الجمعة 2023/02/17

آخر تحديث: 15:35 (بيروت)

السلطة السورية في "خطاب الزلزال": عاجزة..لكن حذار "تشويه بطولاتها"

الجمعة 2023/02/17
السلطة السورية في "خطاب الزلزال": عاجزة..لكن حذار "تشويه بطولاتها"
الرئيس الأسد في كلمته المتلفزة الأولى بعد الزلزال
increase حجم الخط decrease
بدت كلمة الرئيس السوري بشار الأسد، بعد 10 أيام كاملة على الزلزال الذي خلف آلاف الضحايا في سوريا وتركيا، باردة، وأقرب للتهديد منها للطمأنة. فإلى جانب خلوها من أي تعاطف مع الضحايا والمنكوبين، مقابل القول أن ما جرى قدر من الله يجب تقبله من الشعب السوري المؤمن، سواء كان مسيحياً أم مسلماً، فإنها اعتمدت على الزلزال نفسه للتمهيد لسنوات مقبلة من المشاكل الاقتصادية والخدمية الموجودة أصلاً في البلاد التي تزعم قيادتها السياسية أنها انتصرت على المؤامرة الكونية.

إعلامياً، حاول الأسد تحسين صورة الدولة السورية ككل، بعد الأداء الحكومي السيئ إثر الزلزال. فتمت مصادرة جهود الأفراد الذين قدموا المساعدة لبعضهم البعض، ونُسب ذلك إلى السلطة التي باتت تشمل المجتمع المدني. وظهر الأسد في الخطاب كما يظهر رؤساء في دول أخرى، بالأسلوب نفسه القائم على البث المباشر، كالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي كان خلال جائحة كورونا مثلاً دائم الظهور لتقديم إجراءات حكومته وتقديم حزم الدعم وغيرها. الأسد في المقابل ركز على التبريرات التي تمنع تحويل نواياه إلى أفعال.

والأسد الذي التزم النص المكتوب، من دون إضافات من خارجه كما جرت عادته، كان صريحاً بالقول أنه لا شيء يمكن أن توفره الدولة السورية، حتى بعد سنوات من الكارثة، وصولاً إلى التهديد الضمني لمن "يشوه صورة البطولة لمؤسساتنا الوطنية المدنية والعسكرية"، أي من ينتقد أداء الجهات الحكومية ويتحدث عن الفساد والتقصير وحوادث التعفيش الموثقة خلال الأيام العشرة الماضية.



والحال إن "الكلمة المتلفزة"، المبثوثة من غرفة مغلقة بلا جمهور يصفق ولا هاتفين "بالروح بالدم"، ارتكز على عنصرين اثنين. الأول هو امتلاك السلطة، مهما بدا ظهورها ضمن الخطاب نفسه بمظهر العجز عن أداء مهماتها، باستثناء قمع من ينتقدها. والثاني هو "الأخلاق" المتمتعة بها سوريا والتي يحاربها العالم ككل بسبب امتلاكها لتلك الصفات النبيلة من التعاضد والغيرية والإنسانية.

والحديث عن تلك الأخلاق يحيل حتماً إلى تعريفها وماهيتها، حيث يقدم النظام السوري نفسه أمام البيئة المحلية المحافظة كحامٍ للقيم والتقاليد والأخلاق المجتمعية، التي لا تعني بالضرورة صفات حميدة أو عصرية في القرن الحادي والعشرين. ولهذا بات الأسد يركز في كل خطاب له، خلال السنوات الأخيرة، على أن السوريين مؤمنون بالله وبأنهم حصراً مسيحيون أو مسلمون، وصولاً لتقديم خطابات رسمية من المساجد أو خلال زيارات الكنائس والأديرة في المناسبات الدينية. ويتضافر ذلك مع خطاب مواز حول حماية النظام لمواطنيه من "الانفلات والتحرر" اللذين "تسببهما" مواقع التواصل الاجتماعي تحديداً.

وفي هذا الإطار، فرد الأسد قسماً من خطابه الذي استمر 13 دقيقة، للحديث عن الإعلام ومواقع التواصل. وفي تلك الفقرات، ضمنياً، يصبح منتقدو أداء النظام السوري خلال الزلزال أشخاصاً فاقدين للأخلاق وقليلي التربية، ما يوجب تأديبهم، حفاظاً على المظاهر المجتمعية "اللائقة" وتكريس مفاهيم الحياة "النبيلة"، ويصبح "المساس بسمعة المجتمع السوري" تهمة جديدة تضاف إلى عشرات التهم التي تلاحق السوريين مثل "النيل من هيبة الدولة" و"إضعاف الشعور القومي".

واللافت أن السلوك النبيل الذي يشير له الأسد هنا، هو "الاندفاع الشعبي العفَوي لدعم المنكوبين بطوفان من الخير، حجب عنهم العَوَزَ والسؤال"، حيث كان السوريون، كأفراد لا كسلطة، حاضرين لمساعدة بعضهم البعض، رغم الظروف الاقتصادية والخدمية السيئة التي يعيشونها جميعاً. ومن نافل القول أن ذلك السلوك التعاضدي الذي يفتخر به النظام وإعلامه الرسمي، يفترض ألا يكون مديحاً للسلطة، لأنه، رغم دفئه وإنسانيته، ما كان ليحضر بهذا الزخم لو كانت السلطة تقوم بواجباتها ولا تستغل المأساة نفسها لتلميع صورتها أو فرض مزيد من القيود، أو اتخاذ موقع المتفرج على السرقة والتعفيش.

يعيد ذلك السامعين إلى الشق المتعلق بالسلطة في الكلمة. فـ"القيادة الحكيمة" هي التي تقرر مكمن المشكلة، وما هي الشائعة التي يجب مكافحتها حتى لا تطغى على "الصورة ناصعة البياض التي رسمناها لدى الآخرين". وتصبح الأخبار الإيجابية، لا السلبية، مطلوبة، مثلما كانت وزارة الإعلام السورية توجه العاملين فيها منذ لحظة حدوث الزلزال. وذلك "الوعي" الذي تحدث عنه الأسد، كشرط لمعالجة الظواهر السلبية، يحصر المعرفة بالسلطة، دوناً عن الأفراد الذين يمكن التأثير فيهم بسهولة... لولا توجهيات القيادة لإيصالهم إلى بر الأمان.

وفي خطاباته السابقة، قال الأسد بشكل صريح، في معرض شرحه للعقد الاجتماعي الذي يحدد ماهية السلطة في سوريا، أن الشخص الخارج عن العقيدة المجتمعية السائدة هو "حيوان" وخائن أو مغرر به. أما من ينتقد تلك السياسة ويطالب بالإصلاح السياسي، فهو إما ساذج وجاهل وبحاجة إلى النصيحة، أو خائن وعميل وبحاجة للملاحقة والعقاب. 

لكن اللافت أن التفاعل في الشبكات الاجتماعية مع الكلمة المتلفزة الأخيرة، بدا محدوداً، على الأرجح بسبب اليأس الكامل. إذ يبدو أن السوريين، في الداخل تحديداً، ما عادوا يهتمون حتى بمواجهة الدولة بتقصيرها.. على طريقة: كيف تقرّع كياناً غير موجود؟ 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها