أثارت واقعية التصريحات التي جاءت على لسان يمنى الجميل، ابنة الرئيس الراحل بشير الجميل والزعيم الأسبق لـ"القوات اللبنانية"، جدلاً كبيراً في الساحة السياسية والشعبية في لبنان مع تعاظم الانقسام اللبناني حول دخول لبنان في أتون المواجهة الكبيرة مع اسرائيل.
كانت تغريدتها التي عبّرت فيها عن استعدادها للوقوف الى جانب كل لبناني مهما كانت طائفته أو رأيه أو انتماؤه "اذا فُرِضَت الحرب علينا"، قد عرضتها للانتقاد من البيئة المعارضة لحزب الله، وسط تزايد انتشار النظرية القائلة إن كل جنوبي مسؤول عن خياراته السياسيّة بما فيها الحرب.
وفي المقابل تداول هذه التغريدة العديد من الاعلاميين والناشطين في مواقع التواصل الاجتماعي، بدءاً من الرئيس السابق لـ"الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط، وصولاً الى الجنوبيين الذين اعتبروا أن كلام يمنى الجميل "موقف نبيل" يدل على "الشراكة والوطنية والتضامن الشعبي الذي يتخطى منطق التمييز والتمايز على أساس الطائفة والمنطقة".
وعدا عن موقفها الذي برز بشكل حاد هذا العام والرافض للتوطين السوري في لبنان، الذي وصفته بالمشروع "الأميركي المعلن"، مطالبة الأحزاب المسيحيّة المنضوية كعضو مراقب في حزب الشعب الأوروبي لليمين الوسطي والذي يضم 83 حزباً من 44 دولة من بينها حزبا "الكتائب" و"القوات اللبنانيّة"، بالانسحاب اذا ما تم التراجع عن المادة 13 التي تشكل تهديداً للديموغرافيا اللبنانيّة ومقدمة لدمج اللاجئين السوريين في لبنان بحسب قولها... ليست ليمنى الجميل مواقف حاسمة خرجت الى العلن أو حصلت على اهتمام شعبي بالمقارنة مع مواقف شقيقها نديم، النائب الحالي. لكنها، رغم ذلك، احتفظت لنفسها بـ"حرية الموقف والرأي" لتغرد بموقف معتدل يجنب البلاد أي تهديد للسلم الأهلي بموازاة اشتعال الجبهة الجنوبيّة.
رسمت يمنى الجميل صورة جديدة للجيل الجديد من العائلة. يرى كثيرون اليوم أن "لبنانية" الموقف الذي عبرّت عنه الجميل، هو ما يحتاج اليه لبنان واللبنانيون في ظل الوضع المقلق والحذر الذي يعيشونه. تمسكها بالـ10452 كلم، على خطى والدها، يثبت حق لبنان بالدفاع عن نفسه وضرورة تأطير هذا الدور في شكل رسمي هو من مهام المؤسسة العسكريّة. ومع أن هذا الموقف مبدئي، إلا أنها في هذا الوقت تخاطب الجنوبيين الذين يشعر بعضهم بالعزلة المكانية، فضلاً عن "النبذ السياسي" على خلفية نظرة سياسية يرى البعض أنها ناتجة عن تعاظم سيطرة طرف على آخر، في مقابل خطاب آخر يتماهى مع مشروع الفيدراليّة الطائفيّة القائمة على التقسيم والتي علت أصوات مناصريها أخيراً.
الانفتاح السياسي الذي تحمله الجميل ليس أمراً جديداً. ففي مقابلة مع الاعلامي سامي كليب، مطلع العام الحالي، عبرّت الجميل بحنكة سياسية عن عدم رفضها لأي مرشح رئاسي إذا عرض برنامجاً واضحاً يفيد اللبنانيين جميعاً، وذلك حين سألها عن المرشح سليمان فرنجية. على عكس الموقف السياسي لـ"الكتائب" الرافض بشكل قطعي لحيازة فرنجية المقعد الرئاسي الشاغر منذ عام، ولو كان الحل الوحيد والأخير. كذلك، لم تُبدِ الجميل ممانعة امام تشكيل وفد رسمي ثالث لزيارة سوريا "طالما ذلك يساعد في ضمان عودة اللاجئين" بعد "فشل" الزيارات السابقة في الوصول الى حل.
تحاول الجميّل، بالتقاطع مع الجميع، أن تتبنى خطاباً وسطياً، وتغلّب المصلحة الوطنية على أي مصلحة شخصية أو حزبيّة أخرى، فتتعامل مع الوضع الحالي كاستثناء لتعيد بناء الأولويات، وتتصدرها "الوحدة الداخلية" في ظل الاعتداء على سيادة لبنان.
هذه البراغماتية، التي عرّضت الجميّل لانتقادات وصلت إلى حد تعبير البعض عن عدم رغبتهم في التصويت لها في حال قررت الترشح الى البرلمان، قد تكون براغماتية ايجابية إذا استمرت بشكل ثابت بالتوجه الى جميع اللبنانيين من دون استثناء، وتوحيد توجهاتهم لبناء دولة للجميع رغم الاختلافات، وتكريس خطاب بديل يقوم على تسليط الضوء على المشتركات الوطنيّة وأولها مواجهة أي اعتداء خارجي يهدد لبنان.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها