السبت 2023/02/25

آخر تحديث: 20:20 (بيروت)

قضاة لبنان يبحثون عن الحقيقة.. في الفضاء الرقمي

السبت 2023/02/25
قضاة لبنان يبحثون عن الحقيقة.. في الفضاء الرقمي
increase حجم الخط decrease
لم يعد بحث القضاة عن الحقيقة، مقتصراً على الاجراءات القضائية والعمل في المحاكم. توسع الامر الى منصات التواصل الاجتماعي التي تساهم في حشد الرأي العام تجاه قضية معينة، وسط انقسامات قضائية وحقوقية حول مفهوم "موجب التحفظ"، والتزام بعض القضاة به من عدمه، وهو ما لم يعد سارياً أمام "أمر واقع"، وبات أوسع من أن يُضبط.  

يكاد لا يمر يوم من دون أن تضج منصات التواصل الاجتماعي بمواقف أطلقها قاضٍ أو قاضية حول ملف يطاول مسؤولين ماليين أو سياسيين، أو حتى تجاوزات في السلك القضائي.

العناوين متنوعة ومتشعبة، من تبييض أموال الى هدر وفساد، وصولاً إلى حرب الصلاحيات بين القضاة أنفسهم حول أحقية القاضي في التحقيق في الملف أو الادعاء على مسؤول.

وخرج الصمت القضائي عن السيطرة الرسمية في السنوات الأخيرة، خصوصاً بعد حراك "طلعت ريحتكم" العام 2015، وثورة 17 تشرين 2019 وما رافقها من انهيار طاول العملة الوطنية أمام الدولار واحتجاز ودائع اللبنانيين في البنوك من دون أي سند قانوني أو قرار قضائي. بات الحدث اليوم، بالنسبة إلى الناشطين اللبنانيين، متمثلاً في القضاة الحاليين والسابقين وأيضاً الموقوفين عن العمل الذين يملأون الفضاء الافتراضي بآرائهم ومواقفهم حول مختلف الملفات والقضايا. 

يُنظر تارة إلى هؤلاء القضاة على أنهم متحيزون أو يخضعون لتأثيرات حزبية، وتارة أخرى تمكنهم وسائل التواصل الاجتماعي من خلق فرصة لنشر خبرات القضاة، وزيادة معرفة الجمهور بالقانون، وأسباب أصرار القاضي على قراره في أي ملف.

حق محفوظ
أمام هذا الواقع، يؤكد المحامي العام التمييزي السابق، القاضي جان طنوس، في تصريح مقتضب لـ"المدن" أن حق التعبير للقضاة في وسائل التواصل الاجتماعي "محفوظ لهم بموجب المواثيق الدولية مع المحافظة على موجب التحفظ حول كل ما يمكن أن يثير أي شك في حياديتهم".


طنوس، الذي أحدث جدلاً بعد دخوله قصر العدل جراء معلومات عن منعه من دخوله بعد تقديم استقالته من مركزه، كان قد لفت في تصريحات سابقة الى ان الإرشادات غير الملزمة لاستخدام وسائط التواصل الاجتماعي من قبل القضاة والتي أطلقتها الشبكة العالمية لنزاهة القضاة في فيينا، "يمكن أن تكون مصدر إلهام لتنظيم نشاط القضاة في الشبكات الاجتماعية بطريقة مبتكرة". ورأى أن "هناك مئات القضاة الذين ينتظرون ساعة قبضهم على أزمة القضاء لاجتثاث الفساد بكل اشكاله، فوحدها المحاسبة تحرر المرتكب من عبئ أفعاله وتعيد للحق بريقه". 


تأثير في الرأي العام
وتعتبر اليوم وسائل التواصل الاجتماعي نافذة رئيسية للتعبير عن الرأي والتأثير في الرأي العام. إلا أن استخدام هذه المنصات من القضاة يطرح أسئلة عديدة حول كيفية استخدامها على نحو لا يمس بمكانة القضاء ودوره في تحقيق العدالة.

وتعدّ النائب العام الاستئنافي في جبل لبنان، القاضية غادة عون، أكثر من كثّف التغريد في مواقع التواصل، لإبداء آراء ومواقف متصلة بملفات أوكلت اليها، وهو ما أثار انتقادات بحقها، وصولاً الى تأكيد وزير العدل هنري خوري في تصريح تلفزيوني أخيراً الى انه يؤيد الالتزام بموجب التحفّظ. 

وحاولت "المدن" أكثر من مرة التواصل مع القاضية غادة عون، لسؤالها عن أهمية المنصات الرقمية في إبراز وجهة نظرها في ملفات ملاحقة مجموعة من رؤساء ادارات المصارف وحاكم مصرف لبنان في ملفات فساد وهدر مالي واختلاس اموال... لكن بلا جدوى.

وتستمر عون في التأكيد في تغريداتها انها تقف الى جانب المودعين وكل شخص طاوله ظلم من هذه المنظومة السياسية، رغم الانتقادات التي تتعرض لها من قبل مجموعة كبيرة من الناشطين والسياسيين.


تباين وانقسامات
وفيما يستنفر بعض القضاة في لبنان، مطالبين بحقهم في سلطة قضائية مستقلة، يعتبر آخرون أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بعدما أدخل بعض القضاة أنفسهم في جدالات واتهامات أظهرت حجم التباين والإنقسام في المؤسسة القضائية.

القاضي شادي قردوحي، الموقوف عن العمل بقرار من وزير العدل هنري خوري، لفت لـ"المدن" الى أن المطلوب اليوم "تطهير القضاء" من بعض القضاة الفاسدين الذين اساؤوا اليه.

ويشيد قردوحي بدور وسائل التواصل الاجتماعي التي ساهمت في إطلاقه شعار "نحو ثورة قضائية" في وجه كل القضاة الفاسدين الذين يحظون بدعم سياسي. فلولاها لكان معارضوه "أسكتوه" على طريقتهم.

ويشير الى انه لولا المنصات الرقمية، لما ظهر حجم المرض الذي أصاب الجسم القضائي وضرورة علاجه قبل أن ينتشر اكثر.


مسموح وممنوع
ما هو المسموح والممنوع على القاضي ممارسته في المنصات الرقمية؟ وما هي أهمية التمسك بـ"موجب التحفّظ" لدى القضاة؟

يجيب مدعي عام التمييز السابق، حاتم ماضي، على هذا الأمر، بأن القاضي الذي أنهى عمله يستطيع التعبير عن رأيه بحرية، أما ما يحصل اليوم من بعض القضاة الذين ما زالوا يمارسون عملهم ويعبرون عن رأيهم في مواقع التواصل الاجتماعي، "فهو غير مسموح" قانوناً.

ويقول إن "القاضي مسموح له أن يعبّر عن رأيه، عبر أحكام يصدرها في قصر العدل أو في مقالة علمية أو كتاب يصدر بإسمه ويبدي رأيه فيه". أما استخدام وسائل التواصل كما هو حاصل اليوم "فهو يرتدّ سلباً على القاضي" بحسب ماضي، لأن المواقف التي يعلنها "يمكن ان تطرح إشكالية له في حال تسلم ملفاً كان قد عبّر عن رأي فيه سابقاً عبر حسابه الخاص في مواقع التواصل الاجتماعي". 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها