الخميس 2023/02/09

آخر تحديث: 13:09 (بيروت)

أسماء وبشار خارج مشهد الزلزال: الدعاية المضادة!

الخميس 2023/02/09
أسماء وبشار خارج مشهد الزلزال: الدعاية المضادة!
increase حجم الخط decrease
يبدو الاختفاء شبه كامل للرئيس السوري بشار الأسد وزوجته أسماء الأسد عن المشهد العام بعد الزلزال المدمر الذي ضرب شمال تركيا وجنوب سوريا، وتخطت حصيلة ضحاياه حتى اللحظة 15 ألف قتيل في البلدين. وذلك على عكس السنوات الماضية، عندما دأب الثنائي الذي يحكم سوريا بقبضة حديدية، على استغلال أي حدث، مهما كان صغيراً، من أجل تقديم دعاية لا تلمع صورتهما فقط، بل تقدمهما في أدوار مختلفة ضمن المجتمع السوري حتى خلال الأزمات الطبيعية كحرائق الغابات التي ضربت الساحل السوري العام 2020.

ولم يظهر بشار سوى في الساعات الأولى للزلزال بشكل صورة له خلال اجتماع "طارئ" مع مجلس الوزراء، قبل أن يختفي عن المشهد إلا في أخبار سريعة تتحدث عنه وهو يتلقى برقيات التضامن والاتصالات الهاتفية من رؤساء وقادة حلفاء له أو لا يمانعون التطبيع مع نظامه. أما أسماء فلم يكن لها حضور نهائياً رغم سيطرتها على المنظمات الإنسانية في البلاد عبر منظمة "الأمانة السورية للتنمية"، وجمعية "العرين" التي باتت تقوم بما كان يقوم به رجل الأعمال رامي مخلوف، قبل تجريده من امتيازاته تدريجياً في الأعوام الثلاثة الماضية، كصراف للنظام وخازن لأمواله.

وضمن هذا الجو كان يمكن تخيل بشار وأسماء وهما يزوران مدينة اللاذقية المنكوبة أو جارتها جبلة وغيرها من بلدات الساحل السوري المتضررة، من ناحية طائفية ضيقة، وكان بالإمكان أيضاً تخيل الأسد متجهاً إلى حلب أو حماة من أجل تقديم درس في الصمود خلال الكوارث الطبيعية مثل "الصمود ضد الإرهاب". لكن ذلك لم يحصل، تماماً مثلما لم يعلن حالة الطوارئ في البلاد، أو حالة بلاد منكوبة رسمياً، أو يوم حداد وطنياً على أرواح الضحايا، أو غير ذلك من بديهيات التصرفات التي يقوم بها رجل في رأس السلطة، مثله.

لكن الأسد المسؤول عن فظائع مروعة طوال 12 عاماً من أجل قمع الثورة الشعبية ضده، مازال يرغب في تأديب من تبقى من السوريين والانتقام منهم على تطاولهم عليه، ولم يكن غريباً وجود نظريات، خصوصاً من رجال دين موالين للسلطة، تتحدث عن أن البلاء، في وصف الزلزال، كان إلهياً بسبب خروج الناس عن طاعة ولي الأمر، أي الرئيس الأسد.

لكن المسألة لا تتعلق بجانب عاطفي/نفسي لدى الأسد الذي حوّل سوريا بعد تدميرها إلى مقر لتجارة الكبتاغون بشكل يثير قلقاً إقليمياً وعالمياً، بل له علاقة مباشرة بالسياسة أيضاً، لأن النظام وجد في الزلزال فرصة سانحة من أجل تعويم نفسه عبر بوابة المساعدات الدولية، ودشن حملة إعلامية بأوامر رسمية تطالب برفع العقوبات المفروضة عليه بسبب انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبها بعد العام 2011. وركز النظام بالتالي دبلوماسياً وإعلامياً على العقوبات كسبب للمأساة الإنسانية في البلاد، وحاول حشد أصوات مؤثرين وفنانين ومشاهير محليين وعرب بهذا الصدد لخلق حالة عامة من التعاطف الشعبي مع النظام بوصفه يمثل سوريا ككل.

والحال أن النظام يحاول التمسك بحقه في "السيادة الوطنية" وهي الكلمة التي مازال يرددها منذ عقود لتبرير فرضه عزلة إجبارية للبلاد عن العالم، ثقافياً وسياسياً. ويعني إعلان حالة الطوارئ أو القول أن مدينة ما باتت منكوبة، بشكل رسمي، إلى تفعيل قوانين دولية مختلفة تسمح لجميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بإدخال مساعداتها إلى البلاد للوصول إلى الضحايا من دون حتى تنسيق مع الدولة نفسها التي تعترف بعجزها رسمياً، ما يعني فقدان السيطرة على الحدود التي قاتل النظام لسنوات من أجل الوصول إليها وضمها إلى مناطق سيطرته، خصوصاً في الجنوب السوري.

وتنص مبادئ وقواعد "الصليب الأحمر" و"الهلال الأحمر" بشكل صريح على أنه لا يتم تقديم المساعدات إلا بموافقة وطلب من جمعيات "الصليب الأحمر" و"الهلال الأحمر" المحلية في البلد المتضرر من الكارثة. ويقول بند آخر أنه إذا كانت الجمعية المحلية لم تلتمس المساعدة الإنسانية الدولية، "لكنها تقبل هذه المساعدة"، فيجب عليها التنسيق مع الاتحادات الدولية في هذا الصدد. والنظام السوري هنا لم يلتمس المساعدة الإنسانية رسمياً ولا يقبل حتى تلك المساعدة بدليل السخرية الرسمية من قبل مسؤولين وإعلاميين على حد سواء، من العروض الأوروبية التي قدمتها رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي غردت في "تويتر" عن تضامنها مع تركيا وسوريا واستعداد المفوضية لمواصلة تقديم المساعدات بأي طريقة ممكنة.

ويعطي تصريح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، للصحافيين هذا الأسبوع، انطباعاً مماثلاً بأن الدول الغربية عرضت تقديم مساعدات للسوريين لكن دمشق اعترضت وطالبت بأن تمر المساعدات كاملة عبرها، بما في ذلك المساعدات المتوجهة إلى المناطق الخارجة عن سيطرتها، بشكل مشابه لما جرى طوال الأعوام الـ12 الماضية.

وأكدت واشنطن أنها تساعد الشعب السوري بعد الزلزال لكن ليس بتعاون مع دمشق. وقال بلينكن: "نحن مصممون على تقديم هذه المساعدة من أجل مساعدة الشعب السوري على تجاوز المحنة"، مشدداً على أن "الأموال ستذهب بالطبع إلى الشعب السوري وليس إلى النظام" في دمشق، علماً أن رئيس عمليات "الوكالة الأميركية للمساعدات والتنمية" ستيفن ألن، صرح في أنقرة: "كل جهودنا الإنسانية موجهة الآن نحو شمال غرب سوريا"، مضيفاً أن المساعدات الأميركية تتألف من دعم لفرق الإنقاذ وتوفير المأوى والطعام. لكنه رفض تحديد هؤلاء الشركاء من المنظمات غير الحكومية لأسباب أمنية.

لا يمكن لذلك أن يتم طبعاً، من وجهة نظر النظام، إلا بإخلاء البلاد من الناشطين الإنسانيين وحصر نشاط الجمعيات غير الحكومية في "الأمانة السورية للتنمية"، وهو ما تدل عليه حالة الإعلامية الموالية ماغي خزام التي كانت تشرف على جمعية "المملكة السورية" الناشطة في مجال المساعدات الإنسانية والتبشير بالدين المسيحي، قبل الانقلاب الرسمي عليها العام 2020 بتوجيهات من أسماء الأسد. علماً أن النظام منذ انتصاره في معركة حلب العام 2016، مارس سياسة هدفها حرف النقاش الإنساني في سوريا عن مساره، وعمق بالتالي الأزمة المعيشية والخدمية في البلاد، عمداً، من أجل دعوة المنظمات الدولية والسورية كي تعاود عملها في الداخل السوري، ولم يعط ذلك شرعية للنظام فقط بل أعطاه أيضاً موارد مالية ضرورية بدليل التقارير الحقوقية التي وثقت سرقة التبرعات التي يذهب قسم كبير منها إلى شركات مملوكة لأفراد يعتبرون من منتهكي حقوق الإنسان في سوريا!

في ضوء ذلك يصبح غياب بشار وأسماء عن المشهد العام مفهوماً من وجهة النظر الرسمية، وليس مفاجئاً تماماً. فالثنائي الذي تتراوح ثروته بين مليار وملياري دولار أميركي بحسب تقديرات وزارة الخارجية الأميركية العام 2022، مشغول بعمليات البوتوكس وشراء أحذية "كريستيان لوبوتان" الفاخرة وإعداد أبنائهما لقيادة سوريا في المستقبل، وموت آلاف من الأشخاص بأثر من الزلزال "أمر بسيط" بعد مقتل مئات الآلاف من السوريين على أيديهما خلال سنوات الحرب، وتدمير بلدة هنا أو هناك، لن يشكل أذى بصرياً للجغرافيا السورية بل سيندمج مع مئات البلدات التي سويت بالأرض بقصف الجيش السوري وحلفائه. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها