الأربعاء 2023/03/29

آخر تحديث: 21:18 (بيروت)

النائبة سينتيا زرازير في مواجهة التنميطات الجنسية

الأربعاء 2023/03/29
النائبة سينتيا زرازير في مواجهة التنميطات الجنسية
increase حجم الخط decrease
ليس هذا المقال دفاعاً عن أي امرأة وما تمثل، وانما هو دعم لكل امرأة، بغض النظر عما تمثله، بوجه التنميطات الذكوريّة التي لا تنفك تحصرها في "الأخلاق"، والأخلاق هنا هي سلّم القيم الذي يرتبه الرجل على مقاس مصالحه، وخدمة لصورته "الأبوية" التي تعتاش في العادة على إضعاف المرأة. والدفاع في هذه الحالة  قضية واجبة لا عودة عنها.

ليس أمراً عابراً أن تتهم النائبة سينتيا زرازير بأنها نائبة الـ"بلاي بوي"، وانما يشكل هذا التنميط نموذجاً يعكس الثقافة المجتمعية التي ترتد على مواقف المرأة من طريق العبث بـ"شرفها المقدس" الذي يحدد ما اذا كان تستحق الاحترام أم لا. 

ففي مقابل ذلك، نادراً ما يتم تقييم الرجل العامل في الشأن العام على أسس حياتية الشخصية، ذلك ان الانتقاد غالباً ما يكون محصوراً في مواقفه. والموقف يُرَد بالموقف أو بالنقد أو بالمجابهة السياسية، أما بالنسبة للمرأة فالموقف يرد عليه باستشراف رواية شخصية تصطحب من الجسد محوراً رئيسيّة في الصراع. 

ما زالت المرأة تعاني التمييز في شتى المجالات الحياتية في لبنان، غير أنّها حين تتبوّأ منصباً سياسياً عاماً تغدو أكثر عرضة للرقابة الدقيقة الأشبه بالفحص الشامل، والاتهام الاعتباطي، والهجوم النافر. وعكست المساحة التي وفرتها وسائل التواصل الاجتماعي للتعبير، مدى عمق الفجوة الجندرية في ما يتعلق بالقضايا السياسية والمرأة تحديداً، ومهدت للتراشق الاعتباطي الذي لم يعد محصوراً في النقاشات الضيقة. 

هذا التعليب الممنهج يقوم على استغلال التقاليد المجتمعية ليقدم مفهوماً جديداً حول "الشرف السياسي المؤدلج". ويمكن لهذا الخطاب على بساطته المقصودة أن يتناسب مع "خطاب الكراهية"، و"العنف اللفظي"، و"الابتزاز"، و"الاستغلال الجنسي"، وأن يصل الى حد تحول مسألة "الشرف" إلى سلاح الذئب في الانقضاض على فريسته.

وإذا نظرنا الى حال المرأة في المواقع السياسية في لبنان، والأمثلة كثيرة على رغم عدم تجاوز عدد النساء في البرلمان الحالي الـ 6% من المقاعد، لوجدنا أن أفعالها تواجه بالتنميط القائم على شخصيتها، وحضورها، وشكلها، بصرف النظر عن أدائها في منصبها وخطابها ومعرفتها. 

ويمكن أن نفهم هذا الخطاب "الاستقوائي" بالعودة الى الثقافة المجتمعية التي تأسست على أدوار اجتماعية ربطت الرجل بالحقل السياسي، فيما موضعت المرأة في أدوار متعلقة بالأمومة والعمل المنزلي وعلاقتها بالآخر الذي يحدد مكانتها الاجتماعية بحسب مكانته الخاصة، والآخر في هذه الحالة هو "الرجل" المتبوع. 

وإذا وضعنا كلمة الجسد أو الجنس تحت المجهر، لوجدنا أن هذه الكلمة تتقاطع مع سمات أخرى مرتبطة بالقوة والقدرة والثقة. فالمقصود بتصنيف المرأة على أساس جنسي، هو التأكيد على تبعيتها، وعدم كفاءتها، وفقدانها للقدرة على السيطرة والمجابهة، على عكس الرجل الذي ارتبط دوره الجندري "المتضخم" بالقيادة، والمسؤولية، والاستقلالية. فالمجتمع يقبل أن تكون المرأة ناشطة في العمل الاجتماعي لكنه لا يتوقع منها أن تدير شؤون بلاد بأكملها. بمعنى آخر، الرجل يقرر والمرأة تنفذ، الرجل يهتم بالاستراتيجيا والمرأة تنشغل بالتفاصيل الجانبية، الرجل يحدد الأولويات والمرأة تنفقاد بحسب رغبات الأول.

والحال إن المرأة، في منصب "القوة"، عادة ما تحتاج للاعتذار، وتبرير المواقف، ومضاعفة جهدها لكي تثبت أنها جديرة. فتعريف قيمة المرأة لا يقوم على خلفيتها المعرفية، وانما بالعودة الى موقعها العائلي وصورتها في عين الرجل الذي يتحكم بهذا "الشرف" – فيرميه في وجهها متى أراد من أجل اثبات أحقية موقفه، بهذه السهولة يحصل على مبتغاه.

وهذا التنميط يهيء، بصورة غير مباشرة، لتنميطات أخرى، كعدم كفاءة المرأة للعمل في المجال السياسي، فلا تغدو "غير قادرة" فحسب وانما غير مهتمة بالأساس، وهذا الاتهام المضاعف يعمد الى تشويه امكانيتها لتظهر أنها متراخية، ومهملة، ومتنازلة عن دورها في العناية بالصالح العام.

ليست التنميطات ضد المرأة العاملة في المجال السياسي حكراً على مجتمعاتنا، فلطالما ساد الابتذال في استغلال المرأة – الأم أيضاً في شحذ الأصوات الانتخابيّة. وأن "الأم - الأمان"، "الأم النادلة"، و"أم كرة القدم" مصطلحات سادت في الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة للفت النظر إلى الضغط السياسي الذي يمكن للنساء أن يتحملنه إذا ما توحدن. لكن لا جدوى من "الوحدة" إذا ما ارتبط حصراً بدورها العفوي كأمّ. فالمرأة لا تتحد مع قريناتها إلا في المجال المنزلي لتنطلق منه الى العام. فلكي تكون عضواً طبيعياً في المجتمع، عليها أن تركز على أدوارها الفضيلة، كي يصير لحراكها السياسي معنى فعلي. ذلك ان الاستغلال المقنّع لتنميطات مختلفة، هو واحد، غير أنّ المرأة إذا لم تكن أمّاً، تغدو أكثر عرضة لتشويه السمعة، كما في الحالة اللبنانيّة.

ويرى أبناء المجتمع في المرأة حاملة لصفات "الأنوثة"، عطوفة وضعيفة وخائفة، فيما يرى المرأة القوية شبيهةً "بالرجل" أو مستنسخة عنه، لأنّه لا مصدر للقوة بالنسبة اليه سواه، وعليه تصبح هذه المرأة "مسترجلة"، "فاقدة للاحساس"، "و"عديمة الشفقة" لتفقد قوتها الفعلية وتبدو اجراءاتها "المنطقية" بحسب سياسة بلادها قائمة على رد فعل عاطفي مفاده "انعدام الرأفة". 

وفي هذا الصدد، يمكننا أن نتذكر المستشارة الالمانية أنجيلا ميركل التي نُعتت بهذه الصفات بعد القيام بإجراءات التقشف في اليونان، وتضاعفت هذه الصفات إثر مقابلة لم تُبدِ فيها تعاطفاً مع لاجئة سورية تحلم بالتعلم في الجامعة. وإن كانت بديهية المحاججة في حقوق اللاجئين، لكن الجدال لم يكن فعلياً حول الحقوق هذه. ولا يمكن الجزم بأي طريقة أن هذه الاتهامات لاحقاً أثرت في سياسة ميركل التي فتحت أبواب بلادها لملايين اللاجئين لاحقاً.

هذا كله لا ينكر وجود المرأة في مناصب حكومية وقيادية عالية، لكنه أيضاً يفضح التحديات التي تواجهها من أجل القيام بعملها. فإذا كان بوريس جونسون "مهرجاً خفيف الظل"، وديفيد كاميرون "محظوظاً"، وترامب "أنانياً"، وسياسيينا الرجال سارقين وغير ساهرين الا على مصالحهم، فان المرأة اللبنانية في المجال العام، سواء في مواقع سياسية أو إدارية، هي "عجوز"، "راعية للشذوذ"، "غير محتشمة"، ونائبة "البلاي بوي"، و"أبصر مين وصلها". 

وإذا كانت المرأة قد تبوأت مناصب قيادية في الحياة العملية، فان الجهد مضاعف من أجل اقناع المجتمع بأنّها قادرة على فهم الاقتصاد، والسياسة الدفاعية، والديبلوماسية الخارجية. ويمكن لهذا أن يحصل من خلال التركيز على كيفية تقديم نفسها الى المجتمع، ما يمهد الى اعادة جندرة القضايا السياسية، بالاعتمادة على الحيادية الجندريّة في التعاطي مع قضايا الشأن العام.

يمكن للمرأة أن ترفض، في العمل السياسي، المشاركة في إحدى الجلسات، غير أنّه يجب على الممتعضين الاستناد الى أسباب الرفض من دون الغوص في اتهامات "الشرف" المبتذلة. فالغضب أيضاً يحتاج الى بعض من الحكمة وإلا غدا دليلاً على انعدام الرشد. المرأة لا تحتاج الى التمكين، فهي قادرة. المرأة تحتاج الى التحرر من قيود الذكورية لكي تحرر قدراتها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها