وقالت صحيفة "نيويورك تايمز"، التي التقت عدداً من هؤلاء المؤثرين، أنه بينما تمنع إسرائيل ومصر معظم الصحافيين من دخول غزة، يقوم الفلسطينيون بتوثيق الدمار الذي خلفته الغارات الجوية الإسرائيلية والغزو البري، عبر حساباتهم الشخصية في "إنستغرام". ويستخدم هؤلاء المؤثرون، الذين يجيدون اللغة الإنجليزية، هواتفهم، لنقل ما يجري في غزة لعدد كبير من متابعيهم.
من بين هؤلاء، الشاب معتز عزايزة (24 عاماً) الحاصل على درجة البكالوريوس في الترجمة الإنجليزية من إحدى جامعات غزة. وبدأ عزايزة الحديث أول مرة عن التجربة التي عاشها في 7 تشرين الأول/أكتوبر عندما شنت "حماس" هجومها المباغت على جنوب إسرائيل وقتلت نحو 1400 شخص، واختطفت عشرات آخرين.
في ذلك اليوم تأخر عزايزة في النوم حتى الساعة الرابعة صباحاً، نتيجة انشغاله بتحرير مقطع فيديو لوكالة تابعة للأمم المتحدة حيث كان يعمل كمنتج بدوام جزئي. وبعد ساعتين، استيقظ على أصوات الانفجارات وركض إلى سطح منزله ليرى وابلاً من الصواريخ فوقه. ولم يكن هناك أي تحذير، ولم يكن هناك أي تبادل لإطلاق النار، وهو ما يشير عادة إلى اندلاع حرب شاملة.
بعدها أخذ عزايزة كاميراته وتوجه للخارج عندما شاهد مسلحين فلسطينيين يقودون سيارة جيب عسكرية إسرائيلية ومعهم ثلاثة محتجزين، اثنان منهم يرتديان الزي العسكري، واستعرضوهم أمام السكان. وقام الشاب بتصوير المشهد، وحمّل الفيديو لمتابعيه في "إنستغرام" البالغ عددهم 24 ألفاً.
وقال عزايزة: "لم أكن أعرف حتى ما الذي أشعر به.. لم نكن نعلم أن سيارة الجيب هذه ستجلب علينا هذه الكارثة". ومع بداية الحرب ارتفع عدد متابعي عزايزة في "إنستغرام" لنحو 13 مليون. ورغم ذلك كانت لتغطيته وشهرته كلفة، فهو يجد الآن صعوبة في التركيز، ويشعر بالإرهاق بسبب ما شاهده من دمار وقتل، ويخشى على سلامته.
وشاهد عزايزة زملاءه وهم يقتلون وكيف كانت منازلهم تنهار نتيجة الغارات الجوية، كما أنه أضطر أحياناً لإخراجهم من تحت الأنقاض. وفي النهاية اضطر لمغادرة منزله. وفي 4 تشرين الثاني/نوفمبر، نشر مقطع فيديو ذكر فيه أنه لم يعد موجوداً في مدينة غزة، وأن العودة ستكون محفوفة بالمخاطر لأنها كانت محاصرة من قبل القوات الإسرائيلية. وقال في مقطع فيديو: "أشعر أن جسدي سينهار. أتمنى أن أتمكن من تغطية كل شيء، لكن سأحاول تغطية ما أستطيع من دون المخاطرة بحياتي".
أما هند الخضري (28 عاماً) فأجبرت هي الأخرى على ترك منزلها بعد فترة وجيزة من بدء الحرب في غزة. وتعمل الخضري مراسلة مستقلة لوكالة "الأناضول" التركية الرسمية، وتعد واحدة من الصحافيات القليلات في مكان الهجمات.
وأثناء قيامها بمهمة صحافية، أوعزت إسرائيل بإجلاء السكان من شمال غزة، لتنضم وعائلتها إلى مئات الآلاف من الفلسطينيين الفارين جنوباً. واستمرت الخضري في توثيق مشاهد الحرب، لكنها لم تتمكن من العودة إلى منزلها بعد تعرض الحي الذي تقطنه للقصف.
وفي مقاطع الفيديو التي تنشرها في "إنستغرام"، تصف الخضري الأماكن التي كانت قائمة قبل الانفجارات ووسط الأنقاض، وتشارك مقاطع عن حياتها في زمن الحرب. ومازالت الخضري بعيدة من عائلتها المكونة من زوجها ووالدتها وإخوتها الثلاثة وابن أخيها البالغ من العمر 5 سنوات، لكنها رغم ذلك مصممة على إبقاء متابعيها على اطلاع بما يجري.
وقالت الخضري أن "الناس يريدون الاستماع والقراءة. الآن، أشعر بمسؤولية كبيرة"، علماً أنها فقدت العديد من الأصدقاء خلال الحرب، وأيضاً لم تنجُ عائلات زملائها من الموت. وأكملت: "نحن عاجزون عن الكلام ومخدّرون، نظن أن أرواحنا قد انطفأت".
من جهتها، فوجئت نور حرازين (34 عاماً)، التي تعمل مراسلة في شبكة "سي جي تي إن" الصينية، بهجوم "حماس" على إسرائيل، لكنها سرعان ما أدركت خطورة عواقبه. وهي كزوجة وأمّ لطفلين، تعد السلامة هي من أهم أولوياتها، لذلك اتخذت القرار الصعب بالفرار إلى الجنوب مع عائلتها.
وانتقلت حرازين إلى غزة من الإمارات العربية المتحدة مع والديها، قبل الحرب الأهلية العام 2007 بين الفصائل الفلسطينية التي أفضت إلى سيطرة حركة "حماس" الإسلامية على غزة. وخلال السنوات التي تلت ذلك استثمرت حرازين في غزة، حيث افتتحت متجراً لمستحضرات التجميل العام 2019.
وتعيش حرازين حالياً في شقة تضم حوالى 20 شخصاً، وتتقاسم السرير مع زوجها وطفليها، حيث يعتمدون بشكل رئيسي على التونة المعلبة للبقاء على قيد الحياة. وتقضي حرازين معظم وقتها في أحد مستشفيات غزة لتكتب تقارير عن الجرحى هناك، وتنشر قصصهم عبر "إنستغرام" حيث وصل عدد متابعيها إلى 100 ألف متابع في أقل من ثلاثة أسابيع.
وتركز مقاطع الفيديو التي تنشرها حرازين على الضحايا الأصغر سناً، مع صور محزنة لأطفال حديثي الولادة أصيبوا بجروح، وآخرين تعرضوا لصدمات نفسية. وقالت أنها تتذكر بوضوح يوم 15 تشرين الأول/أكتوبر، عندما كان معظم الضحايا الذين رأتهم في المستشفى من الأطفال: "بعضهم فقد أطرافه، والبعض الآخر كان ممزقاً".
وأكملت حرازين: "كان ذلك أحد أصعب الأيام بالنسبة لي في الحرب. لم أجد الكلمات للتعبير عن المشهد وأنا أقف أمام الكاميرا".
وبلغ عدد الفلسطينيين الذين لقوا مصرعهم جراء الحرب في قطاع غزة نحو 11 ألف شخص، بحسب إحصائيات وزارة الصحة التابعة لـ"حماس" وأصيب 26905 فلسطينيين آخرين. فيما أعلنت الأمم المتحدة الجمعة أن أكثر من 423 ألف شخص أُجبروا على الفرار من منازلهم في القطاع المكتظ بـ2.3 مليون نسمة.
التعليقات
التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها