الإثنين 2023/03/06

آخر تحديث: 20:57 (بيروت)

نعم، للمُنتحرين حقوق.. وهي مُنتهَكة

الإثنين 2023/03/06
نعم، للمُنتحرين حقوق.. وهي مُنتهَكة
increase حجم الخط decrease
يتكرر النقاش نفسه عند كل حادثة قتل أو انتحار، حول حق الضحايا وعائلاتهم باحترام خصوصيتهم، لجهة التوقف عن نشر المحتوى الشخصي، من صور ومقاطع فيديو ومقاطع صوتية عائدة لهؤلاء، وهي معضلة لن يُحسم موقف تجاهها، في عصر السرعة، والبحث عن الجديد والمؤثر، بقصد اجتذاب القراء والمشاهدين. 

خلال اليومين الماضيين، انتشرت في "تويتر" تغريدات تدعو وسائل الاعلام والناشطين للتوقف عن نشر المحتوى الشخصي للضحايا، واحترام خصوصية العائلات. "أليس هناك من رادع أخلاقي يمنع هذا التداول؟"، تقول مغردة، فيما تسأل أخرى عن موقف السلطات اللبنانية وهيئات تنظيم البث الاعلامي.. 

وانتشرت تلك الدعوات عقب تبادل مقاطع صوتية لأحد اللبنانيين الذي انتحر في الجنوب، على خلفية الضائقة المعيشية. وبعد ذلك بيوم واحد، انتشرت أخبار عن عائلة آخر، أجرى اتصالاً بزوجته قبل انتحاره. ومثلهما، انتشرت صور لأطفال أثناء تعرضهم لحادث سير في البقاع. هذا المحتوى الخاص، دخل مجال التداول العام، وهي المعضلة الاساسية في النشر التي تنتهك حقوق من يتم التعاطي مع قضاياهم. 

ولم يقتصر نشر الصور على مواقع التواصل، فقد تحولت الى مادة اعلامية نشرتها وسائل الاعلام المحلية والفضائيات، ووردت في نشراتها الإخبارية وتقاريرها. اعتبر العديد من الإعلاميين والناشطين في مجال حقوق الانسان والخصوصية الرقمية، أنّ عملية نشر وتدوال الصور والمقاطع الخاصة بالضحايا يُشكّل انتهاكاً لخصوصية الضحية من جهة وإساءة لمشاعر ذويهم، في مقابل آخرين دافعوا عن الأمر، على اعتباره ليس تجاوزاً أو انتهاكاً وأنّه من الطبيعي نشر تفاصيل الحوادث ومتعلقاتها بهدف حشد رأي عام متعاطف، يظهر هول ما وصل اليه اللبنانيون جراء ممارسات السلطة الحاكمة. 

والواضح أن بعض وسائل الاعلام غاب عنها الكثير من أخلاقيات المهنة في ميادين مختلفة. مبدأ خصوصية الإنسان الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة في الإعلان العالمي لحقوق الانسان في باريس 1948، واضح، حيث جاء في المادة 12: "لا يجوز تعريض أي شخص للتدخل التعسفي في حياته الشخصية المُتمثلة بعائلته ومسكنه ومراسلاته، ولا يجوز تعريض أي أحد لحملات تمس شرفه وسمعته، لكل فرد الحق القانوني في الحماية من الاعتداء على خصوصيته أو التطفل في حياته". 

ومن جانب مهني آخر، تحدد شبكة "بي بي سي" في كتابها الذي أصدرته العام 2002 حول المصلحة العامة والإعلام والخصوصية (Svennevig, Morrison صفحة 2 ) الى حقوق الخصوصية وعدم التدخل في حياة الأفراد بإعتبار الأمر مخالفاً لأخلاقيات المهنة.

هذه المحددات المهنية والاخلاقية الاساسية، أمعن بعض وسائل الاعلام في اختراقها لجهة نشر الخصوصيات من دون أي مراعاة لمشاعر ذويهم، وإساءة التقدير حول أي ارتدادات النفسية قد تنتج عن النشر.

أبعد من ذلك، ذهب العديد من الوسائل الإعلامية الى الحكم المُسبق على الضحايا من دون انتظار نتائج التحقيق المتعلّقة بالحوادث الأخيرة، خلافاً للمبدأ القائل إن كل حالة لها حيثياتها وظروفها ولا يمكن التعميم والحكم المسبق. قد تكون هناك أبعاد نفسية أو أمراض عصبية تسبّبت بهذا الفعل. لكن في ظلّ الأزمات التي يمرّ بها لبنان اليوم، لا يمكن حصر الانتحار بالمرض النفسي أو العصبي.

المشكلة الأساسية تتمثل في مدى وعي وإلتزام المؤسسات الإعلامية وإعلامييها بأخلاقيات مهنتهم، وما تفرضه من الحفاظ على خصوصية الأفراد وأسرارهم والعمل بخلفيه مهنية وتحمّل المسؤولية الاجتماعية للصحافة ودورها في المجتمع.

بدلاً من ذلك، كان الاجدى أن تنشط وسائل الاعلام في تحمّل المسؤولية المجتمعية ولعب دور مؤثّر في تعزيز جهود منع الانتحار. هذا ما تفرضه أيضاً أخلاقيات المهنة، من خلال العمل على التوعية ونشر المعلومات حول الدعم النفسي وتعميم الأرقام الساخنة وتحفيز التواصل معها عند شعور أي شخص باليأس أو التفكير في التخلّص من الحياة. 

الحريّ بوسائل الإعلام أن تقوم بتسليط الضوء على عوامل الحماية التي تقلّل من مخاطر الانتحار مثل الأسباب المحتملة، التطورات الحديثة في العلاج، استراتيجيات المواجهة، كيفية تحديد الأفراد المعرضين لخطر الانتحار ووصف علامات التحذير التي تسبق السلوك الانتحاري.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها