الأحد 2023/03/05

آخر تحديث: 06:46 (بيروت)

"الصفقة".. مال وأعمال وريادة نسائية في كويت الثمانينيات

الأحد 2023/03/05
"الصفقة".. مال وأعمال وريادة نسائية في كويت الثمانينيات
يعالج المسلسل اختراق النساء في الكويت لسوق الأسهم في الثمانينيات
increase حجم الخط decrease
سعياً وراء استجلاب مشتركين جدد، تواصل "نتفليكس" إمداد طاولة عروضها التلفزيونية بمزيد من الإنتاجات الدولية غير الناطقة بالإنكليزية. أحد آخر هذه الإنتاجات مسلسل عربي بعنوان "الصفقة"، وهو أول عمل كويتي أصلي من إنتاج "نتفليكس". 

تدور أحداث المسلسل في ثمانينيات القرن الماضي في الكويت، من خلال قصة امرأتين تغزوان سوق الأسهم الكويتية عشية انهيار أسواق الأسهم العالمية عام 1987، والذي بدوره أدّى لاحقاً إلى إغراق البورصة الكويتية في فوضى عارمة. 

عند ذكر الأعمال السينمائية والتلفزيونية عن سوق الأسهم، يستدعي المرء أفلاماً مثل "وول ستريت: المال لا ينام" (1987، أوليفر ستون) أو "ذئب وول ستريت" (2013، مارتن سكورسيزي)، وقصصها المتفحصّة حول صعود وسقوط أبطالهما الرجال في البورصة.. لكن المسلسل الكويتي يأخذنا إلى عالم تداول الأوراق المالية عبر عيون امرأتين تشقان طريقهما خلال مجال يهيمن عليه الذكور. 

يستند العمل إلى أحداث حقيقية، ولا يعني هذا بالضرورة سرداً سيرياً لمسيرة امرأة بعينها، وإنما بالأحرى استلهامه عصب حكايته من مسارات مختلفة خاضتها النساء الكويتيات في سبيل اكتساب الاعتراف بقدرتهن وجدارتهن بالتواجد في نادٍ حصري للرجال مثل البورصة. 

مال وأعمال وريادة نسائية، موضوعات تبدو ملائمة تماماً لتدشين انطلاقة الشركة الأميركية في الكويت، ومن ورائه سوق الترفيه الخليجي ككل، الواعد والمنغلق في آن. تقول نادية أحمد، كاتبة المسلسل إلى جانب آدم سوبيل، إنها "نشأت في الكويت محاطة بنساء قويات رائدات في الصناعات، وخاصة في مجال التمويل. لقد طالبن بأن يُسمع صوتهن، وأردن تحقيق النجاح، ومن خلال اقتحامهن سوق العمل، فتحن مسارات جديدة للأجيال القادمة. "الصفقة" هو رسالة محبتي إليهن".

بذرة حكاية نسوية
نضالات الرائدات الكويتيات يجسّدها في المسلسل الثنائي فريدة (روان مهدي) ومنيرة (منى حسين). هما شابّتان عصريتيان وابنتا خالة بينهما تاريخ طويل من المنافسة الطفولية، لكن الأقدار الشخصية تضعهما في قلب تحوّلات عالمية عاصفة وديناميات اجتماعية متعسّفة. 
فريدة، التي تزوّجت صغيرة، صارت أخيراً أمّاً عزباء تحمل لقب مُطلّقة وتحتاج الآن إلى إعالة ابنتها (التي تدرس في مدرسة دولية مكلفة). أما منيرة، الأكثر استقلالية وانطلاقاً، ينكبّ تركيزها على إنجاح حياتها المهنية، حيث نلتقيها في بداية المسلسل باعتبارها المرأة الوحيدة العاملة بالبورصة.

ينجح المسلسل في تقديم بذرة حكاية نسوية (بالمعيار الخليجي)، لكن كما في كل عناصره تقريباً، ثمة شيء يغيب مقابل كل عنصر إيجابي يمكن الإشارة إليه. مثلاً، اختياره لبطلتيه مميّز في التقاطه شخصيتين مختلفتين كثيراً في الطباع والشخصية والتفاصيل، لكنه في الوقت ذاته يهمل جوانب تمكينية من شأنها إغناء حكايته والتأصيل لحكايتهما النضالية التي يُفترض بها اختصار نضال "كل" الرائدات الكويتيات. 

هما أبناء عائلات ميسورة الحال ومنفتحة (مرة أخرى، بالمعيار الخليجي)، ذلك أن والد فريدة يرأس تحرير جريدة ذائعة محلياً، وكما سنعرف من مقابلة أجرتها معهما إحدى الصحف الكويتية الرائجة، فقد ذهبتا إلى المدرسة معاً، حيث تعيد فريدة التذكير بتفوقها في مادة الرياضيات، في حين تتباهى منيرة الطموحة بقدرتها على التعافي من سجلها السابق السيء بعدما عملت في سوق الأسهم. في أحد المشاهد، تصفهما جدّتهما الثمانينية بأنهما "مثل حبة البازلاء وقشرتها". وبالفعل، في البورصة، يقومان بالعمل ذاته ولكن لـ/وبدوافع مختلفة.

بالمثل، يأتي اختراق الامرأتين لسوق الأوراق المالية امتداداً لتلك المنافسة الطفولية القديمة بينهما، على الرغم من محاولتهما في البداية اكتساب التقدير والجدارة لعملهما باستخدام تقنيات مختلفة. تستند القصة الخطّية والمتوقّعة على نجاحات فريدة ومنيرة في سوق الأسهم، لكن شخصية البطلتين مسطّحة جداً، ورسمهما يفتقر إلى العمق. 

قد تكون قصتهما مثيرة للاهتمام، لكنها في حد ذاتها لا تقدّم الكثير من المعلومات الجديدة، حتى لو نضجت فريدة بنهاية المسلسل من مطلّقة لا تشعر بالأمان إلى امرأة تدافع عن نفسها، مثلما رأينا سابقاً في قصص نجاح مشابهة لا تُحصى. الصراع في المسلسل يجب أن يدور حول كيف تشق المرأتان طريقهما الخاص بين رجال يزدرونهما، ولكن بدلاً من ذلك، تبالغ القصّة في إظهار المناكفات بينهما. وبسبب تلك التفاصيل "النافلة" يستغرق المسلسل، مثل كل أعمال "نتفليكس"، نصف وقته تقريباً حتى يصل إلى ما يريد قوله بالضبط.

لكن من ناحية أخرى، هناك تفاصيل صغيرة ذكية موضوعة للفت انتباه المشاهدين إلى صعوبة وضع المرأتين في عالم ذكوري (مثل عدم وجود مرحاض للسيدات في مبنى البورصة). ينجح السيناريو بالتأصيل لشخصيتيه الرئيسيتين بما يكفي للتورّط في ما تخوضانه والتعاطف مع محاولاتهما تجاوز المطبّات والعوائق والعراقيل التي يضعها الرجال أمامهما، سواء الأزواج أو الآباء أو الزملاء أو الرؤساء، فضلاً عن تعاملهما معها بلطف وذكاء وأحياناً بقليل من السخرية.

على النقيض من عقل فريدة الحاد ومهاراتها التحليلية الممتازة ولطفها المُحبّب، يبرز مظهر منيرة الجريء وصلابتها. لكن هذه الحيل في حد ذاتها غير كافية لأي منهما للمضي قدماً، وسريعاً ستدركان أنه لا يمكن لهما الترقّي والصعود (أو النجاة ربما) إلا بالتضامن النسائي والتعاون في مواجهة السياق الأبوي الذكوري المهيمن على سوق الأوراق المالية. لهذا، يجب دمج ذكاء فريدة مع صلابة منيرة وإصرارها. تعطي الأخيرة الأمر: "إما نحن أو هم".

تغيرات اجتماعية وجماليات
بعيداً من جماليات قصص أميرات ديزني التي يسبح المسلسل في مرئياتها، يقدّم الثنائي الإخراجي جاسم المهنا وكريم الشناوي التغيّرات الاجتماعية الواسعة النطاق التي مرّ بها البلد الخليجي الصغير في العقود الماضية من خلال أربعة أجيال من النساء المنتميات لعائلة عربية ممتدة. قديماً، لم يكن للجدّة رأي في الشؤون المالية للأسرة، لكن يمكن لحفيداتها الآن العمل والعيش بشكل مستقل، وحفيدة حفيدتها البالغة من العمر 12 عاماً تدرس في مدرسة النخبة البريطانية. 

باختصار، الرسالة واضحة: إظهار الطريق الوعرة التي سلكتها المرأة الكويتية أثناء تحوّل بلدها إلى ما صار إليه الآن. لذلك، عطفاً على بطء الأحداث ولغوها معظم الوقت، ما من شك أن نجاح المسلسل، في الكويت كما في العالم العربي المحيط، سيكون في المقام الأول بين النساء وأقل منه بين المشاهدين الذكور، معتمداً في ذلك بالأساس على بذرته النسوية التمكينية.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها