الخميس 2023/03/30

آخر تحديث: 16:29 (بيروت)

"الزند": روعة النصّ بطلاً مُطلَقاً...رغم التباس "المقاوِم" والبيئة العلوية

الخميس 2023/03/30
"الزند": روعة النصّ بطلاً مُطلَقاً...رغم التباس "المقاوِم" والبيئة العلوية
تيم حسن ما زال "فتوّة" لكنه بطل بين أبطال يتممون سيادة النص
increase حجم الخط decrease
خروج الممثل السوري تيم حسن من شخصية "جبل شيخ الجبل" في "الهيبة"، لا ينفي سكنه في شخصية تتمتع بمزايا التجربة السابقة، لجهة "الفتوّة" ومسار بناء القيادة، في مسلسل "الزند"، رغم مفارقة اساسية بين العملين، وهي أن "الزند" لم يُفصّل على قياس تيم حسن. هو بطل في العمل، الى جانب آخرين، من شخصيات رئيسية وثانوية. البطولة هنا للقصة وحدها، أما الممثلون فهم متمّمون لها.


ثلاث حبكات درامية تشكل الخطوط الرئيسية في العمل الدرامي المتقن والمبهر على حدّ سواء. أولاً، التحول السياسي في أواخر حقبة الاحتلال العثماني لسوريا، وصراعات رجالات السلطة العثمانية من دون الانزلاق الى تفاصيل الصراع في السلطنة إثر صعود نفوذ "حزب الاتحاد والترقّي" في داخل الجسم المريض آنذاك. 

وبموازاة هذا الخط، يبرز ثانياً، التحوّل الاجتماعي مع صعود النظام المقاطعجي الذي دفع إلى حركات تحرر فردية على صعيد الفلاحين، وثالثاً الحركات السياسية الأخرى في داخل الإدارة العثمانية. وهما خطان متمّمان للخط الأول، تخترقهما خطوط درامية أقل تأثيراً، مثل العلاقات الغرامية وإرث الماضي والاحقاد والثارات والتحرش والصراع الطبقي، يقدمها العمل على عُقد متراكمة، سرعان ما تُحل حلقة تلو أخرى. 

وليس إبراز تلك التحولات جديداً على الدراما السورية التي عالجت الكثير منها في "خان الحرير" و"أخوة التراب" و"الثريا" وغيرها الكثير.. لكن الكاتب عمر أبو سعدة، استطاع جمعها في عمل واحد، وأخرجها في أربع بيئات اجتماعية لعب كل منها دور في التحولات الثلاثة.

ثمة طبقة الفلاحين المقهورة التي تناضل للحفاظ على مصدر عيشها، وطبقة الباشاوات التي تستفيد من النفوذ والسلطة لشراء الذمم ومصادرة أملاك الفلاحين وتضخيم تجاراتها وثرواتها، وطبقة المثقفين التي تناضل للاصلاح والتحرر، فضلاً عن البدو والغجر (النَوَر) الذين ظهروا تجار سلاح، ومقاتلين مرتزقة، وهو أمر سيثير الجدل حكماً. 

لكل من البيئات الأربع، ثقافتها الخاصة، ودورها الاجتماعي والميداني. تظهيرها بشكل متساوٍ ضمن ثماني حلقات من العمل في العرض الرمضاني حتى الآن، منع حسم البطولة لشخص واحد، رغم محورية دور "عاصي الزند" (تيم حسن) وتقاطعها العلائقي مع الجميع. 

غير أن تلك المزايا، لم تمنع الجدل حول مسلسلٍ لم يسلم من الاتهامات بتناوُل البيئة العلوية، على خلفية اللهجة الساحلية التي يتحدثها الممثلون، وهي فرضية يحاول المسلسل نفيها على الدوام، من خلال ربط جغرافيا العمل بحمص التي تتسم بالتنوع الطائفي والثقافي، والسعي لإثبات تنوع بيئات حوض العاصي الذي يمتد من القصير عند الحدود اللبنانية السورية، الى شمال غربي سوريا ويصب في الأراضي التركية.

الجدل نفسه، ينسحب على عناصر أخرى، بينها حجم الإنتاج الضخم الذي يتيح تصوير معارك تتفوق فيها المؤثرات الصوتية على متمماتها البصرية، لكنها غير ذات تأثير كبير، إذا ما قورنت بأبعاد نجاح أخرى، مثل الابتعاد عن تصوير "الكلوز" للنساء، تكريساً لإضفاء طابع الجمال الريفي عليهن، باستثناء دانا مارديني التي لم تظهر حتى الحلقة السابقة الا بملامح شجن، فضلاً عن الانتقال السلس بين مواقع التصوير الرئيسية.. 


وبين كل تلك التفاصيل، لعب الممثل أنس طيارة (نورس باشا) أفضل أدواره، وأظهر العمل قدراته بشكل مذهل: ايماءاته، حركة عينيه، حركة جسده، تفاعله مع النص والواقعة والحدث.. وهو أمر يُحسب للمخرج سامر برقاوي في إظهار قدرات الممثلين. 


كل الجماليات تلك، والرشاقة في الانتقال بين المَشاهد، لا تنفي ثغرة أساسية في النص، وهي نقل البطل من مصاف "المقاوم"، الى "قاطع طريق". لطالما عانت قصص بعض أبطال حقبات اساسية من تاريخ لبنان، هذا التنميط غير المبرر. يُعدّ هذا الانزلاق سقوطاً كبيراً في حبكة يفترض أن تراعي هذه الصورة للمناضلين، مع أنه يروي عملية التحول الطبيعي في التاريخَين اللبناني والسوري من مقاوم في سبيل قضايا غير متصلة بالتحرر، الى مُلاحَق، ثم ناجٍ وبطل قومي، ولنا في تاريخ سلطان باشا الاطرش في سوريا، وأدهم خنجر في لبنان، مثالان بارزان.

هذا السقوط، في حال عدم تصويبه، من شأنه أن يبدل في صورة مناضلي تلك الحقبة وحقبات تحررية أخرى، وكان المسلسل في غنى عنها، بوصفها تهشيماً لذاكرة لطالما تجنبتها المسلسلات السورية السابقة، منعاً للالتباس. 

حتى الآن، ما زال "الزند" في مقدمة الأعمال الدرامية التي تُعرض في موسم رمضان، ولا ينافسه على موقعه إلا "ابتسم أيها الجنرال" الذي لعله يقدم، في القراءة السياسية لأبعاده، السردية المناقضة لما يريد "الزند" تثبيته في هذه اللحظة السياسية المفصلية في سوريا. وللحديث السياسي حول العملَين، تتمة. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها