الخميس 2023/04/27

آخر تحديث: 15:36 (بيروت)

"غيغا تشاد": دعاية "الذكَر المُسيطِر" من روسيا إلى العالم

الخميس 2023/04/27
"غيغا تشاد": دعاية "الذكَر المُسيطِر" من روسيا إلى العالم
هذا "الفحل" أعطى اسمه لروبوت المحادثة الروسي الجديد
increase حجم الخط decrease
حتى عندما دخلت الشركات الروسية سباق الذكاء الاصطناعي أخيراً، لمنافسة الشركات الأميركية الرائدة، وتحديداً شركة "أوبن إيه آي" المبتكرة لتطبيق "تشات جي.بي.تي"، فإنها اختارت مدخلاً يعبّر عن أفكار ذكورية سامة لطالما تبناها الكرملين، سواء على صعيد تصدير صورة الرجل القوي للرئيس فلاديمير بوتين، أو عبر قوانين وتشريعات وخطاب عام يحدد معنى أن يكون الرجل رجلاً.


وأعلنت شركة "سبير" التكنولوجية الروسية إطلاقها روبوتاً للمحادثة تحت اسم "غيغا تشات" وهو الأول من نوعه في روسيا، ورغم أن الأداة تجريبية حالياً إلا أن اسمها يظهر تلاعباً لغوياً بمصطلح "غيغا تشاد" وهو "Slang" دارج عبر الإنترنت تحديداً في مجتمعات الألعاب الإلكترونية، لوصف فكرة الـ"Alpha Male" أي الرجل المسيطر الذي يفترض أن يكون قائداً للمجموعة البشرية، والذي يتمدد بحسب من يستخدمه إلى مجموعة أوسع من الأفكار التي قد تصل عند البعض، كما هو الحال في خطاب الكرملين، إلى الذكورية السامة وكراهية النساء.

وسيكون "غيغا تشات" قادراً على "إجراء محادثة وكتابة نصوص والإجابة على أسئلة"، بالإضافة إلى "كتابة رموز معلوماتية"، و"إنشاء صور استناداً إلى مواصفات". وأكد مدير "سبير" التنفيذي غيرمان غريف أنّ إطلاق روبوت المحادثة "يمثل إنجازاً لمجال التكنولوجيا الروسية برمّته". وتم النظر إلى الخطوة الروسية على أنها فصل جديد في المنافسة التكنولوجية بين واشنطن وموسكو، فيما يثير الذكاء الاصطناعي مخاوف كبيرة في شأن استخدامه البيانات الشخصية واستغلالها. وليس واضحاً إن كان البرنامج الروسي مصمماً للرد بطريقة معينة وفق أيديولوجيا محددة مسبقاً بشكل يشابه اسمه، على غرار ما يعتزمه رجل الأعمال أيلون ماسك في تأسيس ذكاء اصطناعي تحت اسم "تروث جي.بي.تي" لأن الأنظمة الحالية برأيه "ليبرالية جداً".

وفي روسيا، تم تعزيز ثقافة "الرجل المسيطر" سياسياً ودعائياً عبر صورة بوتين الشخصية منذ سنوات بحيث يصبح "الرجل القوي" هو الأحق بالحكم بغض النظر عن صفات أخرى يجب توافرها في السياسيين المعاصرين، ويصبح اتهام الخصوم محلياً ودولياً بأنهم "مخنثون وضعفاء" دارجاً في الإعلام الروسي والإعلام الحليف له، كالحال في الإعلام السوري مثلاً منذ العام 2015 إثر التدخل الروسي في سوريا، إضافة إلى أن فكرة "الرجل القوي" تصبح مدخلاً لبناء علاقات مع قادة مستبدين بسجل مروع في مجال حقوق الإنسان، كما كانت العلاقة بين بوتين والرئيس الأميركي دونالد ترامب، مثالاً على تصدير ذلك المصطلح إلى حده الأقصى في الغرب.

ورسم بوتين لنفسه بعناية صورة الرجل القوي خلال الأعوام الـ24 التي قضاها في السلطة، وسبق أن نُشرت له صور على ظهر جواد وهو عاري الصدر في سيبيريا، ثم وهو يغطس في مياه ثلجية، وأخرى وهو يقود طائرة لإطفاء الحرائق، كما باتت روزنامة الكرملين تقليداً دعائياً يلتزم به بوتين بظهوره عاري الصدر مستعرضاً عضلاته. وحتى عند رغبته في إظهار صورة مختلفة فإنه يظهر كحنون يعامل النساء اللواتي يحطن به ويعجبن به، بشكل يعزز صورته كـ"ّذكر مسيطر" بما في ذلك روزنامة لفتيات سوريات تمثل كل منهن شهراً من شهور السنة ويعبّرن في صورهن عن حبهن لبوتين ومديحهن للرجال الروس الأشداء.

وفي الدعاية الروسية وقت الأزمات العالمية يظهر بوتين دائماً بصورة الرجل الخارق المنقذ للبشرية على غرار شخصيتي سبايدرمان والرجل الحديدي الخياليتين. مثلاً في العام 2020 تم توزيع صور لبوتين في وسائل الإعلام الروسية وعبر الإنترنت وهو يمتطي دباً ويحمل حقنة عملاقة على ظهره، في احتفال حينها بالكشف عن لقاح روسي ضد فايروس كورونا.

بالعودة إلى "غيغا تشاد" فإن المصطلح ظهر للمرة الأولى في تشرين الأول/أكتوبر 2017 في منصة "فورتشان" وهي منصة بدائية للنقاش حول ألعاب الفيديو بشكل خاص وينشط فيها وفي مثيلاتها القراصنة الإلكترونيون والمسربون للمعلومات من الشركات الكبرى، بما في ذلك شركات الموسيقى والأفلام والألعاب والتلفزيون. وفيها يمكن إيجاد كافة أنواع الشائعات والنقاشات العنصرية والجنسية والعنفية، التي تتم كلها بأسماء وهمية وعبر لغة الإنترنت القائمة بشكل أساسي على السخرية التعبيرية و"الميمز".

والمصطلح نشأ وانتشر في تلك البيئة التي تقوم على قيمة واحدة هي التنمر، ففيها كلما كان "الميم" أكثر قبحاً، كلما كان أكثر انتشاراً، ويتم فيه استخدام ثيمات عنصرية، تجاه جماعات عرقية ودينية حتى تجاه أصحاب الميول الجنسية المثلية. وبالتالي، تعمل هذه الفضاءات على تجريد مجتمعات بكاملها من إنسانيتها، وتخلق شعوراً وهمياً بالتفوق لمن يشارك فيها. ويأتي "غيغا تشاد" تعزيزاً لفكرة تفوق الرجل على المرأة وعلى أنظاره من الرجال "الناعمين" أو الذين لا يتمتعون بصفات رجولية كافية، مثل العضلات البارزة وحجم الأعضاء التناسلية والجاذبية الطاغية واللامبالاة للقوانين والأخلاق بشكل يبرر التحرش والتنمر والاعتداء الجنسي والعنف وغيرها.

والصورة التي أعطيت للـ"غيغا تشاد" هي صورة معدلة رقمياً للموديل الروسي إيرنسيت خاليموف وهو شخص مفتول العضلات يظهر بشكل رئيسي في حساب "أنستغرام" "berlin.1969"، ويبدو أن المصطلح نفسه يعود مرة أخرى إلى أصله الروسي بتبنيه كإسم للذكاء الاصطناعي المحلي.

تأثير هذه الثقافة السامة ككل يمتد إلى السياسة، حيث ترتفع نسبة التأييد والإعجاب بالحرب البوتينية في أوكرانيا لأسباب لا علاقة لها بالسياسة، حيث تشير تقارير ذات صلة إلى أن "العازبين لا اختيارياً" (Incel)، وهي فئة فرعية من العازبين الرجال الذين لا يحظون بعلاقات عاطفية بسبب رفض النساء لهم عموماً، يظهرون تأييداً عالياً لبوتين وإعجاباً بصورته المهيمنة خصوصاً عندما تحط من قدر النساء والمثليين جنسياً. وفق هذا التصور فإن الرجل ليس بحاجة للعاطفة ولا للتعبير عنها ويقول مروج نظرية "تفوق العرق الأبيض" الأميركي نيك فونتيس الذي لا يخفي إعجابه ببوتين أن الموقف الوحيد الذي يعبر عن الرجل المغاير جنسياً بشكل صحيح هو تمجيد "العزوبية غير الاختيارية" لأن المثليين والنساء فقط هم من ينشدون العناق والقبلات.

والمسألة تتعلق بفكرة امتلاك القوة. أي أن الرجل الحقيقي يجب أن يمتلك زمام المبادرة والسيطرة على نسائه في أي علاقة عاطفية. ويتمدد ذلك نحو القول أن الرجال المثليين هم ضعفاء وبالتالي ليسوا رجالاً، رغم أن ذلك التعميم غير دقيق ومهين. لأن امتلاك سلوك أو شكل "أنثوي" من قبل "رجال" لا يرتبط بالمثلية الجنسية على اعتبار أن الهوية الجنسية منفصلة عن الهوية الجندرية خصوصاً أن الهوية الجندرية هي مفهوم بشري تم وضعه وتعزيزه عبر آلاف السنين ولا يعني في الواقع شيئاً عند النظر إلى الأنسان من وجهة نظر أنثروبولوجية. وبالتالي فإن المثليين ليسوا دائماً ناعمين، والمثليات لسن دائماً مسترجلات، والمغايرون جنسياً ليسوا دائماً أشداء، وغيرها من الصور النمطية المهينة التي تمثلها فكرة الـ"غيغا تشاد" أساساً.

وتعزز القوانين الروسية الرسمية ذلك بمعاداتها للمثليين، حيث رأت موسكو في المثلية الجنسية كذبة يجب تجاوزها عن طريق مكافحتها بالمنع الكلّي، ومثلها اليمين المتطرف الأوروبي الذي يقول أن المثلية هي بمثابة أيديولوجيا مثلها مثل أي أيديولوجيا دينيّة لا تشترك مع حضارة الفكر المسيحي وتفوقه. ويظهر ذلك يومياً في قنوات تلفزيونية ووسائل إعلام محافظة كبرى في أوروبا والولايات المتحدة مثل "فوكس نيوز" الذي كان نجمها الأول السابق تاكر كارلسون مثالاً على الإعجاب اليميني المتطرف بالأفكار البوتينية وصورة الرجل المسيطر.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها