الجمعة 2023/01/06

آخر تحديث: 15:38 (بيروت)

تململ قاعدة النظام السوري يصل للفنانين: استجداء سبل العيش

الجمعة 2023/01/06
تململ قاعدة النظام السوري يصل للفنانين: استجداء سبل العيش
الممثلة سوسن علي عاجزة عن توفير الطعام في منزلها منذ ما يقارب الشهر
increase حجم الخط decrease
يعيش السوريون اليوم، داخل مناطق سيطرة النظام السوري، أزمة اقتصادية خانقة، هي الأسوأ منذ اندلاع نيران الثورة السورية العام 2011، أو ربما في تاريخ سوريا. الأزمة أثرت بشكل واضح في مختلف فئات المجتمع السوري، بما فيها الفنانين السوريين المعروفين، الذين قد يظن البعض أنهم يملكون ما يكفيهم من المال ليعيشوا في فقاعة آمنة تفصلهم عن هموم الشارع.

لكن ذلك غير صحيح إطلاقاً، فالوضع الاقتصادي المزري بات يدفعهم للظهور في وسائل الإعلام وسرد حكاياتهم الموجعة في سبيل البحث عن فرصة عمل وحل لوضعهم المؤسف. قوبلت تصريحاتهم بصمتٍ رهيب من قبل نقابة الفنانين السوريين، التي يبدو أن وظيفتها الوحيدة منحهم العضوية وتحصيل الاشتراكات الشهرية.

قد تكون أكثر حكايات الفنانين السوريين حزناً، هي حكاية الممثلة سوسن علي، التي حصدت شهرة واسعة في أواخر التسعينات من خلال مشاركتها في بطولة العديد من الأعمال الدرامية الحلبية، كمسلسل "خان الحرير" ومسلسل "سيرة آل الجلالي". سوسن علي عادت إلى الشاشة من البوابة الضيقة جداً، بظهورها مع الإعلامي شادي حلوة، في برنامجه "الناس لبعضها"، الذي يطرح فيه أسئلة بديهية على المارة في الشارع، ليمنحهن جوائز مالية كهبات، يعطيها بدافع التعاطف أو الشفقة. 


الفيديو الذي ضجت به مواقع التواصل الاجتماعي، هو لقاء أجراه شادي حلوة مع سوسن علي ضمن البرانامج، أمام باب نقابة الفنانين في مدينة حلب، الذي كان مغلقاً في وجهها، لتصرح علي أنها تعمل في الوقت الحالي كمستخدمة (عاملة تنظيفات أو مطبخ) في مديرة التربية، على الرغم من تحصيلها العلمي العالي، فهي حائزة على إجازة في اللغة العربية، بالإضافة الى كونها عضوةً في نقابة الفنانين، وأشارت علي إلى الظروف المعيشية الصعبة التي تمر بها، وبأنها عاجزة عن توفير الطعام في منزلها منذ ما يقارب الشهر.

عكست تصريحاتها الوضع الرديء الذي يعيشه أغلب السوريين في الداخل اليوم، وسلطت الضوء على مدى اهتراء مؤسسات الدولة وعدم قدرتها على القيام بدورها وفسادها. فنقابة الفنانين اليوم تترك المنتسبين إليها ليواجهوا الموت والجوع من دون أن تقدم أي نوع من أنواع الدعم.


بالنسبة لشادي حلوة، فقد حاول أن يتعامل في مقابلته مع سوسن علي بطريقته المعتادة، التي يستعرض فيها التعاطف ويمد يد العون القصيرة، بجوائز بالكاد تصل إلى 100 دولار أميركي، لكنه فجأة تخلى عن الدور الإنساني الجديد الذي يحاول أن يلعبه وعاد لشخصيته التشبيحية المعهودة، ليقوم بإسكات علي عندما حاولت انتقاد الوضع العام الذي تمر به سوريا؛ لينهي المقابلة بالعودة للأسئلة البديهية السخيفة في الرياضيات، ويقدم لها مبلغ نصف مليون ليرة (80 دولار) الذي بالكاد يكفيها لتأمين حاجاتها الأساسية لأيام قليلة قبل أن تعود إلى المعاناة ذاتها.

بعض التعليقات على المقابلة برر الحالة السيئة التي تعيشها الفنانة، بقيمتها الفنية ونجوميتها المحدودة، خصوصاً أن شهرتها بالكاد تتعدى محافظتها حلب، ليشيروا أن هذه الحالة استثنائية ولا تمثل معاناة الفنانين في سوريا. 

هذه التبريرات التي تفتقد للتعاطف والحسّ الإنساني، يمكن مواجهتها ودحضها بدورها، من خلال الإشارة إلى المقابلات الأخيرة التي ظهر فيها النجوم الأكثر شهرة وشعبية، والذين لم يرحلوا عن وطنهم.

فمقابلة أيمن زيدان الأخيرة في برنامج "المجهول" بدت وكأنها استجداء للحصول على فرصة بالدراما المشتركة، والنجوم الأقل وزناً بدوا بحالة مزرية فعلياً، لا سيما الفنانين الذين علت أصواتهم لانتقاد الحكومة السورية، حتى وإن كانت انتقادات محدودة لا تتعدى الأحوال المعيشية؛ فهؤلاء يتم استبعادهم من سوق العمل الفني ويتم تهميشهم بشكل ممنهج. 


المثال الأبرز ضمن هذا السياق هو الفنان بشار إسماعيل، الذي ظهر مؤخراً في مقابلة مع الإعلامية اللبنانية رابعة الزيات في برنامج "شو القصة"، وتحدث بكل صراحة عن كواليس الإنتاج الثقافي والفني السوري، ليشير إلى لقائه مع وزيرة الثقافة السورية لبانة مشوح في دبي، التي طلبت منه تخفيف كتاباته الناقدة للحكومة في وسائل التواصل الاجتماعي كشرط لدعمه في الحصول على فرص في الأعمال الدرامية! 

وانتقد اسماعيل بشكل لاذع الفساد في المؤسسة العامة للسينما وفي نقابة الفنانين، قبل أن يتحدث عن عمله الحالي، حيث ذكر أنه أصبح يعتاش الآن من عمله بالزراعة، ليفتح الباب بعدها على الحكومة من جانب آخر، وينتقدها لعدم دعمها الفلاحين وعدم توفير السماد. "الوضع الاقتصادي سيء كيفما نظرت إليه"، بحسب بشار إسماعيل، الذي أشار إلى أنه أصبح مضطراً لبيع جزءاً من أراضيه ليتحمل التكاليف المعيشية الأساسية. 


كلام بشار إسماعيل لا يعكس الحالة الاقتصادية المتردية فحسب، بل يعكس أيضاً الآلية المتبعة في الوسط الفني، الذي يُجبر فيه الفنانون على التطبيل والتملق للحصول على فرص عمل تضمن لهم الاستمرار، كما أضاء إسماعيل على مشاكل محورية تواجه الفنانين السوريين اليوم في الداخل، وهي تبخيس أجرهم من قبل شركات الإنتاج الوطنية، التي تحاول الاستفادة من فروق سعر تصريف الدولار مقابل الليرة لمحاسبتهم بأقل الأجور الممكنة، وانحياز التلفزيون السوري لإنتاج أعمال لمجموعة مهيمنة من النجوم، من دون إتاحة فرص حقيقية للشباب أو للممثلين المتواجدين في الداخل.

معظم المقابلات الفنية الأخيرة، يبين أن الفنانين الذي لم يخرجوا من سوريا في حالة مزرية حقاً، وبين بعضها أن الطريقة الوحيدة للحصول على فرص عمل خارج المحسوبيات، هي اللجوء إلى الإعلام ومحاولة خلق حالة من التعاطف من قبل الجمهور، كما فعلت الممثلة حنان اللولو، التي ظهرت في برنامج "إنسان" مع الإعلامي عطية عوض مؤخراً، وأخبرت الجمهور بقصة دخولها للمجال وعن معاناتها وتهميشها خلال الأعوام الماضية، لتحصل على فرصة للعودة إلى الشاشة الصغيرة بعد سنوات طويلة من الانقطاع، إذ انتهت الحكاية نهاية سعيدة بظاهرها، حين صرحت المخرجة رشا شربتجي برغبتها بالعمل مع حنان اللولو في أعمالها الدرامية المقبلة.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها