لكنّ السؤال بحد ذاته يثير السخرية من مستوى الإسفاف المهني الذي وصل إليه الإعلام العبري بأوامر من الرقيب العسكري لضبط إيقاع الدعاية المرافقة للمعركة في الميدان.. فكيف يمكن لقادة الذراع العسكري لحركة حماس الذين خططوا لهجوم "الغلاف" أن يطلعوا مصورين صحافيين بشكل مسبق على هجومهم، في حين أن حركة حماس تُعرف بأنها الأكثر سرية في أنشطتها العسكرية مقارنة بفصائل أخرى، فكيف إذا تعلق الأمر بهجوم الغلاف؟ ناهيك عن أن "القسّام" أخفت الأمر عن حلفائها مثل إيران و"حزب الله".
الحال أن وسائل الإعلام العبرية استندت في تساؤلها على مزاعم نشرتها هيئة الإعلام الموالية لإسرائيل وتُدعى "أونست ريبورتنغ"، مفادها أن "أربعة مصورين لوكالة الأنباء الأميركية AP، ووكالات ومحطات أميركية أخرى، وهم حسن اصليح، ويوسف مسعود، وعلي محمود، وحاتم علي؛ قد التقطوا صوراً تكشف اللحظات الأولى من عملية اقتحام عناصر "حماس" لمنطقة غلاف غزة يوم 7 أكتوبر".
وحسب الهيئة الموالية لإسرائيل، فإنّ هذه الصور نُشرت في وسائل إعلام حول العالم، مع نسب ملكيتها للمصورين ولوكالات الأنباء العاملين فيها.
وادعت أيضاً أن الصور التي ظهرت في الإنترنت بعد حوالى ساعتين من بدء الهجوم، تتضمن مشاهد حرق دبابة إسرائيلية قرب الحدود، ودخول مواطنين من غزة إلى كيبوتس "كفار عزة" واحتجاز إسرائيليين وأخذهم إلى القطاع.
محاولة لـ"تصديق" التحريض!
وفي محاولة من الهيئة المذكورة لتعزيز تحريضها على المصورين الفلسطينيين، أشارت إلى أن أحد المصورين وهو حسن اصليح الذي يعمل أيضاً في شبكة CNN، قد التقط صورة لنفسه في مقطع فيديو بالقرب من دبابة إسرائيلية محترقة. وادعت هيئة "أونست ريبورتنغ" أن حسابها في موقع "X" نشر صورة للمصور وهو يعانق زعيم حماس في غزة يحيى السنوار. كما ادعت أن "المصور علي محمود الذي يعمل أيضًا في صحيفة نيويورك تايمز، قام بتصوير عملية احتجاز الشابة الإسرائيلية الألمانية شاني لوك".
ما الحقيقة؟
عملت "المدن" على التحقق من المزاعم التي نشرتها الهيئة الموالية لإسرائيل، ووجدت أن المصورين الأربعة لم يدخلوا منطقة الغلاف لحظة هجوم "القسّام" وإنما بعد ذلك، وتحديداً في الوقت الذي حصلت فيه حالة من الفوضى ودخلت أفواج من المدنيين القادمين من قطاع غزة باتجاه الغلاف، وعندها سارع المصورون إلى توثيق الأحداث المتسارعة، وصوروا كل شيء يرونه، خصوصاً أن الحدث كان غير مسبوق مهنياً بالنسبة لهم، وتعاملوا مع مشاهد مفاجئة وغير معتادة في تاريخ المواجهة بين إسرائيل وحركة "حماس".
ووفق معطيات "المدن"، فإن هؤلاء المصورين هم أيضاً ناشطون صحافيون في مواقع التواصل، ومتفاعلون دوماً مع كل الأحداث السياسية والاجتماعية. عدا عن أن تواجدهم في منطقة الغلاف كان بمحض إرادتهم وليس بدافع من "حماس" أو وكالاتهم الدولية التي يعملون فيها.
ويُنظر إلى نشر هذا الخبر من قبل الإعلام العبري، بأنه يندرج في سياق تحريض على الوكالات الدولية ودفعها إلى فصل هؤلاء المصورين، بموازاة ترهيبها من مغبة التعامل مع أي مصور فلسطيني لتوثيق حقيقة ما يجري في غزة.. فإسرائيل تريد أن ترتكب مجازر بلا صورة، لتكون "إبادة هادئة ومن دون توثيق لها".
كما يُخشى أن يمهّد الخبر التحريضي لاستهداف طائرات الاحتلال، هؤلاء الصحافيين وغيرهم، خصوصاً أنه جرى استهداف منزل الصحافي الميداني مثنى النجار، وغيره من العاملين في المجال نفسه، إضافة إلى مراسلين آخرين خلال الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة.
مَن هي "أونست ريبورتنغ"؟
تقف منظمة أو هيئة "أونست ريبورتنغ" خلف عمليات تحريض واسعة ضد الشخصيات الداعمة للقضية الفلسطينية في الفترة الماضية، سواء كانت فلسطينية أو عربية أو دولية. كما أنها مسؤولة عن مهاجمة كبرى وسائل الإعلام العالمية بحجة التحيز ضد الاحتلال و"معاداة السامية".
ومن أبرز هجماته ما تناول ثلاثة صحافيين فلسطينيين في آب/أغسطس 2022 بحجة معاداة السامية، ما تسبب في إنهاء صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية التعامل معهم، فضلًا عن تحريضها المستمر ضد منظمتي "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" الرائدتين في مجال حقوق الإنسان.
وبالبحث أكثر عن الهيئة، يتبيّن أنها تتخذ من نيويورك مقراً لها، وتعد نفسها "منظمة غير حكومية" مُسجلة في الولايات المتحدة، تتولى مهمة مراقبة وسائل الإعلام التي تنشر موادّ تفضح ممارسات إسرائيل، وقد وصفها العديد من خبراء الإعلام بأنها "مجموعة مراقبة إعلامية مؤيدة لإسرائيل"، ولديها موظفون إسرائيليون في القدس المحتلة.
ويتضح أن نشأتها مرت في مراحل متعددة خلال 23 عاماً حتى برزت كمنظمة العام 2006، ثم بدأ دورها يتركز أكثر فأكثر في عملية مراقبة المحتوى الإعلامي في الصحافة الغربية على وجه الخصوص، ومحاولة عزل الصحافيين الفلسطينيين عن المنصات الصحافية الدولية، عبر التحريض عليهم في أكثر من مناسبة والتسبب في فصل العديد منهم من قبل وكالات عملوا فيها.. وهدفها الرئيس هو جعل دعاية الاحتلال مُسيطرة في الإعلام الغربي بدعوى أنها "الحقيقة المُطلقة".
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها