السبت 2023/04/01

آخر تحديث: 02:30 (بيروت)

"الجديد" يكشف محاولة اغتصاب فتاة ببيروت..فينزلق إلى تسخيف الجريمة!

السبت 2023/04/01
"الجديد" يكشف محاولة اغتصاب فتاة ببيروت..فينزلق إلى تسخيف الجريمة!
تزايد المخاوف على أمان النساء في المساحات العامة (ارشيف: علي علوش )
increase حجم الخط decrease
قبل عرض تلفزيون "الجديد" تقريراً عن واقعة الاعتداء على فتاة في الواجهة البحرية لبيروت، ليل الثلاثاء الماضي، كان النقاش يتنازع حول التضامن، من عدمه، والنشر من عدمه، بالنظر الى أن الواقعة ما زالت مجرد "قصة"، لا تتضمن عناصر قضية، ولا يزيد من موثوقيتها إلا الهواجس اللبنانية من تحول بيروت الى مدينة مفتوحة على الجريمة ضد النساء، وهو أمر لا يستطيع أحد إنكار المخاوف الواقعية منه.

وكانت إنتشرت، الأربعاء، تغريدة في "تويتر"، تفيد بتعرّض شابة لهجوم عنيف وإغتصاب في منطقة الواجهة البحرية لبيروت، بالقرب من "كيدز موندو"، أثناء ممارستها الرياضة، فكانت إصاباتها بالغة وظلت على قيد الحياة بأعجوبة، بحسب الرسالة التي عُمّمت أيضاً بطريقة موسّعة في مجموعات "واتساب".

وعبّرت صديقة الضحية، التي نشرت القصة، عن قلقها من أن تتكرر الحادثة في المنطقة التي لا توجد فيها كاميرات مراقبة، ولا شرطة تتفقد المكان. وهذه الرسالة كانت دعوة تحذيرية للنساء، بتوخي الحذر خلال ممارستهن رياضة المشي في المنطقة المذكورة.
 

لكن، ليل الجمعة، انقلب الحدث الى نقاش آخر. بثّ تلفزيون "الجديد" تقريراً لمراسلته زهراء فردون، يكشف تفاصيل عن الحادثة، مسرّبة من مصادر أمنية. ألمحت المراسلة الى تفاصيل تحفظت الفتاة عن اعلانها، مثل عمرها ومهنتها وجنسيتها البريطانية، ونشرت صورة مظللة لجواز سفرها، وعملها مع إحدى وسائل الإعلام الأجنبية.

التقرير الذي نُشر، ذكر أيضاً رواية الطبيب الشرعي الذي عاين الضحية، وقالت إنها تعرضت لخدوش جراء وضع الجاني يديه على فمها ودفعها على الأرض، وبأنه لم يتبين حصول أي إغتصاب فعلي. ورأت المراسلة أن الحادثة "ضُخمت" في مواقع التواصل الإجتماعي.


التقرير أحدث بلبلة في مواقع التواصل الإجتماعي بإعتباره تسخيفاً لحادثة خطرة، تتمثل في محاولة الاعتداء على النساء في مكان عام، يفترض أنه آمن. كما استخدمت تعابير غير منصفة لقضية الفتاة. فالمراسلة تبنّت الرواية الأمنية، من دون التعليق عليها، أو حتى زيادة إضافات ضرورية لإعلان موقف رافض للاغتصاب والتحرش والاعتداء على نساء، وهو أمر ظهر في الشخصيات الثلاث التي استصرحتها في المنطقة، واعتبر هؤلاء أن المكان لم يعد آمناً.

اللافت أن مُعدّة التقرير هي امرأة، ومن المستغرب ألا تتبنى قضايا نبذ التحرش ومعاقبة الجناة، والكشف عن الخطر الفعلي الذي يهدد النساء في أماكن عامة، بعد سلسلة من الاعتداءات دفعت فيها النساء أثماناً باهظة قتلاً واغتصاباً وتحرشاً وتعنيفاً... وبذلك، لم تُراعَ "أخلاقيات المهنة"، عند الحديث عن "تضخيم" لحادثة لم ينجح الجاني فيها في اغتصاب ضحيته.


والحال إن التعامل الإعلامي مع القضية والإهتمام بنشر التفاصيل، يطرح أسئلة أخرى، ليس حول الحصول على وثائق مرتبطة بالفتاة، بل حول نشرها، خلافاً لإرادتها.

إذاً، بات النقاش في حيّز آخر. الواقعة مثبتة، برواية أمنية، وموثقة لدى السلطات الرسمية. من شأن هذا الأمر أن ينهي كل النقاش الذي دار على مدى اليومين الماضيين، حول ما إذا كان أي شخص يستطيع أن يتبنى رواية منقولة عن عناصر مجهولة، نقلتها صحافية، تتمتع بمصداقية، ومن حقها، بل واجب عليها، عدم الكشف عن هوية الضحية.. لكن في الوقت نفسه، من دون تفاصيل أخرى، ولا دقة في تحديد الموقع، ولم يكن قد وصل وقتها بلاغ الى قوى الأمن الداخلي لتباشر تحقيقاتها، ولا قُدّمت دعوى أمام القضاء لفتح كاميرات المراقبة، وطبعاً هوية الجاني (أو الجناة) مجهولة..

وكانت الرسالة انتشرت بشكل كبير، وسط تزايد حالات العنف والقتل النساء في لبنان، ما دفع الإعلاميين للبدء بالبحث عن تفاصيل، من أجل تقديم رواية متكاملة للرأي العام، بالتزامن مع حملة التضامن الواسعة التي ضجت بها وسائل التواصل الإجتماعي تحذيراً من تحول بيروت الى مدينة غير آمنة للنساء. وتحدث كثيرون عن إنعدام الأمن في المجتمع اللبناني وكيفية تحويل الأماكن العامة إلى مصدر للخوف والقلق. 


قبل تقرير "الجديد"، انتقدت الصحافية-الناشطة التي أثارت القضية عبر حسابها في "تويتر"، ليلى مولانا، وسائل الإعلام اللبنانية التي راسلتها لطلب تفاصيل عن الحادثة، على مبدأ أن الإعلام لن يصدق الواقعة إذ لم يتحدث مع الضحية، طالبةً من الإعلام إحترام حالة الشابة المصابة بصدمة شديدة وبالكاد مرّت 24 ساعة على محنتها.


وإذا كان بعض الوسائل الإعلامية يسعى إلى إثارة الموضوع من أجل لعبة "الريتنيغ"، فما زال في لبنان متسع لإعلام مسؤول يكشف مثل هذه القضايا بمناقبية ويثيرها أمام الرأي العام، كقضية مقتل زينب زعيتر أخيراً، حيث كانت الحقيقة ستدفن مع جثمان الضحية، لو لم يسارع الإعلام (كانت "المدن" في طليعة الكشف) إلى كشف ملابسات الموضوع.

بعد النشر، يفترض أن يتسنى للإعلام والمواطنين محاسبة الجناة، والمقصرين في ملاحقة الملف إن كان ثمة مُقصّر. هناك معايير ليتمكن الإعلام من تحويل "قصة" إلى قضية. في قضايا الاغتصاب، يجب التأكد من تقديم الضحية شكوى لدى الأجهزة الأمنية، ومن لجوء الضحية إلى طلب تقرير طبيب شرعي ليوثق الواقعة الجرمية، وهو ما أثبت في واقعة "الواجهة البحرية". والأهم من هذا كله هو الالتزام بمبدأ "نصدّق الناجيات"، وهذا ضروري ومطلوب، ولكي يتحقق لا بد من تجاوز تجهيل التفاصيل. 

وإذا كان الانطباع السائد بأن القوى الأمنية تعمل بإستخفاف مع قضايا النساء، فإن إكتمال العناصر التوثيقية كافة، من ناحية الصور والأدلة، مع الحفاظ دائماً على خصوصية الضحية في حال أرادت ذلك، يساعد الناشطين والإعلاميين في الضغط لتحريك القضية أمام الرأي العام، إضافة إلى الدور الذي يجب على الجمعيات النسوية أن تؤديه.

عند تغطية الأحداث التي تشمل ضحايا، يتحمل الصحافيون مسؤولية الموازنة بين حاجة الجمهور إلى التفاصيل المقنعة للقصة، والضرر الذي يمكن أن يتسبب به كشفها. وهنا سيف ذو حدّين، لا بد من إعلام رصين ومهني للتعامل معه. فالضرر الذي يمكن أن يتسبب به الكشف في هذه القضية، هو إعلان هوية الضحية. إلا أن مطلب التعاطي مع القضية "كمجهولة الهوية"، يضعف الزخم الإعلامي، ليبقى الإكتفاء بسردها تلقائياً في مواقع التواصل، وفق مبدأ "رواية شخصية".

وعليه، تصبح مطالبة الإعلام بأن يكون أداة قوية ومهمة لتحقيق العدالة للضحايا، من دون قيمة خبَرية، تعسفاً، لأن على الإعلاميين الرصينين إقناع الآخرين بما يتخطى قناعتهم الشخصية. فيجب التعامل معهم في مثل هذه القضايا كـ"شركاء"، لكن فقط حينما يقومون بعملهم باحتراف وأخلاقيات، ولا إدانة في مجرد طلب تفاصيل أو معلومات إضافية عن الواقعة التي، بلا شك، تُصدَّق فيها الناجية أولاً وأخيراً. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها