الخميس 2023/02/02

آخر تحديث: 18:48 (بيروت)

"أرماني" و"زارا" في ميكروباص القاهرة

الخميس 2023/02/02
"أرماني" و"زارا" في ميكروباص القاهرة
تقسم صديقتي أنها شمّت عطر "أرماني" في الطريق من الدقي إلى 6 أكتوبر (رويترز)
increase حجم الخط decrease
هذه المرة ترددت كثيراً وأنا أمسك بهاتفي لأشغل تطبيق السيارات الخاصة لتوصلني إلى وجهتي. التطبيق الذي لجأنا إليه، أنا وبعض الصديقات، لتجنب التحرش والمضايقات والإهانات في المواصلات العامة. الكلفة المكتوبة أمامي، خمسون جنيهاً، وفي تطبيقات مماثلة، وجدتها أكثر من ذلك بكثير. قلت لنفسي: هذه الخمسون جنيهاً ستحتاج مني إعادة تفكير. قبل ذلك اليوم لم أكن لأعيرها أي انتباه.

أعدت الهاتف إلى جيبي وبدأت البحث عن سيارات ميكروباص، مشاريع النقل عامة بكلفة رمزية، لتوصلني إلى وجهتي، وكانت هذه المرة الأولى التي أستقل فيها ميكروباصاً في القاهرة منذ سنوات. فمنذ اعتمدت تطبيقات السيارات الخاصة، لا أذهب إلى أي مكان إلا فيها، وإن لم أجد سيارة منها قريبة مني، أستقل تاكسي فوراً.

أخيراً، وصلت إلى وجهتي ولم أتكبد خمس جنيهات، لكني كنت كالغريبة في هذه الحافلة العمومية. أرتدي سترة ماركة تومي هيلفيغر، وطاقية صوف، وحذاء برقبة عالية. وإلى يميني ويساري، ينقسم الناس، بعضهم يرتدي ملابس رثة وممزقة وهؤلاء شعب "الميكروباص" الذين نألفهم، لكن ما لم يكن مألوفاً منظر رجال يرتدون بذلات أنيقة وفتيات يرتدين فساتين زاهية وهؤلاء كانوا كالتائهين أو بالأحرى كنا جميعاً كالتائهين.

يبدو أن سائقي الميكروباصات اعتادوا مؤخراً على نوع الركاب أمثالنا، فلم يستغربونا ولم يعاملونا معاملة مختلفة. تقسم صديقتي أنها في طريقها من الدقي إلى مدينة 6 أكتوبر، كانت تشم روائح عطور "أرماني" و"سي"، وإلى جانبها فتيات ملابسهن من "زارا" و"بيرشكا"، ماركات أبناء الطبقة المتوسطة-العليا، ولوهلة فكّرت أنها تستقل ميكروباصاً خاصاً، أو أنها وسط برنامج "الكاميرا الخفية".

قبل أيام، قررت أن أستقل سيارة خاصة في ذهابي إلى مصلحة الجوازات لتجديد جواز سفري، وقررت العودة إلى البيت بالميكروباص، حيث دار حديث شيق بين راكبَين يرتديان بذلتين أنيقتين ويحملان حقيبتين جلديتين كلاسيكيتين. قال أحدهما إنه كان على وشك شراء سيارة بالتقسيط، قبل أشهر، وجهّز المُقدّم، 70 ألف جنيه، كان ذلك قبل أيام من أول ارتفاعات سعر صرف الدولار الأول، في سبتمبر الماضي، فارتفع المُقدّم في اليوم التالي إلى 90 ألفاً، ثم حينما زاد مرة ثانية أصبح المطلوب منه 250 ألفاً. فبدلاً من سعر السيارة الأول الذي كان في حدود 240 ألف جنيه، أصبح 450 ألف جنيه. واللافت أن الرجل وقف ينتظر الباقي بعدما دفع الأجر. انتظر جنيهَين اثنين، وكاد يتشاجر مع السائق بسببهما، تلك "الفكّة" التي حسبت أني نسيت كيفية استخدامها، وكنت أبحث عنها مطولاً في حقيبتي، لأني اعتدت دفع مبالغ كاملة عند ركوب السيارات، وعند الشراء أدفع ببطاقة الإئتمان.

كان ذلك كله يدور أمام عيني وفي رأسي، وأحاول منع نفسي من الضحك المرّ. كأن حديث الرجلين في الميكروباص جزء من المزحة التي يتناقلها الجميع الآن في مصر: "نزلنا طبقة اجتماعية"، فيقول أحد الميمز: "تخيل تنام طبقة وسطى/عليا تصحى تلاقي نفسك طبقة فقيرة". والأمثلة على ذلك كثيرة، يتناقلها رواد السوشال ميديا يومياً، لكن الميم الأشهر هو ذلك الشخص الذي قرر أن يتناول الإفطار على عربة الفول، وبجواره كوب قهوة من ستاربكس.

الحديث الدائر بيننا الآن في مصر، كنكتة مريرة، هو عن تناول اللحوم في هذه الفترة، بعدما ارتفع سعرها ليتخطى سعر كيلو اللحم البقري 260 جنيهاً وكيلو الدواجن 90 جنيهاً. تقول صديقتي: "شكلنا هناكل رجول فراخ"، قاصدة ذلك المنشور الذي غزا الإنترنت بكثافة من جهة رسمية، هي معهد التغذية، ويدعو المواطنين لأكل أطراف الدجاج. نعم، ذلك الجزء الذي اعتدنا أن نلقي به في سلة القمامة أو نطعمه للحيوانات الأليفة، وقال البعض إنه كان طعام الغَلابة لأن الكيلو منه بعشر جنيهات. لكنه، بعد ذلك المنشور، أصبح بعشرين جنيهاً. وعموماً، المعهد يستفز الناس كل فترة بنشر معلومات عن أطباق رخيصة ليقنع المصريين بتناولها على أنها ذات فوائد عالية.

تمزح إحدى صديقاتي قائلة: "ماشي، لو استغنينا عن البيض لأنه غِلِي، واللبن والفراخ واللحمة والرز، هناكل إيه؟ ناكل طوب!". أتذكر سيدة كانت تحكي لي عن فقرها الشديد بعد طلاقها مؤخراً، للدرجة التي اضطرتها، حينما سقط منها الزبادي على الأرض، أن تجمعه بيديها من أجل أن تطعمه لأطفالها.. لأنها لا تستطيع شراء غيره.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها