الثلاثاء 2023/02/07

آخر تحديث: 13:10 (بيروت)

الأسد يستثمر المأساة: الزلزال فرصة لكسر العقوبات وفك العزلة

الثلاثاء 2023/02/07
الأسد يستثمر المأساة: الزلزال فرصة لكسر العقوبات وفك العزلة
من مشاهد الزلزال في شمال سوريا (غيتي)
increase حجم الخط decrease
يبكي فنانو سوريا بعد الزلزال الذي ضرب البلاد، ويتحسرون على الكارثة الإنسانية التي "طرأت" على البلاد. يذرفون دموعاً لا يصدقها أحد، حتى لو كانوا ممثلين بارعين في عملهم منذ عقود. كيف يمكن التصديق بأنهم باتوا بشراً بمشاعر حقيقية بعد 12 عاماً لم يكتفوا خلالها بالشماتة والفرح بموت آلاف من السوريين الذين يبكونهم اليوم، بل دعوا إلى إبادتهم بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

وسواء كان الأمر في "تويتر" و"أنستغرام" أو عبر لقاءات تلفزيونية، بما في ذلك لقاء مع الإعلامية اللبنانية المقربة من نظام الأسد رابعة الزيات، كان الممثلون والفنانون ينفذون الأوامر التي تم توجيهها إلى الجميع، منذ صباح الاثنين، بما في ذلك الإعلام الرسمي طبعاً، والتي لم تكن خفية بقدر ما تم التصريح عنها أو التلميح لها في منشورات لعاملين في وزارة الإعلام السورية. والهدف هو ذرف دموع التماسيح من أجل خلق ضغط ينادي بفك الحصار عن النظام ورفع العقوبات عنه وطلب المساعدات الدولية التي توجه إلى منظمة "الأمانة السورية للتنمية" التابعة لأسماء الأسد، زوجة الرئيس السوري بشار الأسد.


إنه استثمار في المأساة يذكر بأن السياسة في البلاد ليست أكثر من فن قذر، على غرار ما قام به النظام العام 2005 لفك العزلة الدولية عنه حينها خلال جنازة بابا الفاتيكان يوحنا بولس الثاني العام 2005، عندما رفض زعماء العالم الحديث مع بشار وحتى الوقوف معه بسبب اتهامه حينها باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري. كان بشار ضيفاً غير مرغوب فيه في الجنازة التي شكلت فرصة مثالية كي تبرز أسماء الأسد حينها بحديثها مع ملكة إسبانيا ومع شيري بلير، زوجة رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير، تطبيقاً لمقولة إن أفضل فرصة للمّ الشمل هي خلال عرس أو جنازة.

لطالما برع النظام في هذه النوعية من الألاعيب السياسية بسبب بقائه في السلطة منذ سبعينيات القرن الماضي وخوضه الميادين الدبلوماسية لعقود. واليوم تتمثل تلك الخاصية في حملة الضغط هذه لجذب التعاطف والاهتمام نحو النظام بوصفه دولة عاجزة، لا ككيان مجرم قتل شعبه وبات اليوم يتاجر بالمخدرات في أقل تقدير. ليس مهماً وصف النظام بالعجز طبعاً، خصوصاً إن وصل ذلك الصوت إلى العالم ككل وساهم في تدفق الأموال على النظام وفك عزلته الحالية، ولهذا تشارك في الحملة أصوات غربية مقربة من روسيا وداعمة للنظام الأسدي طوال العقد الماضي، ومن بينهم الناشطة البريطانية المقربة من الكرملين فانيسا بايلي.


مشاهدة النجوم السوريين وهم يتصنعون امتلاك مشاعر تمتد من الخوف إلى الشفقة إلى الذعر وصولاً للتعاطف الإنساني، تذكر بشيء واحد فقط وهو مدى ظلامية الدولة المسماة سوريا والتي ثار السوريون لتغييرها نحو الأفضل، لأنها منذ عقود لم تكن مكاناً صالحاً للحياة البشرية. ومتابعة رابعة الزيات وهي تبتسم بينما تقرأ الكلمات المرصوفة أمامها بدقة حول "زائر الفجر المتسلل" في إشارة للزلزال كعاشق في الأغنيات العربية التي تستنسخ بعضها بلا ابتكار، تثير أوجاعاً جسدية لمن يتابع، خصوصاً عندما تتبع ذلك الشعر الركيك بالحديث عن الإنسانية التي عادت إلى البلاد لأن المأساة الحالية تتجاوز الحرب وجرائمها بوصفها أخباراً بائتة وقديمة.

وبالطبع تتكم إحالة كل مشاكل البلاد المتراكمة، إلى العقوبات. ويُحكى عن المؤامرة الكونية حتى في ظل وجود كارثة طبيعية. ويشابه الأمر دعاية النظام العام 2020 عندما بدأت جائحة كوفيد-19، حينما طالب النظام إعلامياً ودبلوماسياً برفع العقوبات من أجل إيصال المساعدات الطبية، علماً أنه في الحالتين يتم تجاهل وقائع منها أن العقوبات الأوروبية والأميركية على النظام لا تشمل المساعدات الإنسانية مثل الغذاء والدواء، وتتعامل الأمم المتحدة مع النظام السوري في قضايا إنسانية، من بينها جائحة كورونا، فيما أفادت تقارير صحافية غربية وتقارير لمنظمات حقوقية مستقلة بأن مسؤولي النظام يتربحون من الكسب الشرعي في قضايا تتعلق بفساد ضمن توزيع المساعدات الأممية.

ويقول المسؤولون الأميركيون منذ سنوات أن العقوبات ليست لإحداث تغيير في النظام وإنما لتغيير في السلوك. كما أن مستوى الثقة بين الولايات المتحدة ونظام الأسد يكاد يكون معدوماً، لكن إذا كانت هناك مصالح واضحة يمكن تحديدها، فهناك من هم في واشنطن ودمشق على استعداد للاستماع. ومن السهل معرفة ما تريده دمشق من الولايات المتحدة: تخفيف العقوبات، خصوصاً في مجالات الصحة والتعليم، من مواد البناء إلى إعادة بناء المستشفيات والمدارس إلى المعدات الطبية وأجهزة الكومبيوتر للطلاب. ويكرر المسؤولون في نظام الأسد، أن أولوية هذه العقوبات المذكورة هي إزالة الشخصيات السياسية ورجال الأعمال السوريين من لوائح العقوبات، لا أكثر. لكن السؤال الأساسي هنا هو "ماذا تريد الولايات المتحدة؟" وما الذي يمكن أن تطلبه واشنطن في سياق أي صفقة متخيلة، حسب وصف مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية.

وفيما كانت وسائل إعلام موالية تبث أخباراً عن انقطاع التيار الكهربائي في سوريا بسبب الزلزال، وكأن الكهرباء كانت متوافرة طوال 24 ساعة مجاناً في الأيام العادية، كان إعلاميو النظام يقولون أن الدول الغربية منافقة لأنها تدعم المثليين رغم كونهم "شواذاً" حسب الوصف التحقيري السائد، ولا تدعم السوريين رغم كونهم بشراً أسوياء! فيما هوجم سياسيون غربيون، من بينهم رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، التي غردت في "تويتر" عن تضامنها مع تركيا وسوريا واستعداد المفوضية لمواصلة تقديم المساعدات بأي طريقة ممكنة.


كل الحديث عن الإنسانية يتحول فجأة إلى نظرية مؤامرة: "لعبة الدول بتدخل لتخرب الخريطة الإنسانية"، ويتم اتهام دول العالم بتقسيم سوريا رغم أن البلاد مقسمة فعلاً منذ سنوات تطبيقاً لاستراتيجية قديمة للنظام تقوم على تقسيم السوريين إلى فئات متصارعة وإعطائها الوهم بأن السلطة تحميها من بعضها البعض: مسيحيون ضد مسلمين، أقليات ضد أكثرية، محافظون ضد ليبراليين. ووصل الأمر بقناة "الإخبارية السورية" الرسمية بعد الزلزال إلى أن تقول أنه ما من داع لاحتساب "أعداد ضحايا الزلزال في إدلب لأنها منطقة خارجة عن سيطرة الجمهورية العربية السورية"، في تصنيف عنصري يعني بوضوح لا لبس فيه أن المقيمين هناك ليسوا بشراً يستحقون الحياة، بل يستحقون ما أصابهم من زلزال أولاً ومن سياسة الأرض المحروقة التي اتبعها النظام ضدهم طوال 12 عاماً، ثانياً.

لا يمكن سوى الإحساس بالنفاق خصوصاً عند سماع مونولوجات الممثلين الباكين لأنه لا كهرباء ولا محروقات، وكأن السبب في ذلك هو الزلزال وليس الواقع الذي حوّل البلاد منذ سنوات إلى بلاد الطوابير. يتفاقم ذلك الإحساس عندما يتحدث الفنانون أنفسهم عن أنهم دفعوا الثمن لبقائهم في الداخل السوري ولم يغادروا البلاد وأن سوريا احتوت اللاجئين واستقبلت العالم الذي غدر بها. وحتى عند الإشارة للسوريين الذين ماتوا في تركيا، لا تتم الإشارة لمن هجّرهم وقتلهم، لأن ذلك "لا يهم اليوم". وحتى مع تجاوز كل ذلك لا يمكن تصديق أن النظام سيكون قوة خير لا إذلال أو سرقة في حال امتلك القدرة على توجيه المساعدات الإنسانية وقيادة الجهود الإغاثية، لأن الكوارث الماضية في البلاد، حتى ضمن مناطق النظام نفسها، من حرائق الغابات أو إطلاق سراح مختطفين وتحرير رهائن وتوزيع مساعدات غذائية وغيرها، كانت تصطدم دائماً بعقلية "كسر النفسية".

ويبلغ الأمر حداً مروعاً عندما لا يتمكن ممثلون مثل عابد فهد أو شكران مرتجى حتى من توصيف السوريين في إدلب وتركيا بأنهم سوريون معارضون، ويُشار إليهم على أنهم مجرد مجموعة بشرية غير مهمة يجب ذكرها في حاشية الحديث كي يكتمل. وحتى عندما يضطر فهد لعقد مقارنة تظهر أن الزلزال كارثة إنسانية، فإنه يقارنه بانفجار بيروت لا بالحرب السورية، لأن ضحايا تلك الحرب من الطرف الآخر كانوا ثمناً يجب دفعه للوصول إلى "المجتمع المتجانس" وهي كلمات خرجت من فم الرئيس الأسد مراراً وتكراراً في السنوات الأخيرة، ولا يمكن لمُواليه والسائرين بحمده مخالفتها.

كل ما له علاقة بالنظام يبدو مبتهجاً بوجود الزلزال كفرصة سانحة أقرب إلى هدية سماوية للخروج من مأزق طويل. لا هدف من ذلك سوى القول أن "غضب الطبيعة" هو الكارثة الإنسانية فقط، كل ما قبلها لم يكن مشكلة في حد ذاته، وكأن مشاهد الدمار والركام والأطفال الموتى والجثث العالقة تحت المباني المهدمة وما شابه ذلك من صور مروعة، كان متخيلاً طوال 12 عاماً ولم يكن حقيقة واقعة بفعل قصف الطيران والبراميل المتفجرة والدبابات.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها