الجمعة 2023/11/17

آخر تحديث: 20:22 (بيروت)

لبنان المحللين السياسيين... يجتمع على الانقسام

الجمعة 2023/11/17
لبنان المحللين السياسيين... يجتمع على الانقسام
اقتراح البطريرك الراعي "لمّ الصواني" من أجل نازحي الجنوب... اعتبره البعض إهانة
increase حجم الخط decrease
ليست صدفة أن يُطلق على لبنان لقب بلد "المحلّلين السياسيين"، وتحديداً في زمن الأزمات والتوترات والحروب. اللبناني القادر على تحليل أسباب أي أزمة في أي بلد حول العالم، يتميز بمرونة غريبة عجيبة للانقسام، وبسرعة قياسية، وهو ما لوحظ مثلاً في الغزو الروسي لأوكرانيا وانقسام الناشطين بين مؤيد لبوتين ومدافع عن حق الشعب الأوكراني. على الصعيد المحلي، يشعر متصفحو مواقع التواصل الاجتماعي وكأن اللبناني ينتظر الأزمات الداخلية لإشعال "حرب التغريدات والتعليقات". 

لكن المؤسف، افتقاد بلد "المحلّلين السياسيين" لأخلاقيات الانقسام السياسي، حيث تنزلق المواقف المتباينة دوماً نحو الانقسام الطائفي وما يتبعه من سيل لمختلف أشكال خطاب الكراهية. لطالما شكلت منصّة "إكس" (تويتر سابقاً) مصغراً عن الواقع اللبناني، وتحديداً مجموعة الأبواق من صحافيين وناشطين والذين باتوا يصنفون كـ"قادة رأي" للعب على غرائز المتابعين. هؤلاء، ومع آلاف المتابعين والتعليقات، يحددون خريطة التجييش، حتى باتوا يتنافسون بين بعضهم البعض لتصدر "الترند" من خلال الحملات التي يقودونها. 

ما بعد 7 أكتوبر 
انطلقت عملية "طوفان الأقصى" فجر السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وعاش اللبنانيون لفترة حالة من المفاجأة والترقب والمتابعة المفصّلة. حينها، حصدت التعليقات الداعمة للحق الفلسطيني حصة الأسد، قبل أن تتحوّل سريعاً تعاطفاً مع الشعب الفلسطيني وتحديداً الأطفال الذين يواجهون إلى اليوم إبادة من طرف الاحتلال الإسرائيلي. ومع بدء التوترات على الجبهة الجنوبية بين "حزب الله" وقوات الاحتلال في اليوم التالي للعملية، بقي الترقّب سيّد الموقف وسط خشية من امتداد حرب غزة إلى لبنان الذي يعاني تهالكاً نتيجة الأزمة الاقتصادية. 

صحيح أن الموقف اللبناني انقسم بين مؤيد ومحايد ورافض لـ"طوفان الأقصى"، لكنّ الإنقسام الحقيقي تجلّى بعد الخطاب الأول لأمين عام "حزب الله" حسن نصرالله، في الثالث من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي. من الطبيعي أن ينشغل "بلد المحللين السياسيين" بتحليل خطاب نصرالله، خصوصاً أن مقاطع ترويجية سبقت الخطاب الذي وصفه ناشطون "بالمخزي" مقابل مَن وصفوه بـ"العقلاني والحكيم". 

بعد "اطمئنان" فئة من اللبنانيين إلى عدم نية "الحزب" بالتصعيد، وتحديداً بعد الخطاب الثاني للأمين العام والمواقف الإيرانية، عادت منصات التواصل الاجتماعي لتذكرنا بانقسامات طائفية على شكل تلك التي رافقت عرقلة تحقيقات المحقق العدلي طارق البيطار وأحداث الطيونة، وأحداث وتصريحات أخرى.

 
انقسام طائفي حاضر
تثبت فئة من اللبنانيين أن لا انقسام سياسياً من دون الانزلاق للطائفية والعودة بالذاكرة إلى أيام الحرب الأهلية وما شابه. هذا الاسبوع، شكّل تصريح البطريرك الماروني بشارة الراعي مدعّماً Booster للانقسام الطائفي حين قال: "أهالينا في الجنوب يتركون بيوتهم وهذا يعني المزيد من الفقر ولذلك طلبنا من الرعايا تقديم مبالغ مالية ولمّ الصواني يوم الأحد وتقديمها إلى أهلنا القادمين من البلدات الجنوبية".
 
اعتبرت فئة كبيرة من المغردين، تعليق الراعي، إهانة لأهل الجنوب النازحين، ويمكن اختصار غالبية التعليقات في ما مفاده "الشيعة ليسوا بحاجة لك"، وهو ما واجهته القيادات السياسية الشيعية رافضة تلك الحملة. 


في المقابل، ومع نشاط عمليات المقاطعة للعلامات التجارية الداعمة للاحتلال، برزت ردود على الحملة ضد الراعي بالتهكم والفوقية على المحال الموجودة بالضاحية الجنوبية وسائر المناطق ذات الغالبية الشيعية. حصيلة هذه التعليقات: انقسام سياسي بين أنصار "حزب الله" ومعارضين له، انتهى بشرخ طائفي مسيحي - شيعي. 


تأجيج افتراضي
"غداً ستنتهي الحرب في غزة، وسيكملها اللبنانيون كعادتهم عند أي حدث"، يقول الأستاذ والباحث في الشؤون الإعلامية الدكتور علي رمال. ويشير إلى أنّ هناك جزءاً يعمل على التفكيك لطرح الفيدرالية وغيرها من أشكال التقسيم، عدا عن التلاعب بالرأي العام، مع الإشارة إلى أن هناك عناصر خارجية (معظمها بأسماء وهمية) تدخل على الخط لتأجيج الانقسام.

ويضيف رمال لـ"المدن": "صحيح هو تأجيج افتراضي، لكن له حقائق على الأرض، ويُلاحظ غياب البيانات الحزبية التي يتوجب عليها تبريد الوضع خصوصاً أن هناك شخصيات معروفة بالاسم". ويتطرق إلى الحرب الأهلية التي خرج منها اللبنانيون من دون مصالحة وطنية، إلى جانب الدور الكبير الذي لعبه اتفاق الطائف بتعزيز الطائفية، في ظل نظام سياسي حالي يتغذى من هذا الانقسام. 

لا يختلف واقع الوسائل الإعلامية كثيراً عما تشهده منصات التواصل، خصوصاً أن كبرى هذه الوسائل هي حصص سياسية حسب قانون الإعلام. أما المواقع الالكترونية، فهي في غالبيتها غير منظمة مع الإشارة إلى أن "الخبر السلبي" يلقى قبولاً وإقبالاً أكبر لدى الرأي العام.

المفارقة أن الآمال بانتهاء الإبادة الإسرائيلية بحق شعب غزة، لن تنهي الانقسام اللبناني، الذي سيجد حتماً عناصر تباين جديدة، من دون الاهتمام للأسباب.. فما يجتمع عليه بلد "المحللين السياسيين" هو الانقسام فقط. 
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها