الإثنين 2023/03/20

آخر تحديث: 11:29 (بيروت)

سوبر ماما

الإثنين 2023/03/20
سوبر ماما
(غيتي)
increase حجم الخط decrease
السوبر ماما.. الأم التي تحاول الإحاطة بالمجد من أطرافه كافة، بين عمل خارج المنزل والعمل داخله، وتربية للأطفال والإبتكار المستمرّ لكلّ جديد، ناهيك عن الصورة الإجتماعية المثالية التي تحرص غالبية الأمّهات على إظهارها للآخرين.

قُبيل عالم التواصل الإجتماعي، كان مفهوم الأمومة، أو قصائد عيد الأم التي حفظناها على مقاعد الدراسة، تتمحور حول مفهوم العطاء اللامتناهي. أي على الأم أن تبذل كل ما في وسعها وتضحي بحياتها وكيانها وأن تكون معطاءة في الحب، والإهتمام، والتربية، وحتى في العديد من الحالات تكون معطاءة بتحملها العنف من أجل عطائها اللا محدود في تربية أطفالها.

ومع ظهور وسائل التواصل الإجتماعي، تكاثرت المصطلحات المحيطة الأمومة، من "السوبر ماما"، إلى "الأمّ المثالية"، و"الأم السعيدة"، ثلاث مصطلحات تغزو العالم الإفتراضي، والحسابات المخصصة لعالم الأمومة.

ثمة نقطة مهمّة يجب على كلّ أمّ بشكل خاص، وعلى كلّ متصفح لوسائل التواصل بشكل عام أن يعرفها. إنها صورة يبثها أحدهم/إحداهن. لكن الزاوية، كما في أي صرة، دائماً منتقاة، يُسلط عليها الضوء دون سواها، ولا أحد يعرف ما خلف هذه الصورة بالكامل، الصورة الكاملة محض خيال.

فالمثالية مصطلح حارق للنفس ومُحرِق للغَير. مصطلح يسبّب عقدة دائمة، شعور بالذنب في حال "التقاعس" عن المراتب العليا التي ترسمها الأمهات، ويسبب قلقاً في حال الوصول للقمّة، وأرقاً دائماً لإيجاد السبل للمحافظة عليها. والسعي اللاهث خلف التماهي مع النماذج كلها، سينتج أمّهات يعانين الهشاشة الداخلية، الاستماتة على وسام الشرف في المسابقة المضنية، والطامّة الكبرى أنّ الشخصية هذه ستسعى إلى كلّ شيء بالطريقة نفسها. المنافسة شرسة!

من المُحال أن نكون، كأمهات، متفوقات في كل شيء. البحث عن التفوق يخضعنا لجَلد الذات عبر السعي الحثيث لإصطناع نُسخة تتضمن كل ما يُسلّط عليه الضوء في عالم الأمومة المُبالغ في تشريحه الآن في الشبكات الاجتماعية. وكي لا تكون أمومتنا مصطنعة، محددة الأهداف مسبقاً، والخرج من تحت ضغط لفت الأنظار.. فنحن بحاجة إلى خطة مدروسة هادئة وأولويات مرتبة.

رئيسة وزراء نيوزيلندا السابقة، جاسيندا أرديرن، مثال. هي التي قررت الإستقالة من منصبها، وعبّرت في مؤتمرات صحافية كم أنها تتطلع لقضاء وقت أطول مع العائلة ولبقائها إلى جانب طفلتها حين تلتحق بالمدرسة في وقت لاحق. كانت رسالتها للنساء في مناصب قيادية، والفتيات اللواتي يفكرن في خوض التجربة، هي التالي: "بإمكانكن شغل مناصب قيادية إلى جانب العائلة. وبإمكانكن القيادة بأسلوبكن الخاص". كانت أرديرن تولي عائلتها أولوية، وظهرت في مواقف سياسية برفقة إبنتها. وإن جاء بعض ردود الأفعال على استقالتها، بأنها لم تستطع المؤامة بين مهامها، تثبيتاً لنظرية "المرأة لا يمكن أن تتحمل ضغوطاً كبيرة، وللرجل القدرة الكبرى في تحمل الضغوط"... فهي ببساطة اختارت راحتها أولاً، وعائلتها ثانياً.

لستُ "سوبر ماما"، ولا سوبر أي شيء آخر. المرأة الخارقة في الأفلام فقط. ولستُ قادرة على تحمل كل القوة والطاقة في توصيفات، بل أحتاج أن أملأ خزان الوقود بكمّ كبير من الراحة الحقيقة. وهذه الراحة تحجبها الأمهات أنفسهن! ففي نظر كُثر، على الأمهات أن ينهين حياتهن بالتزامن مع لحظة الأمومة، على مبدأ العطاء اللامتناهي الذي يحبسهن العالم في إطاره!

وفي عالم الأمومة الذي دخلته، أدركت أن المجتمع يُحب "تأطير وعنونة الأشياء، بين الجمالية والمبالغة والتأنيب"، وعلينا كأمهات أن نعيش هذا كله في يومياتنا. أتمنى أن يأتي اليوم الذي تتخلى فيه الأمهات عن هذه المصطلحات، ليكتفين بلقب الإنسان. لقب فيه الحملة الكافية من المشاعر. وأن تكون الأمومة مسيرة هادئة، تُرسَم على وقع اكتشاف الطفل. وأن يكون موضوع التربية والعطاء اللامتناهي، والجبل الذي تحمله الأم فوق كتفيها منذ لحظة حَملها، قابلاً للهدم برقصة جنونية مع أطفالها. وأن تتخلى الأمهات عن فكرة "مديرة المدرسة في المنزل". ويتوقف العالم عن سؤال الأمهات: "كيف عم تلحقوا بين العمل والبيت التربية وغيرها في الأمور؟".. فنحن لسنا خارقات، ولا نريد أن نكون!
 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها