل في مهن فولكلورية لعدم وجود بدائل أصلاً. وتزور أسماء القرية باستمرار منذ العام 2019، بشكل سنوي، مع رعايتها لـ"التراث السوري غير المادي". وتتحدث في هذا الإطار عن "ذاكرة المجتمع" وأصالته وتقاليده كمحددات للهوية الوطنية.

وفي حالة المراح تصبح الوردة الشامية محدداً لتلك الهوية من ناحية زراعتها وتحويلها إلى عطور وزيوت. لكن ذلك الخطاب البراق ليس إلا تمجيداً للبؤس بجعله جزءاً من الهوية الوطنية. ومع عدم وجود صناعة أو رعاية مالية أو مشاريع سياحية أو أي خطة للاستثمار في هذه النوعية من التراث غير المادي، فإن الدعاية الحالية تبدو مستثمرة في بؤس الناس، من أجل ضخ سياسي يلمع صورة العائلة الحاكمة بعد عَقد من تزايد انتهاكات حقوق الإنسان في البلاد.

وكتبت "رئاسة الجمهورية": "لأن إحياء التراث بكل أشكاله هو استمرارٌ لنسغ الحياة، والحفاظ عليه هو تشبث بالهوية، كانت ولا تزال السيدة الأولى أسماء الأسد ترعى وتدعم من يتمسك به ويورّثه لأبنائه، فشاركت أهالي المراح اليوم قطاف وردتهم الشامية، جوهرة حياتهم وأيقونة استمرار رزقهم، فطقوس القطاف كل عام هي شاهد على الأهمية الاجتماعية والثقافية التي لا تخبو للوردة الشامية بالنسبة لمن يصون هذا التراث ويحميه".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها