السبت 2023/02/18

آخر تحديث: 18:35 (بيروت)

أطفال الزلزال في شاشاتنا: استثمار في المأساة؟

السبت 2023/02/18
أطفال الزلزال في شاشاتنا: استثمار في المأساة؟
increase حجم الخط decrease
طوال الأيام التي تلت الزلزال الذي هز جنوب تركيا وشمال سوريا فجر 6 شباط/فبراير الجاري، انتشرت صور ومقاطع فيديو للضحايا والناجين الذين وجدوا أنفسهم محاطين بعدسات الكاميرات كإضافة للركام والدمار والمصيبة التي وقعوا فيها. والصرخات من تحت الأنقاض، وصور الأطفال باعتبارهم العنصر الأكثر "جذباً" للمشاهدين، أعادت الحديث عن أخلاقيات التصوير الصحافي، سواء تلك الآتية من وسائل الإعلام الاحترافية أو من قبل صحافة المواطن في مواقع التواصل.

وعادة ما تنقسم الآراء في داخل غرف الأخبار وعند الجمهور بشأن إستخدام صور الأطفال، بين من يعتبرها إنتهاكاً لكرامتهم، ومن يعتبرها ضرورة لإثارة إنتباه الجمهور إلى حجم الكارثة. وعلقت الصحافية السورية زينة أرحيم، التي تعمل مستشارة إعلامية مع منظمات ناشطة في الشرق الأوسط، بأن "إثارة المشاعر بالمعلومات الحقيقية والتغطية المهنية للأحداث التي لا بد أن تثير المشاهد، هي واجب الصحافيين، لكن الإبتذال وإستغلال انكسار الآخرين وعدم قدرتهم على إتخاذ قرار تصويرهم مع عبارات لشحذ الهمم وشحذ الدعم مهما كان الغرض نبيلاً، ليس من العمل الصحافي بشيء وبالتأكيد يحيد عن أخلاقيات الصحافة".


وأشارت ارحيم في حديث مع "المدن" إلى أنه "لا مشكلة في تصوير الأشخاص تحت الأنقاض من دون النيل من كرامتهم أو تقريب العدسة لوجههم بشكل فج، خصوصاً الأطفال. بعض الإعلاميين أظهروا جوانب إنسانية وأثاروا المشاعر بشكل كبير جداً عند تصويرهم للضحايا رغم أنهم لم ينالوا من كرامتهم، مثل صورة الصحافي التركي للرجل الذي يمسك يد إبنته تحت الإنقاض، وفيديو يظهر عناصر الدفاع المدني يتكلمون مع طفلة عالقة تحت الإنقاض ليشدوا إنتباهها ويحافظوا على صحوها".

وشهدت وسائل التواصل الإجتماعي إنتقادات لتصوير الأطفال والمقابلات تحت الإنقاض ومطالبات بردع المصورين. وقالت ارحيم أنه في المنطقة العربية لا يوجد ما يوقف الصحافيين والمصورين عن إجراء المقابلات مع الضحايا وتصويرهم تحت الإنقاض، معتبرة أن الرادع "شخصي ومتعلق بالمؤسسة التي يعمل فيها الصحافي بشكل رئيسي".

من جهته، أفاد المصور الصحافي الفلسطيني أحمد ديب، الذي كان يغطي زلزال تركيا وسوريا، بأن "هناك خطوطاً حمر يجب أن يتمتع بها الصحافي، كإحترام مشاعر الناس، والأزمة التي يمرون بها، وإحترام ثقافة الناس الذين يتم تصويرهم. يجب أخذ موافقة أهل الطفل حين تصويره، لكن في وقت الأزمات أو الحروب، يكون من الصعب الحصول على  الأذن فيجب مراعاة وضع الطفل وأهله".

ديب، الذي عمل مصوراً مع منظمات تعنى بالطفل، أشار في حديث مع "المدن" بأنه لديه القدرة على نقل الصورة من دون أي إستغلال للطفولة. ففي حالة الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا، يمكن التعيل على صور الأطفال لإثارة إنتباه الرأي العام لحجم الكارثة، وتوعيته بشأن وسائل الدعم والمساعدة، طالما أن ذلك لا يعرض الأطفال للخطر أو ينتهك كرامتهم أو يسبب لهم الوصمة.


ومع سرعة إنتشار الصور في وسائل التواصل الإجتماعي، بات بعض الوسائل الإعلامية يعتمد على صور من "صحافة المواطن". وأشار ديب إلى ضرورة الإنتباه إلى التعاون الذي تخلقه المؤسسات الإعلامية مع مصوري "صحافة المواطن"، والتأكد من عدم إستغلالهم البروباغندا من أجل أجندات سياسية معينة، بل الهدف الأساسي هو دعم العمل الصحافي، وتزويده بالصور اللازمة.

وكان حدث الزلزال فرصة للمصورين والصحافيين من أجل خلق قصص مثيرة للإهتمام، بحثاً عن الشهرة ورضى المؤسسة حيث يعملون، من دون مراعاة أخلاقيات الصحافية والهدف المرجو من التغطيات الإعلامية، علماً أن هناك مواد في متناول العاملين بالصحافة ونشرتها سابقاً منظمات عالمية مثل "شبكة الصحافيين الدوليين" للحديث عن أخلاقية التغطية الصحافية لقضايا الأطفال مستنداً إلى مواد قانونية من الصكوك والمعاهدات الدولية الأساسية لحقوق الإنسان.


وبحسب الصحافية فرح فواز، من الضروري التذكير دائماً بأهمية الإلتزام بالمعايير الأخلاقية للمهنة وتحديداً في التعامل مع الضحايا والأطفال منهم، و"يجب أن نتذكر دائماً أن الصور التي نبثها تترك آثاراً سلبية طويلة الأمد في المجتمعات، فكيف يمكن أن يكون ردّ فعل طفل يشاهد لقطات قاسية لطفل آخر؟" وأشارت فواز، إلى أنه "يجب أولاً اختيار صور تؤدي الرسالة الإعلامية من دون أن تخدش الجمهور المتلقي وترتب عليه صدمات وآثار نفسية سلبية، ولا تؤذي الأشخاص مضع الصورة".

ورأى المصور والأستاذ الجامعي صالح رفاعي، أن ما تشهده المؤسسات الإعلامية من نقاشات خلال الأزمات،  وطرق التصوير، يعود إلى عدم توحيد الآراء داخل غرف الأخبار، وأيضاً إلى غياب النظم والأخلاقيات المهنية في كل مؤسسة إعلامية، على عكس ما هو متواجد في المؤسسات الأجنبية، مؤكداً انه يجب على المصور الصحافي تقديم  صورة حقيقة، وغير متلاعب بها.

ومع تداخل العمل الصحافي مع صحافة المواطن، قال الرفاعي أن هناك "فلتاناً في نشر الصور"، فأصبح كل من يملك هاتفاً يُطلق عليه إسم "مصور"، وهؤلاء لا يمكن أن يُطالوا قانونياً في حال إستخدموا الصور في غير مكانها، "على عكس المصورين الصحافيين"، مشيراً إلى أن هذا النقاش في العمل الصحافي، يُفتح دائماً، لكن لا آلية للتصحيح والتصويب بعد إنتهاء الأزمات، وهنا يجب تضافر الجهود بين المؤسسات الإعلامية ونقابة المصوريين، لوضع آليات أخلاقية واضحة يلتزم بها المصورون".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها