وفي العام 2019، أجرى مركز "بيو" للأبحاث (Pew Research Center) استطلاعاً للرأي لقياس مدى الدعم الغربي لدولة الاحتلال الإسرائيلي. وجد الاستطلاع أنّه في حين يميل الأميركيون إلى دعم إسرائيل أكثر من الأوروبيين، إلّا أن هناك انقساماً حزبياً متزايداً في الولايات المتحدة حول هذه القضية. ففي الولايات المتحدة 64% من الجمهوريين يتعاطفون مع دولة الاحتلال أكثر من تعاطفهم مع الفلسطينيين. أما من بين الدول الأوروبية التي شملها الاستطلاع، فإنّ دولة الاحتلال تحصل على أكبر دعم في إيطاليا بنسبة 48% وبولندا 47% وهنغاريا 43%، بينما تحصل إسرائيل على أقل دعم في إسبانيا بنسبة 20%، وفرنسا بنسبة 19%.
وفي جميع البلدان التي شملها الاستطلاع، يميل كبار السن إلى أن يكونوا أكثر دعماً لإسرائيل من الشباب، ويمكن أن يُعزى هذا إلى الارتباط القوي بالجيل الأول من المهاجرين اليهود إلى فلسطين، أي في الفترة بين عامي 1947 و1948، وهي فترة النكبة، والتعاطف الشديد معهم المدفوع بمسوّغات دينية وأيديولوجية وسياسية، حسبما قالت منصة "مسبار" في بيان.
اتجاهات التضليل في تغطية وسائل الإعلام الغربية للنكبة
وحاول "مسبار" في هذا التحليل تناول الخط الإعلامي الذي وقفت عليه الصحف الغربية مثل "ذا نيويورك تايمز" في تغطيتها للنكبة وعلاقة الاحتلال الإسرائيلي بالأحداث الجارية في الأراضي الفلسطينية منذ العام 1948، إضافة إلى تناول الأطر الإعلامية وطرق التأطير التي تمارسها هذه المواقع تجاه النكبة في محاولة للتأثير على الرأي العام العالمي.
من أهم الثنائيات التي يجب فحصها في التغطية الإعلامية الغربية لنكبة فلسطين هي ثنائية التحامل والتضامن، وثنائية الانحياز والتجاهل. غالباً ما يميل الإعلام الغربي في تغطية القضية الفلسطينية عموماً والنكبة خصوصاً إلى تجاهل السردية الفلسطينية، مع هضم وإغفال الحقيقة الواجب إظهارها للجمهور. ورغم أن النظرة الشعبية، على الأقل بين الجيل الجديد من الشباب الغربي المطلع على طبيعة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تتّسم بالرغبة بإظهار العدالة الإعلامية تجاه الطرف الفلسطيني، إلا أنّ الصحف الغربية مازالت تمارس انحيازها لصالح الاحتلال مع تأطير الفلسطينيين بأطر سلبيّة.
أجرت الباحثة جولي شفايتزر دراسة على عينة من طلاب جامعات فرنسا والولايات المتحدة حول وجهة نظر الشباب الأوروبي بالتغطية الصحافية للقضية الفلسطينية، العام 2011، وكان من بين نتائج الدراسة أنّ الجمهور الغربي أصبح لديه وعي بالقضية الفلسطينية ويدرس تاريخ النكبة وتاريخ الصراع الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبالتالي فإنّ الدارسين الشباب في الجامعات الغربية يطالبون الصحافيين والمراسلين الغربيين بتغطية أكثر عدلاً وإنصافاً تجاه الطرف الفلسطيني.
تقوم نظرية التأطير الإعلامي على البحث في اللغة عن الكلمات والصور التي من شأنها التأثير على الرأي العام. وبهذا يمكن فهم الأطر على أنها ألفاظ وصور ورموز تقدم وصفاً لحدث ما وأشخاص محددين من أجل التأثير على قراء الخبر، بالقدر الذي يريده صنّاع الخبر.
وتتمثل إحدى الطرق التي يمكن أن تنطبق بها نظرية التأطير على تغطية نكبة فلسطين العام 1948 في استخدام صور محددة، حيث يمكن للصور التي يتم اختيارها لمرافقة القصة أن تؤثر على الطريقة التي يُنظر بها إلى الصراع، مثل الصور التي نشرها الإعلام الغربي لأطفال يهود مهاجرين العام 1948 يقفون في طوابير التسجيل أو في السفن، الأمر الذي يعزز ردود فعل متعاطفة من الجمهور تجاه الإسرائيليين.
لعب هذا الإطار البصري دوراً في تعزيز فكرة "النجاة من المحرقة"، حيث يُظهر اليهود القادمين إلى فلسطين العام 1948 بمظهر المضطهدين الذين يستجدون تعاطف العالم معهم.
نماذج من الصحافة الغربية على الانحياز والتضليل خلال النكبة الفلسطينية
وفقاً لما وثقه كتاب "نهاية الانتداب البريطاني على فسلطين 1948: مذكرات السير هنري غورنيه" (The End of the British Mandate for Palestine, 1948: The Diary of Sir Henry Gurney)، كانت دولة الاحتلال متحكمة في التقارير الصحافية التي تصدر عن المراسلين الحربيين العام 1948. وكان مكتب الوكالة اليهودية مسؤولاً عن إصدار اعتمادات صحفية للمراسلين، من خلال مكتب الصحافة الحكومي المشترك بين الانتداب البريطاني والوكالة اليهودية، وبالنتيجة فإنّ حمل هذه البطاقة يعني الالتزام بتقارير الوكالة والسردية اليهودية المراد ترويجها للإعلام حينها.
وتمثَّل التضليل في تغطية أحداث النكبة الفلسطينية من زاوية وصف المجتمع الفلسطيني على أنه بدائي، وأنّ الاحتلال الإسرائيلي والانتداب البريطاني لم يدمروا الأراضي الفلسطينية، بل انتهجوا نهج طرد "الفلسطينيين البدائيين" من الأراضي، ليحِلّوا نموذجاً بشريّاً متحضراً فيها.
وجاء في دراسة أجريت عن التغطية الصحافية لانتهاء الانتداب البريطاني في فلسطين، لباحث من جامعة لندن، أنّ صحيفة "ذا دايلي ميرور البريطانية"، نشرت في 14 أيار/مايو 1948، خبراً بعنوان "فلسطين آخر نداء ونحن نُنهي"، ونشرت تحت العنوان الفرعي كلمة "متخلّفون"، وأوردت الصحيفة أنّ فلسطين في أربعينيات القرن الفائت كانت بدائية ومتخلفة، وأن ما يقارب من 750 ألف نسمة كانوا فقراء ويعانون من الأمراض، ولكن تم إدخال أساليب جديدة للزراعة، وتوفير الخدمات الطبية، وبناء الطرق والسكك الحديدية، وتحسين إمدادات المياه، والقضاء على الملاريا، بما يتناسب مع حياة اليهود الأوروبيين المهاجرين إليها.
ووفقاً للدراسة نفسها، فإنّ الإسرائيليين لم يرغبوا بالسماح لأيّ صحافي بمرافقة عصابات اليهود، في حين أنهم كانوا يعتمدون على الصحافيين اليهود والأميركيين حصراً لمرافقة العصابات اليهودية، وتم اختيار مراسلي "ذا نيويورك تايمز" للدخول مع العصابات اليهودية والاستماع إلى المؤتمرات الصحافية التي يلقيها رؤساء هذه العصابات.
من جهتها، روّجت "ذا نيويورك تايمز" لانحيازها لصالح الاحتلال منذ إعلان قيام "دولة إسرائيل" العام 1948، واستعملت في مقال نُشر تحت عنوان "الصهاينة يعلنون دولة إسرائيل الجديدة؛ ترومان يعترف بها ويأمل في السلام"" (Zionists Proclaim New State of Israel; Truman Recognizes it and Hopes for Peace) عبارات مثل "معاناة أهل الشتات" لتوصيف تكوين "دولة إسرائيل"، مع التشديد في النشرات الصحفية على "الدعوة لتقديم المساعدة لأطفال المهاجرين اليهود".
وفق عينة من ست مقالات صدرت عن الصحيفة الأميركية العام 1948 قام "مسبار" بتحليلها، تبين أنّها لم تتطرق إلى ذكر الفلسطينيين أثناء تغطية أحداث النكبة، كما تم تهميش الفلسطينيين، سواء مدنيين كانوا أم مناضلين. وركّزت وفق عينة المقالات التي صدرت في تلك الفترة على "إعلان قيام دولة يهودية تسمى إسرائيل" على أرض فلسطين "للمّ شتات اليهود" على حساب نقل حقيقة المجازر التي ارتكبوها.
كما يمكن فحص إطار التوازن الذي يؤدي إلى تكافؤ خاطئ بين الجانبين الفلسطيني واليهودي في تغطية نكبة 1948، على الرغم من وجود اختلال كبير في ميزان القوة بين الطرفين، حيث تصف الصحيفة نكبة 1948 على أنّها "حرب" وليست احتلالاً، في محاولة لموازنة قوة الفلسطينيين البسيطة آنذاك مع قوة عصابات الصهاينة، وبالتالي إمكانية تجريمهم كطرف في الصراع، الأمر الذي يخلق حالة من التضليل.
وفي إحدى المقالات الصادرة في يونيو/حزيران 1948، يرد مصطلح "هدنة" ليَصفَ اتفاق إنهاء القتال آنذاك، بنص قرار من مجلس الأمن الدولي التابع لمنظمة الأمم المتحدة.، رغم من أنّ المعركة لم تكن متساوية، فالقوة اليهودية كانت أكثر عتاداً وعدداً من القوة الفلسطينية.
كما تبنّت الصحيفة فور إعلان قيام "دولة إسرائيل" الخطاب الأميركي الصهيوني في نقل أحداث النكبة، ونقل سردية العصابات المسلحة، التي طالبت "بكفّ أيدي الفلسطينيين وقوات الإنقاذ العربي" عن اليهود المهاجرين.
من ناحية أخرى، لم تتطرق الصحيفة، وفق العينة نفسها، إلى تغطية أخبار العائلات الفلسطينية المهجرة، ولا إلى أسمائهم وشهاداتهم، واكتفت بتغطية صور العائلات اليهودية وأطفالهم وتحميل العرب مسؤولية شتات اليهود في العالم، مدعية بذلك أحقيتهم في الأرض.
تجاهلت صحف غربية، إطار الأزمة الإنسانية الحاصلة في فلسطين بعد تشريد الفلسطينيين وتهجيرهم من مدنهم وقراهم العام 1948، ولم تتطرق إلى إطار حقوق الإنسان في الحديث عن الجانب الفلسطيني، على عكس ما كان يحدث عند تغطية جانب اليهود ومعاناتهم وهروبهم من الاضطهاد النازي.
أخيراً، إنّ النكبة خصوصاً والقضية الفلسطينية عموماً، تخضع إلى مقاربة مختلفة في التغطية الإعلامية الغربية، ولعل عينة المقالات التي اعتمدها "مسبار" والصادرة عن "ذا نيويورك تايمز"، نموذج للتحيز إلى الرواية الإسرائيلية على حساب الفلسطينية.
اشترك معنا في نشرة المدن الدورية لتبقى على اتصال دائم بالحدث
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها