السبت 2023/04/29

آخر تحديث: 14:37 (بيروت)

"القوة".. ماذا لو هيمنت النساء بدنياً على الرجال؟

السبت 2023/04/29
"القوة".. ماذا لو هيمنت النساء بدنياً على الرجال؟
increase حجم الخط decrease
ماذا سيحدث إذا أصبحت النساء، من خلال قفزة تطوّرية، متفوقات جسدياً على الرجال الذين عادة ما يكونون الجنس الأعلى كعباً في هذا الجانب البدني؟ هو السؤال الذي يطرحه مسلسل "القوة" في منصة "أمازون برايم"، بناء على رواية تحمل العنوان نفسه للكاتبة البريطانية نعومي ألدرمان التي تعاونت شخصياً في إنجاز المسلسل الجديد.

ألدرمان (49 عاماً) من بين الكاتبات البريطانيات الأكثر مبيعاً، كما أنها كاتبة عمود في صحيفة "ذي غارديان"، ولا تكتفي بكتابة روايات الخيال العلمي، وإنما أيضاً تتناول كثيراً الحياة اليهودية في بريطانيا العظمي في كتبها، وهي أيضاً مطوّرة ألعاب بدوام جزئي، وتَعتبر الكندية مارغريت أتوود، صاحبة الرواية الشهيرة "حكاية الخادمة" مرشدتها ومُعلمتها. ويظهر تأثير المعلمة الكندية وخطابها النسوي واضحين، في الرواية كما في المسلسل، من خلال دراما خيالية تتحدث صراحة عن دور المرأة في المجتمع.

يتعلّق الأمر بقصة شابّات في أماكن مختلفة جداً من العالم يمتلكن، بين يوم وليلة، القدرة على إصدار صدمات كهربائية بأيديهن، مثلما تفعل الحيّات. يمكنهن القيام بذلك من طريق عضو جديد ينمو على عظمة الترقوة، كما سيكتشف العلماء سريعاً. يمكن للنساء الصغيرات صاحبات تلك القوة الخارقة المستجدة، أن يطيّرن الشرر، ويرسلن صواعق بارقة، ويمكن أن تكون لمسة واحدة كافية لإصابة الآخرين بجروح خطيرة، ويمكن أيضاً نقل هذه القوة من امرأة إلى أخرى. وسرعان ما يغيّر هذا ميزان القوى بين النساء والرجال بشكل جذري.


يُسرد هذا كلّه عبر منظور العديد من النساء الشابّات المتأثرات بتلك القوة الجديدة، من نيجيريا إلى الولايات المتحدة، مروراً بالسعودية وبريطانيا ودول البلقان وسهول أميركا الجنوبية الشاسعة. الأمر عالمي إذاً، والأخبار تنتشر بسرعة، والتغيير يحدث، جارفاً ومربكاً وعنيفاً.

فما الذي يوحّد الشابّات القويات؟ لماذا لديهن هذه القوة/الهِبة دوناً عن البقية؟ دوناً حتى عن بقية جنسهن الأكبر سنّاً؟ هذا هو السؤال الذي تطرحه مارغوت كليري-لوبيز (توني كوليت)، عمدة مدينة سياتل التي في خضم حملة انتخابية تصبح مدافعة عن الشابّات اللواتي يتعرضّن للضغط السياسي.

ابنتها المراهقة جوس (أولي كارفالو) لديها أيضاً تلك القوة، ما يتسبّب في حدوث اضطرابات في عائلتها ودائرة أصدقائها. كيف يجب على الجميع التعامل مع هذه القوة الخارقة الجديدة، والتي ليس من السهل السيطرة عليها. وبالمثل، فإن ابنة رجل العصابات اللندنية روكسي (ريا زميترويتش)، التي بالكاد تحظى بتقدير والدها، ستصبح فجأة، بعد امتلاكها القوة الجديدة، سلاحاً ثميناً بالنسبة له.

في إطار من التشويق يوضح المسلسل سريع الخطى والوتيرة، توابع انتشار القوة الجديدة بين النساء، عبر المراوحة بين مواضع خريطة أحداثه وبطلاته، لملاحقة الفرح والانبهار بهذه الاحتمالات الجديدة، وعمليات التحرير، إضافة للتطرق إلى مشاكل التعامل معها وآليات الإقصاء الجديدة التي تنشأ نتيجة لهذا التطور. لأنه، كما هو متوقع، تؤدي القوة الجديدة للشابّات أولاً إلى ردّ فعل معادٍ للنساء في ثوبهن الجديد، سواء ظهر ذلك في هيئة مدوّنين يمينيين في الولايات المتحدة يصنّفون أنفسهم "ضحايا عنف النساء"، أو التكنوقراط في أنظمة استبدادية تخشى على سلطتها، أو في بعض الأحيان كذلك مصالح أبوية ذات دوافع دينية تستخدم العنف المفرط بمواجهة دفاع المرأة عن نفسها.

في السعودية مثلاً، سرعان ما تنظّم النساء أنفسهن ويشعلن انتفاضة واسعة النطاق. في أماكن أخرى، تتشكّل مجتمعات نسائية مستقلة، وبدورهن يسلّحن أنفسهن. وهكذا، تصبح العلاقة بين الجنسين قضية سياسية كبرى. في خضم ذلك، يكرر المسلسل بالطبع معاودته إلى الولايات المتحدة، حيث تحاول مارغوت كليري لوبيز، الترشّح لمجلس الشيوخ الأميركي ضد منافسها حاكم الولاية، وهو رجل متعجرف يحاول التقليل من شأنها وإجهاض مسعاها السياسي. وتعارض بحزم كل محاولات تجريم "القوة".

هل يجب أن تكون هناك اختبارات إلزامية لجميع النساء لتحديد مَن لديها القوة؟ في هذه الحالة، هل يستمر الرجال في تحديد أجساد النساء كما يفعلون دائماً؟ أم أن شيئاً ما يتغيّر فجأة؟

مقدار الوقائع المنظورة والنطاق المستهدف يجعل أولى حلقات المسلسل على وجه الخصوص فوضوية ومهرولة قليلاً. يُتطرّق إلى قضايا مثيرة للاهتمام، مثل أن النساء بعد استيعابهن هيمنة الرجال الجسدية يستغرقن بعض الوقت لفهم الآثار المترتبة على تحوّل كفّة الهيمنة. وتكمن المشكلة في أن المسلسل يعرض معظم تلك الإدراكات في التوليفة نفسها من المونتاج الجدير بمقاطع الفيديو كليب. أي أن المسلسل يفشل في الإقناع وتوريط المتفرج في الاهتمام بما يشاهده.

تحكي رواية نعومي ألدرمان، في المقام الأول، عن التطوّر الديستوبي الذي أحدثته القوة الجديدة. في الجزء الأخير تحديداً، تأخذ أحداث روايتها اتجاهاً جذرياً: لا تتصرّف النساء أفضل من الرجال بمرور الوقت، وفي النهاية يستولين على السلطة السياسية ويكرّرن بعض "الخطايا الرجالية". حتى إنه في مرحلة ما، سيجري تشويه الأعضاء التناسلية للرجال. فجأة، أصبح الرجال يعانون ممّا كان في السابق مصير عدد لا يُحصى من النساء.

يبدو واضحاً في تلك الأجزاء رفض ألدرمان التام لفكرة أن النساء "بشكل طبيعي" أكثر ليونة وأكثر سلاماً. هل هذا مُعادٍ للنسوية؟ وبالتالي هل على النسوية التأكيد دائماً بأن المرأة مُراعية ومتناغمة ووادعة؟ ألا يؤدي ذلك إلى التقليل من شأن النساء؟ هذه أسئلة لا يتناولها المسلسل إلا بشكل غير مباشر، وفوق كل شيء بشكل سطحي جداً. التعميق يأتي ببطء، وبالتدريج، من خلال بُنية سردية لحوحة ودبقة.

وعلى عكس الرواية، يحكي المسلسل في المقام الأول عن تطوّرٍ تحرّري/تمكيني، وخروج من العلاقة العنيفة التي تجد نساء كثيرات أنفسهن فيها. في البداية، يبدو أن القوة تأتي بشكل خاص لمَن هن في أمسّ الحاجة إليها، لمحاربة الاغتصاب والقمع والقتل. ومع انتشار الظاهرة وانتقالها من يدٍ إلى أخرى، تصبح تلك القوى أكثر "ديموقراطية" ويغدو التركيز أكثر فأكثر على موضوع تمكين النساء.

يتحقق ذلك بشكل مثير للإعجاب عبر فريق تمثيل من الدرجة الأولى. لكن يبقى انتظار ما إذا كان الجانب الديستوبي من الرواية سيظهر في موسمٍ مقبل من المسلسل، أم أنه صنّاعه سيضمّنونه سريعاً أثناء هرولتهم نحو ختام موسمه الأول.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها