الخميس 2023/04/20

آخر تحديث: 00:15 (بيروت)

عُطلة قصيرة خارج سياج الوطن

الخميس 2023/04/20
عُطلة قصيرة خارج سياج الوطن
"كفاح الوجود" - لوحة بول غيراغوسيان
increase حجم الخط decrease
ما حدا مبسوط، ما حدا مرتاح.. عبارات خنوع وإذعان تتردد يومياً على مسامعنا في هذا الوطن الكئيب. عبارات ترويض اجتماعي تتخلل حياة اللبنانيين كحقن المورفين لتحمّل المرض العُضال الذي ينخر عظامهم يومياً.

العيش في مطحنة سعر صرف الدولار، والغلاء الفاحش، والأساسيات المفقودة، بالإضافة إلى الأمان الاجتماعي المتحلل والأمن المتآكل، ما هو الا دوامة هذيان اجتماعي لتبرير النضال المستمر من أجل تأمين قعر الاحتياجات التي تذكرك بأنك إنسان من لحم ودم ومن حقه العيش بكرامة.

في مكان ما خارج حدود هذا الوطن الذي نخره الفساد والعفن السياسي والاجتماعي، حياة أخرى، تبدو الشمس التي تسطع على البلاد الأخرى أكثر بريقاً من تلك التي تشرق علينا في الشرق الكئيب.

في "الغرب المتآمر على شعوبنا"، هواء يحلو تنشّقه، شوارع تذكّر بمواضيع الإنشاء، فيبدو وصف "أحب أن أفترش الأرض وألتحف السماء"، قابلاً للتحقيق. في "الغرب الاستعماري"، لبنانيون نجحوا في بناء حياة خارج قمقم الطائفة وعباءة الزعيم، بعضهم يعود لزيارة البلد الموبوء بها.

خارج حدود الوطن المصاب بسرطان الانهيار الكبير، تبدو الحياة أوسع، الأحلام ألطف، والطموح أشهى. في هذه البلاد، تحسد حتى اللاجئ لأن لأطفاله مستقبلاً أكثر استقراراً من مستقبل أولادك، أنت الذي عملتَ وناضلتَ من أجل تأمين حياة كريمة لك ولأطفالك في كنف وطن ضاق بك بعدما ملأه الفساد ونخره الحقد الطائفي والسياسي وسيطرت عليه مجموعة من الحاقدين الجشعين، فبتَّ تتمنى لو يتلقفك بلد من بلاد الغرب المتآمر، ويستقبلك في براثن عنصريته التي تغدق على اللاجئين والمقيمين فيه، آفاق رحبة لبناء مستقبل ملوّن لكل مَن يرغب.

بعضهم عنصري؟ كثر؟ الا أن عنصريتهم تحت القانون، تماماً كأي خطأ آخر يرتكبه مسؤول أو مواطن أو مهاجر على أراضيهم.. والملفت أن الأكثر عنصرية من بينهم، مهاجرون نقلوا "تفوّقهم" في السلّم البشري من بلادهم الأم إلى البلاد المُضيفة.

بالطبع، في الغربة لا أشجار تُنبِت أموالاً، ولا الحياة في البلاد الغربية زاهية ومشمسة على الدوام من دون مشاكل أو خضات اقتصادية وشقاء. في الغربة، الجبل ليس قريباً من البحر، ومن شبه المستحيل التزلج والسباحة في اليوم نفسه. في كثير من بلاد الغربة لا يوجد بحر، الاّ أنها على الأقل لا تسرق تعباً ولا تنهب أموالاً جُمِعت بنزاهة، ولا تطيح مجتهداً يسعى لحياة كريمة، بل تفتح أبوابها وتكرّم وتمنح الفرص لمَن يرغب في التطور.

في بلاد "الغرب الفاجر"، سكة حديد ونقل مشترك وباصات تعمل كالساعة، وفيها أمل نفتقده في شرقنا الذي يغدق كرامة وعنفواناً، وفيها أخلاق في التعامل بين البشر باتت عملة نادرة في وطن اخترع الحرف وصدَّره في يوم من الأيام.

في بلاد "الغرب المنافق"، أناس يسيرون في الطرق تعلو وجوههم سمات الرضا والهدوء، وأولوية للعجزة والمعوقين والنساء والأطفال. وفيها أيضاً مواشٍ ترعى في حقول خضراء بعيداً من النفايات المتكدسة في الدروب.

في بلاد "الغرب الجاحد"، مخترعون ومتفوقون وفرص لتنمية مواهب الأطفال وملكات جمال المستقبل، غير التسوق وعدّ الخراف قبل النوم.

في بلاد "الغرب الإستغلالي"، لا مربعات أمنية، ولا حماية للفاسدين، ولا سلاح متفلتاً بين البشر، ولا لبيك يا زعيم ولا حقوق طوائف مهدورة.

في بلاد "الغرب الفوقي"، كهرباء 24/24، ورقابة على المواد الغذائية، ومياه الشرب تتدفق من الحنفية، ويا ويلاه... فرز للنفايات. ونحن أحفاد الفينيقيين، نلحظ ونثمّن هذه التفاصيل، قبل متحف فان غوخ وتاريخ برلين وأناقة زوريخ.

في بلاد "الغرب المتآمر علينا"، الكثير من التفاصيل التي تدفعنا الى الإشفاق على أنفسنا، لمجرد أننا لا نملك فرصة البقاء وتربية أولادنا في البلاد الملونة.

للحرية طعم مختلف لا يتذوقه الا مِن حُرِم منها، وللحياة الكريمة نكهة مختلفة لا يلحظها الاّ من حُرِم منها. للحرية مذاق خاص لا يثمّنه إلا من قبع خلف أسوار القمع والسجون والمعتقلات، وللحياة الكريمة حلاوة لا يثمّنها الا من قبع خلف أسوار أشباه البلاد!
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها