الأربعاء 2023/04/19

آخر تحديث: 12:20 (بيروت)

النظام السوري يطوي صفحة العداء للسعودية: هزمنا المؤامرة معاً!

الأربعاء 2023/04/19
النظام السوري يطوي صفحة العداء للسعودية: هزمنا المؤامرة معاً!
بدأت تختفي الفيديوهات والوثائقيات الهجومية من "يوتيوب" الإعلام الرسمي وصفحات الموالين
increase حجم الخط decrease
عادت عقارب ساعة الإعلام الرسمي في سوريا إلى ما قبل العام 2011، لاستخراج الصيغ الرسمية المطلوبة عند تقديم أخبار "استقبل وودع" التي لطالما تندّر عليها السوريون. وبدت أخبار استقبال وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان في دمشق، الثلاثاء، وكأنها زيارة عادية، لطالما حصلت من دون انقطاع، ومن دون توتر خلال العقد الماضي الذي شهد ثورة شعبية ضد نظام الأسد للمطالبة بمزيد من الحريات والديموقراطية.

في البداية تراجع خبر استقبال بن فرحان، إلى الخبر الثاني أو الثالث في نشرات الأخبار، قبل أن يصبح أولاً من باب البيان الصادر عن رئاسة الجمهورية. وحضرت فيه عبارات تقليدية غابت سنوات مثل "البلدين الشقيقين" و"المصلحة العربية"، كأن الإعلام الرسمي في السنوات الماضية لم يكن رافضاً "العروبة" لصالح ترسيخ هوية جديدة للسوريين بوصفهم مشرقيين لا عرباً، أو حلفاء للأصدقاء في روسيا وإيران بدلاً من "الخيانة العربية". وتم الحديث في نشرات الأخبار الرسمية، عن دور سوريا المهم ضمن محيطها العربي، وهو خطاب عاد إلى الظهور في سوريا خلال السنوات الماضية مع الانفتاح العربي التدريجي على النظام.



ولسنوات، أنتج التلفزيون الرسمي عشرات "الوثائقيات" وآلاف البرامج التي وصفت الحكام الخليجيين بعبارة "عربان الخليج" من منطلق أنهم "شركاء في المؤامرة الكونية على سوريا" و"أدوات للمخطط الصهيوأميركي" في الشرق الأوسط. وتغير ذلك منذ العام 2021 مع زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد آل نهيان حينها إلى دمشق.

واليوم بدأ يختفي بعض تلك الوثائقيات من أرشيف التلفزيون في "يوتيوب" بما في ذلك وثائقي "مملكة النعيم" الذي أنتجته قناة "الإخبارية السورية" العام 2015، رغم أنه مازال موجوداً في "فايسبوك" بشكل كليبات قصيرة، وليس واضحاً إن كانت القناة تحذف أرشيفها بتعليمات رسمية أم لا، نظراً لغياب الشفافية بشأن السياسات الإعلامية المتبعة.

وحتى في أوصاف "المحللين" الذين تتم استضافتهم على الشاشات الرسمية للتعليق كـ"خبراء مستقلين"، باتت السعودية "دولة وازنة إقليمياً"، وهي عبارة تكررت مراراً وتكراراً لأن التعليمات الرسمية تصل إلى جميع المحللين في وقت واحد، رغم أن الإعلام السوري كان يصف السعودية بأنها "دولة هامشية" وغير مهمة، وأن صراع دمشق يكمن مع الدول الكبرى كالولايات المتحدة، لا الدول "التي تنفذ الأوامر". كما أن الإعلام الرسمي كان يضع السعودية في صدارة الدول التي يهاجمها عند الحديث عن أحداث لا علاقة لها بسوريا بتاتاً مثل تظاهرات "طلعت ريحتكم" في لبنان العام 2015.



بعكس ذلك، أصبح هناك في الإعلام الرسمي ترحيب بعودة العلاقات العربية إلى طبيعتها، وباتت المؤامرة أكثر شمولية لأنها كانت تستهدف "العلاقات الأخوية"، لا السيادة السورية وحدها. ورغم أن محللي النظام لطالما صرخوا وشتموا وقالوا أن سوريا لا تريد أصلاً العودة إلى الجامعة العربية بوصفها "كياناً ميتاً"، يصبح إحياء ذلك الكيان، بقُدرة قادر، ضرورياً بسبب "تغيرات المرحلة". مع الإشارة إلى أن العروبة نفسها كفكرة دافع عنها النظام طوال عقود كمحدد للهوية وقمع الأقليات، وكانت قد سقطت من اللغة اليومية للنظام بعد الثورة السورية بشكل واضح بعد طرده من جامعة الدول العربية ومقاطعة تلك الدول له.

تجلى ذلك في إحياء النظام بشكل رسمي للتراث السوري (غير العربي) الآتي من الحضارات الأولى في المنطقة، وبلغ ذلك ذروته العام 2016 في الاحتفال الرسمي بعيد السنة الآشورية "أكيتو"، وهو أحد الأعياد التي كانت ممنوعة في البلاد على غرار عيد النوروز الكردي. لكن عودة العلاقات الدبلوماسية بين النظام السوري ودول عربية منذ العام 2018، أفضت إلى عودة حاسمة نحو الفكر العروبي، كما أن الثقل الذي باتت تمتلكه وزارة الأوقاف السورية في البلاد، شكل دفعة إضافية لتبني الخطاب العروبي مجدداً، لأن الخطاب الديني يمزج بين الإسلام والعروبة. وهو ما تجلى في خطاب لوزير الأوقاف محمد عبد الستار السيد العام 2020، قال فيه أنه "لا يمكن الفصل بين العروبة والإسلام"، فيما كان الرئيس بشار الأسد شخصياً أكثر وضوحاً عندما قال في خطاب خلال العام نفسه أن الدولة السورية هي دولة عربية حصراً، في ردّه على على الدعوات التي تحدثت طوال السنوات الماضية عن أن سوريا ليست بلداً عربياً بل بلد غزاه العرب بعد الإسلام فقط.

ودعمت السعودية، المعارضة السورية ضد النظام السوري، خلال الانتفاضة السورية التي تحولت إلى حرب أهلية. لكن في السنوات الأخيرة، كان هناك تقارب إقليمي يختمر. وأثار الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، في شباط/فبراير الماضي، تعاطفاً دولياً وسرّع عملية التقارب من باب المساعدات.

وفي مواقع التواصل، اختفى الكثير من المقاطع والمنشورات التي كانت تهاجم السعودية من صفحات شخصيات موالية، مثل الممثل معن عبد الحق. وكانت صفحات الإعلاميين وتعليقاتهم على المنشورات الصادرة عن رئاسة الجمهورية، من بينهم نزار الفرا مثلاً، تتحدث عن التغييرات العالمية التي تدفع إلى مزيد من "التعاون العربي". وخففت الأصوات الراديكالية حديثها من "لن نصالح" إلى القول أن هذا هو الوضع الطبيعي للمشهد العربي، وبدا كأن توجيهات رسمية موحدة جعلت الصوت الموالي في العموم مقتصراً على تبادل خبر الزيارة نقلاً عن "سانا"، لا أكثر.



ووفق هذا المنطق، فإن انتصار الأسد على "المؤامرة الكونية" أجبر محركي تلك المؤامرة، المزعومين، أي القيادات العربية، على التراجع عن خططهم والعودة إلى "الصواب"، واستخدم موالون آخرون عبارة "أحجار الدومينو" لوصف "التهافت" العربي على النظام، فيما وصف آخرون الرئيس بشار الأسد بالمؤمن الذي انتصر بسبب وقوف الله إلى جنبه وصبره على المحنة التي ألمت به.

ذلك كله لم يكن حاضراً في تعليقات الأفراد العاديين عموماً، بل كان هناك تفاؤل بتحسن الأوضاع الاقتصادية والخدمية في البلاد، رغم أن ذلك التفاؤل خادع بحد ذاته، إلا أن وسائل الإعلام الرسمية لم تقم بتغذيته بشكل مباشر. ربما لأن النظام السوري يرفض أصلاً الاعتراف بوجود أزمة معيشية واقتصادية، حيث يكرر المسؤولون السوريون منذ العام 2016 على الأقل، من بينهم المتشارة الرئاسية بثينة شعبان، في تصريحاتهم أن الانهيار الاقتصادي "وهمي" وأن "الاقتصاد السوري أفضل بـ50 مرة مما كان عليه العام 2011"، مع تكذيب التقارير الحقوقية والأممية التي تفيد بأن أكثر من 90% من السوريين يعيشون تحت الفقر.

ذلك التفاؤل يصطدم بوقائع معاكسة، فالاقتصاد السوري منهار لأسباب لا علاقة لها بالقطيعة مع الدول العربية، من بينها سيطرة المليشيات، وغياب القانون، والتعفيش على الحواجز، والأتاوات المفروضة على الصناعيين والتجار الذين مازلوا في البلاد، فضلاً عن غياب الكهرباء والمواصلات والمحروقات وغيرها من أسس أي نشاط اقتصادي بسيط، كما أن العقوبات الغربية المفروضة على النظام، تحديداً في القطاع المصرفي، تجعل المقولات التي انتشرت بشأن تدفق الاستثمارات العربيى إلى سوريا أوهاماً. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها