الاحتفال المبكر بسقوط حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة، يفتقد الى الكثير من الواقعية السياسية، طالما أن القضاء اللبناني يمتلك من الأدوات ما يجعله بعيداً من المحاكمة في فرنسا، وطالما أن الرجل ما زال يملك أوراقاً قانونية، تعفيه من استخدام أي أوراق سياسية يمكن أن تطاول آخرين من الحاكمين في البلاد منذ عقود.
بمجرد شيوع خبر صدور مذكرة توقيف دولية بحق سلامة، أعلن كثيرون النصر، وفي مقدمهم التيار الوطني الحر الذي رأى أن الحاكم سقط، وانتصرت العدالة.. فيما ذهب آخرون الى اعتبار القضاء اللبناني متواطئاً، وأن الحكم الفرنسي فضح القضاء اللبناني.
يبدو هذا الاحتفال متسرعاً، من ناحية قانونية، أما الاستعجال بإعلان السقوط، فيستدعي بعضاً من التروي، لأن القراءة السياسية في ظروف لبنان وتركيبته، تجعل من المستحيل الإيقاع بالرجل الذي لا يساوي، بالنسبة للفرنسيين، قشة من حِملْ كارلوس غصن، الذي يلوذ بمحميته اللبنانية.
في الشكل، يستطيع سلامة أن يستأنف الادعاء عليه، لكنه لن يستطيع استئناف مذكرة التوقيف الدولية التي صدرت عن قاضية التحقيق بعد أخذ رأي النيابة العامة المالية في فرنسا، كونها تُبلغ للأجهزة الأمنية، ولا يتم تبليغها الى الأطراف في الملف، ولا تُلغى إلا بقرار من قاضية التحقيق.
لكن في الواقع، فإن القانون اللبناني يمنع تسليم سلامة لسببين، أولهما أن القضاء اللبناني صاحب الصلاحية في محاكمة مواطنيه، وثانيهما أن الجرائم المُتهم بارتكابها، وقعت على الأراضي اللبنانية وليس على الأراضي الفرنسية. بالتالي، فإن فرضية محاكمته في فرنسا، تستحيل قانوناً، ولن يبقى منها الا مذكرة الجلب التي يُفترض أن تُعمم، وفي حال تم القبض عليه، سيطالب لبنان باسترداده.
تبدو الأمور معقدة من الناحية القانونية، وتالياً، لن يكون الانتصار الذي تحقق حتى الآن إلا انتصاراً ظرفيّاً. يمتلك سلامة أدواته القانونية التي تحدث عنها في بيانه، متهماً القاضية الفرنسية بالتحيز واتخاذ الأحكام المسبقة.. أما في السياسة، فإن وقوعه في قبضة المحاكمة، لن يكون سلساً، ربطاً بسياقات أخرى متصلة بتشابك المصالح السياسية والمالية، وحاجة الحكومة لمنصة "صيرفة" التي أخذها على عاتقه، ولقرب انتهاء ولايته... فيما لا يزال الضغط أوروبياً، ولم يتردد صداه في أروقة الولايات المتحدة التي تمتلك الكلمة الفصل، لرمزية موقع الحاكم الذي توليه واشنطن أهمية قصوى.
يحتاج الشعب اللبناني الى انتصار قضائي بعد سلسلة الجرائم المالية التي ارتكبت بحقه، لكنه ليس انتصاراً ناجزاً بعد. يحتاج الحكم الى الكثير من التأني، رغم الحاجة اللبنانية العاجلة لبدء مسار المحاسبة، وتفكيك سلسلة سياسية ومالية أنهت آمال اللبنانيين.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها