#الملثم.. #أبو عبيدة، هما إسمان بوسمَين "هاشتاغَين" يشيران إلى الناطق باسم كتائب "القسام"، ينتشران باللغة العربية كالنار في الهشيم في مواقع السوشال ميديا مع كل حرب إسرائيلية على قطاع غزة. لكن هذين الوسمين كانا أكثر انتشاراً وشعبية وعبوراً لحدود غزة وفلسطين عموماً في خضم العدوان الحالي الذي دخل شهره الثاني.
"الناطق..ضد الناطق"
يطل أبو عبيدة يومياً عند المساء، إما بفيديو مصوّر، أو تسجيل صوتي، ليسرد مجريات القتال كل أربع وعشرين ساعة، ويرد على ادعاءات إسرائيلية، ويقدم سردية قسّامية وفلسطينية في مقابل حملة دعائية إسرائيلية مرافقة للمعركة الميدانية يقودها الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي دانيال هاغاري الذي يخرج بمؤتمر صحافي مرتين في اليوم.. ليكون عنوان المعركة "الناطق مقابل الناطق"، والسردية الفلسطينية في مواجهة الدعاية الإسرائيلية.
الحال أنّ "القسام" بدت أنها تحاول تطوير تكتيكها الإعلامي بما يلائم معركة تعتبرها "فاصلة"، ويصفها الإسرائيلي بـ"الحاسمة"، إذ تحاول "القسّام" المصادقة على روايتها عبر إرفاق كلمة أبو عبيدة بنشر فيديوهات في صفحتها في موقع "تيليغرام" تظهر مقاتليها وهم يخوضون اشتباكات مع قوات الاحتلال المتوغلة في أرض قطاع غزة، وتلحق خسائر في صفوفهم.. وتعد وسيلة لتصعيد الحرب النفسية المضادة والتأثير في معنويات الجنود الإسرائيليين الموجودين في أرض المعركة، بموازاة السعي إلى رأي عام إسرائيلي ضاغط باتجاه وقف الحرب على القطاع.
وتستخدم "القسّام" منهجية "الناطق العسكري" أو نشر بيانات وفيديوهات عبر حساباتها في "تليغرام"، أو قناة "الأقصى" التابعة لحركة "حماس" في غزة، لإعلان أي موقف أو توضيح مرتبط بالشأن العسكري الخاص بها. وفي ذلك، يختلف أسلوبها الإعلامي عن "حزب الله" الذي يتولى أمينه العام حسن نصر الله بشكل رئيسي مهمة التصريح بالشأن السياسي والعسكري في أغلب الأحيان، وتمرير برسائل إلى الداخل والخارج، لا سيما إلى الإسرائيليين.
تفاعل عابر للحدود!
وبمراقبة السوشال ميديا، يُلاحظ أن رواده من الفلسطينيين والعرب يتفاعلون بإعجاب لافت مع أبو عبيدة صوتاً وصورة، ويقومون بتحميل خطاباته في صفحاتهم في مواقع التواصل، أو مقتطفات لأبرز ما جاء فيها، وربما التغريد بكلمات تحتفي بالملثلم، ولو أدت إلى حجب وحظر صفحاتهم، فيكتبون مثلاً: "الملثم يمثلنا، الملثم الممثل الشرعي والوحيد لنا".
اللافت أن الكثير من المشيدين بأبي عبيدة ليسوا متدينين منتمين لحزب إسلامي بالضرورة، بل أن نسبة لا بأس بها من المعجبين به وبنبرة صوته الرنانة، يُعَدّون مستقلين أو لديهم أفكار يسارية وغير ملتزمين دينياً.
شخصية ملهمة؟
وبالغوص في التحليل النفسي والفكري لسبب ذلك، فإن أبو عبيدة يمثل شخصية ألهمت أطيافاً واسعة من الشعوب العربية وأشخاصاً من هذا العالم لكون صوته وصورته ومضمون خطابه بمثابة وسيلة تشفي غليلهم وتواسيهم في خضم شعورهم بالإحباط واليأس والقهر مما يتعرض له الفلسطيني من ظلم واضطهاد من احتلال تحميه ازواجية غربية لدرجة مباركتها ضمناً لدماء تسيل في قطاع غزة جراء آلة الحرب الإسرائيلية.
أبو عبيدة، في النهاية، هي كنية لشخصية مخولة من المجلس العسكري للقسام بتلاوة البيانات والإعلانات العسكرية بلغة عربية فصيحة، بلا أخطاء نحوية، وبنبرته الشهيرة وحركة إبهامه المعتادة.. بعد أن تشارك في صياغته القيادة العسكرية لـ"القسّام".
لكن، بالرغم من أن الاسم والشكل الحقيقيين لهذه الشخصية غير معروفين لكثيرين ويثيران فضول البعض، إلا أنها بمنظور جمهورها، ليست افتراضية ولا وهمية، بل واقعية مئة بالمئة، منهم وإليهم، يفرّغ ما بداخلهم من وشعور بالظلم.
محاولة لـ"كبح شعبيته"
في إسرائيل، تراقب المستويات الأمنية والإعلامية عن كثب، ما يقوله أبو عبيدة وحجم التفاعل معه، لكنها تدأب على عدم التعليق على ما يقوله، أو نشر أي مقتطفات صوتية له، لعدم المساهمة في إنجاح الحرب النفسية التي تمارسها "القسام" من خلال الناطق باسمها أبو عبيدة.
لكنّ "حالة أبو عبيدة" وكمّ الإعجاب به من ناس كثر، دفعت الناطق بلسان جيش الاحتلال أفيخاي أدرعي إلى محاولة كسر رمزية الصورة لأبو عبيدة وتأثيرها في الذهنية الفلسطينية والعربية، على وجه الخصوص، عبر الادعاء أن إسرائيل تعلم الاسم الحقيقي لمن "يتستر وراء كنية أبو عبيدة"، حيث نشر أفيخاي اسمه المزعوم وصورته. والواقع أنّ افيخاي لم يأتِ بجديد؛ ذلك أن الاسم والصورة اللتين نشرهما سبق وأن تم تداولها في السوشال ميديا قبل سنوات.
وربما، تعلم إسرائيل، فعلاً، من هي شخصية أبو عبيدة، وربما لا يهم الأخير أن تكون إسرائيل على علم باسمه الحقيقي وشكله، لكن ما يهمه أكثر أن وقع خطابه كبير على المتلقي العربي والفلسطيني، وأن الكوفية الحمراء التي يرتديها والمذكرة بالجيل القسّامي الأول والمؤسس قد نجحت في ترك الأثر المطلوب.
"معروف لبعض الناس"
وفي السياق، أكدت مصادر من غزة لـ"المدن" أن أبو عبيدة ليس شخصية غامضة أو مجهولة تماماً، فهناك من يعرفه من الناس العاديين، وهو يسير في شوارع غزة بشكل طبيعي.. خلافاً لشخصية محمد الضيف القائد العام لكتائب "القسّام"، المعروف بالتواري عن الأنظار منذ سنوات طويلة.
وتجدر الإشارة إلى أنّ عمر الشخصية العامة لـ"أبي عبيدة" يبلغ قرابة 17 عاماً، إذ ظهر للمرة الأولى كناطق بلسان "القسام" في 25 يونيو/حزيران 2006؛ ليعلن تنفيذ "القسّام" عملية، شرقي مدينة رفح جنوبي القطاع، أدت حينها لأسر الجندي جلعاد شاليط.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها