الإثنين 2023/05/22

آخر تحديث: 22:58 (بيروت)

أعزائي المصطافين...

الإثنين 2023/05/22
أعزائي المصطافين...
اللوحة للفنان السوري اللبناني سمعان خوام
increase حجم الخط decrease
من عربصاليم ساندويش لبنة بطول 46 متراً، ومن ميفدون حبة إكلير اربعة أمتار، أسواق في جبيل ودعوات صاخبة تنطلق من البترون، ومن الجميزة لمهرجاناتها، وعند الحدود مناورة عسكرية لحزب الله عبر التغطية الإعلامية المباشرة، وعلى شاطئ صيدا تَحَدٍّ قُصَّ جناحاه إذ حاول مواجهة التطرف بالموسيقى والبيكيني... هذه مجرد لقطات، تسخين لموسم السياحة الصيفية المرتقب.

الموسم الذي تنحسر فيه وطأة فايسبوك الدرامية، وتحل مكانها صور "انستغرام" العابقة بالحياة والبرونزاج. موسم فيتامين "د" يقترب، وتقترب معه عودة المهاجرين (بل المهجّرين) في بلاد الله الواسعة، الذين اكتسبوا لقب "المنتشرين" عنوة وبهتاناً. هؤلاء سيتوافدون قريباً إلى وطنهم طارِدهم، ليحبّوا على أيدي كهول أفنوا حياتهم في تربيتهم قبل أن ينثروهم خلف البحار بحثاً عن حاضر ومستقبل، ليسا بالضرورة أفضل، وإنما لهما على الأقل صفة الاستمرارية شبه الطبيعية للحياة.

سيحل علينا المنتشرون ضيوفاً أعزاء، فهم رافدنا الأساس من الدولار الطازج الذي بات ضرورة مُلحّة. يمكن للوافدين إلى تراب الوطن أن يبدأوا عملية تدريب على امتصاص الصدمة، وبشكل خاص إن اصطحبوا أطفالهم على متن "أجنحة الأرز". فالراكب في طائرة "ميديل إيست" يشعر بأنها نموذج مصغّر من واقع البلد، ولا ينقص إلا أن تبادره المضيفة بالقول "ما عم توفي معنا أستاذ.. كل شي غِلي". وإن حصل ودخلت الطائرة ولم تجد التلفزيونات تعمل، فإن ذلك غير مرتبط بقِدَمها أو غياب الصيانة (ما الذي يفتقر أيضاً للصيانة يا ترى؟)، وإنما هو نوع من التأهيل النفسي لاستعادة الذاكرة ومعنى التقنين وعدم التسليم بالبديهيات. لن يتحسن الوضع عند الوصول إلى المطار المتأهب لاستقبال الموسم السياحي الصاخب والذي يقال إنه سيسجل أرقاماً قياسية هذا العام.

نرجو من الواصلين إلى مطار رفيق الحريري الدولي، عدم التذمر من الحرّ، والروائح المدوّخة، أو حتى من الاكتظاظ، فمطارات البلدان أبوابها وعناوينها. ولا داعي للهلع من واقع عرَبات الحقائب أو العاملين على أرض المطار، أو حتى من عدم احترام الطابور، فالواصل إلى لبنان يتّشح بعباءة بلاده منذ ملامسة عجلات الطائرة للمدرّج، يصل محملاً بصفاته اللبنانية التي تبدأ بالتصفيق لحظة الالتحام الأول بأسفلت الوطن. لا بأس بالتصفيق، فالاحتفال واجب، لمجرد أن الطائرة حطّت بسلام بعد تحليقها المنخفض فوق منطقة الأوزاعي من دون أن يطاولها رصاص ابتهاج أو غضب.

كما نرجو عدم التذمر من الحمّال الرسمي على أرض المطار عندما يتركك عند الباب الخارجي، ليتسلمك آخر بلباس مدني من الشبان المسيطرين، فعملية التسلّم والتسليم هذه ضرورية وعادية، تماماً مثل التبادل اليومي بين كهرباء الدولة واشتراك المولّد، وبين مياه الخدمة ومياه الشرب، وانترنت أوجيرو والـLTE.

خارج المطار، إخراج جديد لصورة عماد مغنية اليتيمة، ارتفعت على اللوحات الإعلانية، وغيرها لقاسم سليماني الذي غالباً ما يتمتع بجماهيرية كبيرة في الصور، فلا يظهر وحيداً، إنما تتبارك به الجماهير-الكومبارس الملتفة حول هالته. وحده عمر حرفوش صامد في ثيابه المدنية، منتشر على اللوحات المحيطة بطريق المطار. إنها الحفاوة في استقبال مشتاقين لبلد المنشأ وحضن العائلة.

الأسعار، لتسهيل الأمور الحياتية، باتت كلها مُدَولَرة. وحاكم مصرف لبنان، المطلوب للعدالة بمذكرة إنتربول، يخبركم بأن التقرير الأخير لصندوق النقد الدولي عن دولرة الأسعار ومنصة صيرفة، مُجحف، فلا تقعوا في فخ الإحساس بأن الجميع يحاول التحايل عليكم للاستفادة من عصارة تعبكم في بلاد الانتشار.

لن يكون الغلاء بالنسبة إليكم مستعراً، كما هو بالنسبة للمقيمين. ومع ذلك نرجو منكم عدم التعليق أمام الباعة والتجار وأصحاب المقاهي والمطاعم، بأن الأسعار مقبولة، فأنتم ستعودون إلى بلادكم الملونة بعد حين، وسيبقى العالقون في ربوع الوطن أسرى هذه الطغمة المُضحّية بكل غالٍ ونفيس من أجل تأمين احتياجاتنا اليومية. فصاحب المطعم لا ينفك يذكّرنا بأنه "يخسر" ليُطعم زبائنه، والطبيب "يضحي" ليؤمن طبابة مرضاه، واللحّام "على وشك الإفلاس" كي لا تُحرَم العائلات اللحمة، تماماً كما الأفران وأصحاب محطات الوقود...

عودوا أيها الأصدقاء والأقرباء.. فنحن بحاجة لرؤية وجوه شابة فرحة، نابضة بالحياة.
والفاكهة اللبنانية نزلت إلى السوق بثقل أسعارها المؤلفة من ستّ خانات على الأقل. والخضار والكبّة النيّة ارتقت لتليق بمقامكم، ومقامنا على حجّتكم.

المنتجعات السياحية والفنادق والملاهي الليلية، عدّلت أسعارها بانتظاركم. ولحجز مكان بطريقة أسرع، استخدموا "واتسآب" من رقم أجنبي، فإن في ذلك عنصر تفوق على أي زبون محلي، لكن هذا التفوق سينعكس حتماً في الفاتورة. فأن تكون منتشراً، سيف ذو حدين، إذ تتحول وأهلك وأصدقاؤك إلى منجم للمحيطين بك، من دون أن يُترجَم ذلك بالضرورة في الخدمة التي تتلقاها!

لقد اشتقنا لكم، وننتظركم. وننتظر معكم إطلالة وزير الداخلية ليطمئنكم ويطمئننا على أمنكم وأماننا، والسرعة في تحرير المخطوفين، وأن عمليات النشل والجريمة ليست حكراً على لبنان، فحتى البلاد التي تتوافدون منها تعاني الجريمة... لكن مع فارق بسيط، أن في تلك البلدان قوانين رادعة وقضاء يحاسب.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها