السبت 2023/03/04

آخر تحديث: 15:13 (بيروت)

"أقل من عادي"...والكاتبة يمّ مشهدي لا تنقذه من عنوانه!

السبت 2023/03/04
"أقل من عادي"...والكاتبة يمّ مشهدي لا تنقذه من عنوانه!
increase حجم الخط decrease
انتهى عرض المسلسل السوري اللبناني المشترك "أقل من عادي"، بهدوء، من دون أن تستطيع حلقاته الـ13 تحفيز المُشاهد لمتابعة تتمة الحكاية المقسومة في جزئين، لأسباب يتعلق بعضها بالتسويق، حيث يخلو العمل من نجوم الصف الأول، وهو التجربة الإخراجية التلفزيونية الأولى لنور أرناؤوط.

وليس في لائحة صنّاع المسلسل سوى اسم واحد مثير للاهتمام، هو اسم الكاتبة السورية، يم مشهدي، التي قدمت خلال مسيرتها نصوصاً درامية مازالت حاضرة في الذاكرة لدرجة أن عبارات وفيديوهات من مسلسلات كثيرة لها تنتشر في مواقع التواصل بما في ذلك "تخت شرقي" و"قلم حمرة"، رغم غيابها الطويل عن الشاشة، إذ اختفت الكاتبة البارعة من سوق الإنتاج الفني منذ أن قدمت "قلم حمرة" عقب اندلاع الثورة السورية، ولم تعد حتى العام 2019 في مسلسل "بروفا"، الذي كان مختلفاً تماماً عن كل ما قدمته سابقاً، فكان بعيداً تماماً من قضايا السوريين، كونه مسلسلاً رومانسياً كوميدياً لبنانياً - مصرياً، يحاكي متطلبات السوق، ولا يطرح أي قضية أو أفكار جيدة، ولم يلقَ صدى واسعاً.


مسلسلات مشهدي لطالما تميزت بالحوارات الرشيقة، القريبة من لغة الشارع السوري وتفكيره، لذلك تعيش حواراتها في أذهان الجمهور طويلاً، لكن في نصوصها لا توجد ملامح واضحة للحكاية العامة، فالدراما لديها تكمن في التفاصيل والمواقف الصغيرة التي تتعرض لها الشخصيات، وتنجح عادةً بسبب قدرتها على محاكاة حياة الشارع السوري بشعرية، ولأنها تمكنت من طرح قضايا مهمة في سياقات ممتعة. ففي مسلسل "تخت شرقي" طرحت أفكاراً نسوية وعلمانية، وفي مسلسل "قلم حمرة" كان الوعي السياسي الثوري حاضراً. لذلك كان من المثير متابعة أول مسلسل سوري لبناني مشترك تقدمه مشهدي.

تبدأ أحداث المسلسل مع سفر مايا (هيا مرعشلي) مع صديقتها فيّ (مي ابراهيم) من دمشق إلى بيروت، لتقيم في فندق والدها كريم (جهاد سعد)، رجل الأعمال المعروف والثري، الذي أهملها في السنوات السابقة. وسريعاً تكتشف مايا أن سبب دعوة والدها لها ليس بغاية تعويضها عن حنانه، وإنما لتوريطها في عقود وهمية لسداد ديونه وحماية نفسه من الإفلاس، لتبدأ الخلافات داخل الفندق بين مايا وزوجة أبيها سما (كارمن لبس) وأخوتها، وتدخل الفتاتان سريعاً في شبكة علاقات الحب والصداقة المعقدة أصلاً.

يعاني النص من مشاكل عديدة، أبرزها أن الحكاية لا مركزية، وأن قصة مايا ووالدها التي تستحق مساحة أكبر تتحول سريعاً إلى قصة هامشية بين حكايات متشابكة تتنافس على صدارة المشهد، لعل أبرزها وأكثرها تماسكاً هي حكاية  الثنائي فيّ وجواد (طيف إبراهيم)، فالممثلان يبدوان الأفضل في العمل والأقدر على حمل أدوار البطولة. لهذا يبرز انطباع فوري بأن قصة الحب التي تنشأ بينهما هي الأساسية، وأنها أعلى شأناً من حكاية مثلث الحب المعقدة، التي لها المساحة الأكبر بالعمل، والتي تجمع سالي (شيرين الحاج) وفارس (ملهم بشر) وعمر (إيلي متري)، لأن ممثلي هذا الخط أضعف، وأداؤهم يجعل الحكاية تبدو أكثر ركاكة وأقل متعة.

وفي العموم، فإن التركيز على قصص الحب جعل المسلسل باهتاً وسطحياً. إضافةً إلى أن النص يعاني كثرة الخطوط الدرامية الدخيلة، التي يبدو أنها أُقحمت ليتناسب العمل مع متطلبات السوق، كجرائم القتل وتجارة المخدرات وقصص المافيات الدارجة في الدراما المشتركة، والتي تم ربطها بشخصيات العمل بشكل غير مقنع إطلاقاً. فلا يمكن على سبيل المثال فهم علاقة كريم بتجار الآثار، ربما لأن الحكاية مبتورة وتقدم تداعيات قصص سابقة وغير واضحة. وأسوأ ما في المسلسل هو إضافة فقرات غنائية لا داعي لها، وليست سوى تضييع للوقت، حيث تقوم الممثلة مروى الأطرش التي تؤدي شخصية "عايدة" في العمل، بتأدية تلك الأغاني في فقرات أشبه بالفيديو كليب القصير داخل العمل الذي يفترض أن يكون مسلسلاً درامياً قصيراً تتكثف فيه الأحداث. والأسوأ أن الصوت الذي يؤدي الأغاني ليس صوتها بل هي تقوم فقط بتمثيل الغناء الذي تؤديه سارة درويش!

إلا أن ما يميز العمل والنص بشكل عام، بالإضافة إلى بعض الحوارات الشعرية التي تصلح لمشاركتها في مواقع التواصل الاجتماعي، هو أن النص لا يحاول تجميل العلاقة بين الشعب السوري واللبناني، وإنما يظهر ذلك التوتر الموجود بين البلدين والعنصرية التي لا يمكن إنكارها، إضافة إلى أن الشخصيات السورية في العمل لها مشاكل حقيقة في لبنان كمشاكل الإقامة وتأمين فرص العمل، ولا تبدو شخصيات من عالم آخر، كما ترسمها عادةً المسلسلات السورية اللبنانية، التي تصور السوريين في لبنان ضمن طبقات "الذوات" وأصحاب النفوذ والثروات الهائلة.

وينتهي العمل مع حريق مدمر في الفندق، وتستطيع الشخصيات كلها النجاة منه، عدا فيّ، التي يخاطر جواد بحياته لإنقاذها، في مشهد درامي مثير لكنه مصوَّر بشكل سيء. وربما كان الأفضل أن يُعرض هذا المشهد باكراً، وأن يعتمد النص على خطوط زمنية متداخلة، ما قد يخفف من حدة الملل ويقلص مشاهد الحشو، ليعرض العمل في جزء واحد بدلاً من جزئين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها