الإثنين 2023/02/06

آخر تحديث: 17:10 (بيروت)

البحث عن سبب لزلزال سوريا

الإثنين 2023/02/06
البحث عن سبب لزلزال سوريا
من مشاهد الشمال السوري (غيتي)
increase حجم الخط decrease
بعيداً من الشعور بالعجز أو تذكر معناه، وإلى جانب اليقين بأن سوريا بلد مازال قادراً على تصدير الكوارث، رغم صعوبة ذلك عطفاً على أن الدولة شهدت طوال 12 عاماً مأساة إنسانية قد تكون الأفجع منذ الحرب العالمية الثانية، فإن الزلزال المدمر الذي ضرب البلاد وجارتها تركيا، أحيا أسئلة عبثية حول سبب المصائب التي تلاحق السوريين أينما كانوا. أهي لعنة من نوع ما؟ أم حظ عاثر أم قدر أحمق الخطى أم إرادة ربانية أم غيرها من الكلمات الطنانة التي لا تحمل معنى محدداً.

ولا سبب محدداً للزلزال طبعاً سوى الانزلاقات في طبقات القشرة الأرضية، لأن المنطقة أصلاً منطقة نشطة زلزالياً وتتحرك فيها الصفائح التكتونية بشكل تصادمي حسبما أفاد خبراء بعد وقوع الزلزال، فجر الاثنين. لكن غياب أي معرفة جيولوجية بسيطة يجعل طروحات من باب أن الزلزال كان عقوبة إلهية بسبب تراكم الخطايا والذنوب أو نوعاً من التحذير بشأن يوم القيامة الذي اقترب أوانه، رائجة، إلى جانب مجرد التفكير بأن الزلزال وكوارث أخرى مرتقبة، هي جزء من قدر السوريين الحالي والحزين، انطلاقاً من رؤية نمطية للسوريين كلاجئين فقراء يغرقون في البحار وينامون في الشوارع ويتهجرون من بقعة إلى بعقة، وذلك بعيداً من أي معتقدات دينية.



تنطلق هذه الأسئلة والطروحات من فهم غير علمي للعالم والطبيعة. لأنه وفق المنظور الديني السائد، والذي تتم تربية الأطفال عليه منذ سن نعومة أظفارهم، فإن الإله المفترض أن يتحكم في الكون هو إله واع وعلى اتصال مباشر بالبشر كأفراد ومجموعات. وهو كيان أعلى شأناً يفترض أن يحمي من يؤمن به من المصائب ويوجهها نحو جموع الأعداء، لكن ذلك لا يحدث أبداً لأن الكارثة الطبيعية عندما تحصل لا تفرق بين مؤمن وملحد وبين مسلم ومسيحي وبين عربي وأجنبي. ولا تفرق بين إنسان وكائنات أخرى. بل تضرب الجميع في وقت واحد وبسرعة.

والطبيعة نفسها ليست قوة واعية بقدر ما هي شيء يحدث فقط من حولنا من دون سبب ومن دون نتيجة مبتغاة. وفيما تتواجد قوانين فيزيائية وكيميائية راسخة تحدث بوتيرة مستمرة، إلا أن ظهورها وانتهاءها ليس أكثر من صدف عشوائية أحياناً. ويجادل علماء وباحثون في الفيزياء الكمية والبيولوجيا بأن الحياة نفسها هي شكل من أشكال العشوائية التي تتحدى النظام السائد في الكون "الميت" من حولها.


ولعل تقبل تلك العشوائية واليقين بأن الأمور السيئة تحدث لأي شخص، يجعل تجاوزها أسهل على الناجين منها. لكن المخيف حقاً ان تلك الكوارث والمصائب تستغل في الدين والسياسة لأغراض أخرى، حيث يصبح البلاء امتحاناً من الإله الذي يرغب في اختبار عبيده المخلصين لغربلتهم من أولئك المنافقين. وتُبنى على ذلك المنطق دعاية سياسية كاملة في دول يكون فيها الدين أداة للتحكم في الأفراد من قبل السلطة، مثل سوريا الأسد، وتفيد بأن على الأفراد السكوت عما يجري من حولهم من انهيار اقتصادي وخدمي لأن ذلك الانهيار ليس عاماً بقدر ما هو مصيبة فردية وقدر من الله يبتلي به المؤمنين. وتصبح الشكوى والمطالبة بالحقوق الأساسية خطيئة لا يحاسب عليها النظام بقسوة فقط، بل تطاول صاحبها عقوبة بعد الموت أيضاً. كما أن المصائب والكوارث المختلفة، بما في ذلك الزلزال، تُفسر على انها عقوبة عاجلة على تلك التجاوزات.

وفيما يبدو للوهلة الأولى أنه لا يمكن للموالين هذه المرة تحميل المعارضين لوم ما حصل من كارثة طبيعية، مثلما لا يمكن للمعارضين توجيه أصابع الاتهام لجيش النظام وحلفائه بالكارثة الإنسانية، فإن المفارقة أن اللوم بقي حاضراً بينهما على ذلك العنف المستمر والمتبادل، بغض النظر عن مدى حجمه، حيث بدا الزلزال مدخلاً لتذكر مشاهد القصف والخوف وسنوات الحرب التي هدأت من دون أن تتوقف فعلاً. وتجاوز ذلك تذكر الماضي نحو القول أن الزلزال نفسه كان جزاء على ما اقترفه الطرف الآخر من ذنوب منذ العام 2011، أي الوقوف إلى جانب رئيس النظام بشار الأسد بوصفه قائداً مخلّصاً وحكيماً، أو الثورة عليه بوصفه ديكتاتوراً وطاغية.


تسيسس الزلزال بدلاً من اعتباره كارثة إنسانية، زاد مع مرور الوقت، فانتشرت دعوات بين الموالين للنظام من أجل إعلاء أصواتهم للحديث عن "الحصار والعقوبات الغربية" وفق تعبيرهم، بما أن سوريا عادت إلى دائرة الضوء مجدداً، فيما كانت هنالك دعوات موازية للتقليل من نشر الأخبار "السلبية" والتركيز على "الروح الإيجابية" بدلاً من نقل الذعر والخوف والهلع لأن "المبالغة في التدابير لن تفعل شيئاً سوى المزيد من الرعب والهلع" بل "الهدوء والثبات وتبادل الابتسامات ما أمكن، لعله أفضل ما يمكن فعله في هكذا لحظات يتذكر فيها الإنسان كم هو صغير وضعيف وقليل الحيلة"، حسب وصف المستشار السابق في وزارة الإعلام مضر إبراهيم.



ومن السهل الحديث عن انهيار الدولة في سوريا وتحولها إلى نموذج الدولة الفاشلة بعد العام 2011 لتبرير مستوى العجز الواضح في مناطق النظام والمعارضة، بعد الزلزال، وتحميل الطرف الآخر المسؤولية على ذلك العجز بناء على الموقف السياسي المسبق. لكن عدم وجود ثورة في البلاد لم يكن ليغير شيئاً لأن سوريا قبل الثورة لم تكن نموذجاً مختلفاً حقاً، ولهذا السبب بالتحديد لم يكن هناك لوم لأجهزة الدولة الغائبة تقريباً عن المشهد والتي اكتفت لساعات بطلب المساعدة من المدنيين لإنقاذ بعضهم البعض، لا أكثر، قبل أن تتفرغ لعرض أخبار مطولة عن اجتماع الرئيس الأسد بمجلس الوزراء "باكراً" من أجل إيجاد حلول ما.

وفيما كانت وسائل الإعلام الرسمية والصفحات العامة في مواقع التواصل، تحاول نشر أخبار إيجابية تتحدث عن الدور الذي قامت به أجهزة الدولة في "الحد من آثار الزلازل" أو تلميع صورة الجيش السوري الذي ترك ثكناته من أجل مساعدة المدنيين، فإن التعليقات على المنشورات نفسها كانت قدمت معلومات متناقضة تماماً، بالصور ومقاطع الفيديو أحياناً، والتي أظهرت الكذب الرسمي المتعمد، خصوصاً أن التلفزيون الرسمي قدم "الإجراءات" وكأنها هبة من القيادة الحكيمة يجب الشعور بالامتنان لأجلها، فيما كانت اللقاءات المباشرة من حلب وحماة واللاذقية وغيرها مروعة حتى بمقاييس الإعلام السوري نفسه، حيث بدا المراسلون أشبه بعناصر مخابرات بلا أي شعور بالتعاطف مع الناس الذين يجب عليهم فقط شكر الحكومة على إجراءاتها "السريعة".

ومع تراكم الكوارث، من حروب وانعدام الأمن الغذائي وحرائق الغابات وأخيراً الزلازل، تصبح سوريا نموذجاً مثالياً وواقعياً للديستوبيا التي يفكر الأدباء والكتّاب كثيراً لخلقها في أعمال فنية وأدبية. ووسط هذا الجو، يزدهر العنف والتمرد والديكتاتورية والتفكك الاقتصادي والأوبئة، ويغيب الأمل وتتلاشى الحلول وتنعدم المخارج. ويحيل ذلك للتفكير بأن مشاكل سوريا لم تبلغ ذروتها مثلما يتخيل الرومانسيون، بل أن البلاد تغرق في تلك المشاكل على اختلاف أنواعها، ما يجعل الاضطرابات مستقبلها المظلم والوحيد.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها