ويفتتح شريف حمصي، العرض الأسبوعي، بالحديث عن ميزات العريس في سوريا، التي باتت تتخطى صفاته الحسنة لتطاول مخزونه من محروقات وألواح طاقة. وتسيل دموع بعض الحاضرين من فرط الضحك حين يروي كيف يسوق لنفسه أمام فتاة أعجبته: "تزوجيني فمستقبلي مضمون، عندي مئتا ليتر من البنزين وطاقة شمسية لتوليد الكهرباء وثلاث قوارير غاز"، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".
وقال حمصي (31 عاماً): "الوضع في البلاد هستيري، ونواجهه بالضحك الهستيري في بلد مليء بالمشاكل والكآبة... الكل هنا متفق على رغبة عارمة في الضحك ونسيان مشاكل يعجز عن حلها ولا يملك حيالها سوى الضحك".
قبل أربعة أشهر، أسس حمصي وأصدقاؤه فريق الكوميديا الارتجالية الأول في سوريا. وأطلقوا عليه تسمية "ستيريا" ليدمجوا بين كلمتي سوريا وهستيريا، ويضم 35، عضواً بينهم فتاة. على أن توصيف الفرقة بالأولى، وحتى الوحيدة، يقصي تجارب مماثلة برزت بعد الثورة السورية العام 2011، وكانت في الأغلب من بطولة ناشطين وفنانين معارضين، سواء عبر الإنترنت أو في عروض حية.
وقبل كل عرض، يجتمع الفريق في منزل أحد أعضائه لتحضير مضمون العرض. يقف أحدهم أمام رفاقه ويقول لهم: "فكرت كثيراً ووجدت أن أكثر ما أعرف أنه مضحك في حياتي هو حياتي". ينصحه رفاقه بأن يفتح قلبه ويخبرهم عن صبية أحبها. وما أن يبدأ حتى يدوّنوا ملاحظاتهم ويقترحوا عليه تعديلات.
يتناوب أعضاء الفريق على تقديم عروض أسبوعية داخل مقهى "ديز" ذي الأضواء الخافتة، يحضرها عشرات الرواد الذين لا يكلون من الضحك. وقال ملكي ماردنيلي (28 عاماً) "نستقي نكاتنا من حياتنا اليومية المفعمة بالمعاناة، ونتشاركها مع أشخاص عاشوا خلال 12 عاماً أنواع المصائب كافة".
لا يهدأ الحاضرون حين يظهر ماردنيلي أمامهم ويردد على مسامعهم دعابات باللهجة المحكية على غرار: "نحن بسوريا مكملين حياتنا كنوع من الفضول مو أكتر، يعني بس حابين نعرف شو حيصير معنا بالآخر"، و"بأوروبا، ثلاث أمتار ارتفاع الثلوج والكهربا جايي. عنا بس تغني فيروز رجعت الشتوية بينزل القاطع لحاله" في إشارة إلى انقطاع التيار الكهربائي عن المنطقة بأكملها.
إلى ذلك، يتناول الفريق بشكل أساسي يوميات السوريين مع المشاكل الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية بعد 12 عاماً من حرب مدمرة، تسببت بمقتل أكثر من نصف مليون سوري، وأتت على الاقتصاد ومقدراته والبنى التحتية، وشردت أكثر من نصف عدد السكان داخل البلاد وخارجها. ولا يترددون في إلقاء دعابات حول تجاربهم الشخصية وعائلاتهم، لكنهم يتفادون القضايا السياسية والدينية، في بلد شددت فيه السلطة الخناق على حيز الحريات شبه المعدوم أصلاً.
قبل سنوات، فقد أمير ديروان (32 عاماً) شقيقته وابنها جراء سقوط قذيفة هاون في دمشق، ودخل بعدها في حالة اكتئاب فاقمها الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا قبل شهرين وحصد عشرات آلاف القتلى في البلدين. وقال أنه لم يخرج من الاكتئاب إلا بعد انضمامه إلى فريق "ستيريا" الذي وفر له منصة للحديث عن تجربته.
وأكمل ديروان بأن الدعابات باتت وسيلة "لمواجهة مخاوف نختزنها"، مشيراً في الوقت ذاته إلى صعوبات يواجهونها "في مجتمع لا يتقبل أن نتحدث عن المحظور، على غرار السياسة والدين والجنس". وأضاف: "لا نقترب من الموضوع السياسي خصوصاً، لكن نلمح أحياناً إلى مواضيع جنسية ودينية ضمن خطوط حمراء نعرفها جيداً". وتمنى "أن يأتي يوم نستطيع فيه التحرر فكرياً ومناقشة كل المواضيع من دون مخاوف".
وفي كل مرة تشارك فيها في أحد العروض، تعتري الحماسة ماري عبيد (21 عاماً)، الفتاة الوحيدة في المجموعة. وتلقي الشابة الدعابة تلو الأخرى حول أزمة المواصلات التي تفاقمت خلال السنوات الأخيرة جراء الشح الكبير في المحروقات وتوقف كثر عن استخدام سياراتهم الخاصة، مفضلين استخدام وسائل النقل العامة شديدة الاكتظاظ.
يصفق الحاضرون بحماسة حين تردد ماري: "يمتاز باص النقل الداخلي بأنه يتسع لـ24 مليون نسمة (عدد سكان سوريا قبل الحرب)، على الواقف، حفاظاً على التلاحم الوطني". ويضحكون معها حين تروي تجاربها مع وضع الماكياج عند انقطاع الكهرباء. وقالت عبيد: "من دون مشاكل لا توجد كوميديا، وفي سوريا لدينا الكثير منها".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها