الثلاثاء 2023/02/14

آخر تحديث: 20:32 (بيروت)

سعد الحريري في اختبار الفراغ

الثلاثاء 2023/02/14
سعد الحريري في اختبار الفراغ
الحريري اليوم زعيم تقليدي لأيام معدودة.. وزعيم سياسي لسنوات (مصطفى جمال الدين)
increase حجم الخط decrease
لا يمكن النظر الى الجموع التي احتشدت حول رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في ساحة الشهداء، على أنها استكمال لمشهد مناسباتي، مرتبط بحدث مؤلم، زَلزَل المشهد السياسي اللبناني قبل 18 عاماً باغتيال الرئيس رفيق الحريري.. 

ولا يمكن النظر الى الهتافات المسجلة في مقاطع الفيديو، على أنها مؤطرة في مناسبة. فالجموع، التي تُعدّ بالآلاف، جاءت تستفتي نفسها بالانتماء للتيار، وتستفتي الحريري نفسه الذي أفضى غيابه الى تشتت في الساحة السنية. 


قد يكون المشهد، بآلافه المحتشدة حول الحريري، أبلغ ردّ على تصورات سابقة حول هذا الجمهور. لطالما اتُهمّ "المستقبل" بتكوين قاعدة الانتماء، عبر تقديم الخدمات، أو عبر وجوده في السلطة. اليوم، التيار نفسه الذي لم يخبر مقاعده في المعارضة أو الاعتكاف، يثبت أنه حاضر، بلا سلطة ولا خدمات. 

ثمة جمهور وفيّ لسعد الحريري، وليس لذكرى والده فحسب. معظم المشاركين في التجمع من أعمار يافعة، لم يعرفوا من رفيق الحريري، إلا إنجازاته، ولم يتعرفوا على ما يتخطى صورته في منازل كثيرين. هؤلاء حضروا لمواساة سعد الذي صعد المنصة، لمرة نادرة، بلا حلفاء ولا أصدقاء. صعدها وحيداً، الى جانب عمته، "أخت الشهيد"، وفرد ثالث من العائلة. صعد المنصة بلا أشقاء ولا أخوة ولا قياديين حتى في تيار المستقبل. صعدها، صامتاً، حزيناً، وآثر عدم إعطاء الذكرى أي بُعد سياسي. 

ثمة جمهور وفيّ لسعد الحريري الذي بات يختصر إرث والده بالفعل. بالحركة والحضور، وليس ببيانات الرثاء، ولا التفجّع في "تويتر". حضر هذا الجمهور ليواسي سعد بفقده، ويواسي نفسه بحضور الزعيم الذي يختبر حضوره بلا سلطة أو أموال أو ترتيبات لوجستية لنقل المناصرين.


بإمكان الحريري اليوم أن يعيد تقييم زعامته، بلا حلفاء اكتشف متأخراً أنهم "خصوم ينهشون جسد الحضور السني في السلطة"، حسبما قال أحد مناصريه في "تويتر".. 

وبإمكانه اليوم أن يبني على قاعدة الغياب، ويختبر فيها حجم الفراغ الذي تركه اعتكافه المؤقت عن الخوض في وحول السياسة اللبنانية، وشعبوياتها القاتلة، وتعمقها في المذهبية، وتغوّلها في التحريض والتقسيم والمناطقية.


هنا، في ساحة الشهداء، يتحسس الحريري فراغ الجمهورية، ويختبر غيابه: وسَط سنّي متشظٍ بين المحاور والطموحات الشخصية لبعض وجوهها الوافدة حديثاً لملء الفراغ، وانقلابات على مدّ عين الطائفة ونظرها، وتقوقع مناطقي كشف حجم الاعتكاف وتداعياته. 

الحريري اليوم، زعيم، بالمعنى التقليدي، لأيام معدودة.. وزعيم سياسي لسنوات. مواجهته الصامتة مع جمهوره، تتضمن تفقداً لأحوال الغيبة، ومكاشفة للأثر المتصل بالمسافة، واختباراً جديداً لتمييز العاطفة من الايمان، والمناصرة من الانتهازية. 

الحريري وحيداً بين جمهوره. ربما للمرة الأولى بلا محللين، ولا ضغوط تفرضها التحالفات واعتبارات السلطة. الحريري إذ تحرر من كل قيود هؤلاء، يواجه جمهوره ويكاشفه، تمهيداً لمراجعة عميقة، ستثمر عودة الى السياسة، لإعادة التوازن للمشهد السياسي الخالي من حضور سنّي متوازن.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها