الأحد 2023/04/02

آخر تحديث: 08:21 (بيروت)

"الكرزون".. استثمار رديء لانفجار مرفأ بيروت

الأحد 2023/04/02
"الكرزون".. استثمار رديء لانفجار مرفأ بيروت
increase حجم الخط decrease
عندما أُعلن عن إنتاج مسلسل "الكرزون" في العام الماضي، سوّق له المنتج فراس الجاجة (صاحب شركة "أفاميا" للإنتاج الفني) على أنه عمل درامي إنساني، يتحدث عن انفجار مرفأ بيروت وما خلفه من آثار على حياة السوريين واللبنانيين، إضافةً الى تسليط الضوء على مشكلة الودائع في مصارف في لبنان وانعكاساتها على أصحاب الأموال السوريين هناك. 

هكذا بدأ التمهيد لـ"الكرزون" كعمل درامي ضخم ومثير يناقش قضايا راهنة منذ البداية، وتمت الإشارة إلى أن الممثل القدير دريد لحام سيلعب دور البطولة أيضاً. 

لكن مع بداية شهر رمضان، تبين أن الاعلانات السابقة لـ"الكرزون" لم يكن سوى فقاعة، فلم يشارك فيه دريد لحام ولا أي ممثل بقيمته، والأسوأ هي الحكاية السطحية والزاوية التي تناول من خلالها الأحداث الواقعية؛ لنكتشف أنه ليس سوى عملية استثمار رخيصة لحدث مأساوي ضخم بحجم انفجار مرفأ بيروت، ومن دون أدنى مراعاة لحساسية الموقف.

"الكرزون" في معاجم اللغة العربية تعني: المختفي. ويبدو أن صنّاع المسلسل قد بذلوا جهداً بالبحث لاختيار اسم المسلسل أكبر من الجهد الذي بذلوه لصياغة العمل نفسه. يتمحور المسلسل حول حكاية رجل الأعمال السوري الثري، "عدنان"، الذي لعب دوره أسامة الروماني، والذي يكون موجوداً في بيروت لحظة انفجار المرفأ، ويشعر بلحظة بأنه اقترب من الموت، ليدفعه ذلك إلى التفكير بابنته المدللة والطائشة "نور"، التي تؤديها  ليليا الأطرش، فيسأل كيف سيكون مصيرها بعد وفاته؟ ليقرر أن يستثمر الحدث ويلقنها درساً لتعتمد على نفسها، فيزوّر موته ويختفي من حياتها بشكل مفاجئ. 

هذه الحكاية الركيكة التي كتبها مروان قاووق، لم يكن لانفجار مرفأ بيروت فيها أي علاقة، وكان من الممكن استبداله بأي حادثة قد يتعرض لها "عدنان"، سواء سقوط طائرة أو أي حادث مرور في وسائط النقل العامة أو انهيار مبنى أو حتى أزمة صحية. 

ربما كان العمل سيكون أقل فجاجةً من النسخة التي نشاهدها اليوم، خصوصاً أن أحداث العمل وشخصياته لا تتأثر بالانفجار إطلاقاً، ويتم التركيز تماماً على الجشع والخسة بمسائل الميراث والصعوبات التي تواجهها "نور" بعد اختفاء والدها.

رداءة الصنعة تزيد الطين بلة، إذ أن الطريقة التي تم فيها تصوير لحظة انفجار مرفأ بيروت بالكاد تصلح لأفلام الكرتون، وهي تعتمد بالكامل على غرافيك رديء، علماً أن شركة الإنتاج لم تتكبد عناء التصوير في بيروت أصلاً، وإنما اكتفت بغرافيك غير مقنع أضافته على مشهد صورته في منطقة مشروع دُمّر في دمشق،  التي تحتضن العدد الأكبر من المسلسلات السورية التي تُنتج محلياً، وقد أضيفت للمشهد مجسمات لمرفأ بيروت والمباني المحيطة فيه.  

تبدأ اللقطة بتصوير "عدنان" وهو جالس على شرفة أحد الفنادق القريبة من المرفأ. هي لقطة يمكن لأي مشاهد أن يكتشف  خدع التصوير فيها، وأن يدرك بأن "عدنان" يجلس أمام شاشة خضراء تم تركيب باقي المشهد عليها. يقوم "عدنان" بتصوير لحظة الانفجار، وهنا استعان المخرج رشاد كوكش ببعض اللقطات المشهورة التي عرضتها قنوات الأخبار عن لحظة الانفجار. 

وفي لحظة الصفر، يتم تبديل الفيديو بالغرافيك الرديء، الذي يزيد من رداءته، تصويره بإيقاع بطيء يرصد تحطم شرفة الفندق المتواجد فيه "عدنان" وسقوطه أرضاً. ولا يكتفي صناع العمل بتلك المشاهد، وإنما يصورون الجرحى في الشوارع، وفي تلك اللقطات تظهر صور لشوارع "مشروع دمر" بشكل واضح، وقد تم تركيب خلفية لواجهة بيروت البحرية عليها، وتمت إضافة  بعض النيران على المشهد بالغرافيك، ليكون هناك عدد قليل من الكومبارس في تلك الشوارع، على أنهم مصابون أمام سيارات نظيفة ومرتبة لم تتعرض لأي خدش. 

هذه اللقطة التي من المفترض أن تؤثر بنا في كل مرة نشاهدها تبدو في "الكرزون" مثيرة للسخرية والضحك، وهو أمر مؤسف حقاً. 
View this post on Instagram

A post shared by Lilia atrash (@liliaatrash)


بالإضافة الى هذه المتاجرة بالمأساة حديثة العهد، يعاني العمل أيضاً من مشاكل عديدة، أبرزها التوجه الذكوري الأبوي الذي يحط من شأن النساء، حيث يروج العمل لفكرة انه يجب على الأب تربية بناته ويقسو عليهن، لأن الأجواء المحبة التي تتيح للبنت هامشاً من الحرية ستؤدي إلى إفسادها. لذلك نجد "عدنان" الذي لم يُربِ ابنته كما ينبغي، يلجأ إلى حيلة الاختفاء ليعاقب ابنته ويضعها في مواقف صعبة بعد إيهامها بأنه ميت وحرمانها من أمواله وطردها من منزله!

لقد تركها تواجه أسوأ ظروف الحياة بلا مأوى او طعام في سبيل التربية الأبوية. والأسوأ أن المسلسل لا ينظر إلى تصرف "عدنان" باعتباره تصرفاً أحمق وغير سويّ إطلاقاً، بل يتم تصويره كموقف حكيم ودرس أخلاقي يحسّن من شخصية "نور". 

علاوةً على ذلك، فإن المسلسل يصور أن المرأة لا يمكن أن تعيش دون وصاية ذكورية؛ فبعد اختفاء والدها، يحل مكانه حارسها الشخصي  "ماجد" (عامر علي) الذي اختاره أبوها لها، والذي يرافقها في جميع تقلبات حياتها ويعمل على حمايتها ويؤدي دور الوصي كما يجب. ونتيجة هذه الحكاية مفضوحة والجميع يتوقعها، ستقع "نور" في غرام الوصي عليها وسينتهي المسلسل غالباً بزواجهما.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها