الإثنين 2023/01/30

آخر تحديث: 13:23 (بيروت)

لماذا يغيب المسلمون عن نقاش التغير المناخي؟

الإثنين 2023/01/30
لماذا يغيب المسلمون عن نقاش التغير المناخي؟
نجوم سوشال ميديا مشاركون في حملة بالتعاون مع الأمم المتحدة
increase حجم الخط decrease
في سلسلة "عيلة خمس نجوم" الكوميدية الشهيرة، مشهد لا ينسى لشخصية أم تيسير التي أدتها باقتدار الممثلة هدى شعراوي، وهي تتساءل عن معنى البيئة وحزب الخضر أمام جارتها أم أحمد (سامية الجزائري) التي تقيم معها شابة ألمانية تتعلم اللغة العربية في دمشق. تكرر أم تحسين مراراً: "شو هي البيئة أم أحمد، والله ما عم أفهم عليكي"، وتخلط بين حزب الخضر و"الخضر عليه السلام"، بشكل يظهر غياب المعرفة بشأن ما يعتبر من البديهيات ربما لملايين من البشر الآخرين، في مقابل حضور الغيبيات الدينية. والحالة، رغم كونها كوميدية تلعب على المبالغة والتناقض من أجل الإضحاك، تلخص وضع فئات عديدة في مجتمعات الشرق الأوسط، والتي تبدو خارج ما يحدث للكوكب من تغير مناخي بأثار مدمرة، وذلك، على الأرجح، لأسباب لا تنحصر في التدين بل تمتد للسياسة.



وحملة "Two billion strong" العالمية التي انطلقت قبل أيام في بريطانيا، من أجل مخاطبة المجتمعات المسلمة حصراً بشأن قضية التغير المناخي، لا تتحدث عن الأسباب المباشرة لإهمال هذه القضية الحيوية المعاصرة، بل تسعى لإشراك المسلمين الذين يشكلون نحو ربع سكان الكوكب، في النقاش بشأن قضية التغير المناخي التي تؤثر في الجميع بلا استثناء، عبر حشد مجموعة من المؤثرين ونجوم السوشال ميديا المسلمين حصراً، لرفع الوعي بشأن التغير المناخي.

وتقول نازيا سلطان، مؤسِّسة منصة "Sustainably Muslim" التي تتوجه للمسلمين من أجل الحفاظ على البيئة، كواحدة من المشاركين في الحملة: "يشكل المسلمون ربع السكان في الكوكب. تغير المناخ يؤثر فينا بشكل غير متناسب ، لكن العالم لا يستمع. الحملة تضخم أصواتنا كي نتأكد من أننا مسموعون من قبل أولئك الموجودين في السلطة بما يسمح لنا بأن نكون جزءاً من التغيير. مجموعتنا من المؤثرين والناشطين والخبراء تعمل بجد لزيادة المشاركة والمحادثات حول تغير المناخ داخل المجتمع. هدفنا النهائي هو عالم يكون فيه المسلمون أساسيين في إنهاء أزمة المناخ".

View this post on Instagram

A post shared by @twobillionstrong


والحملة، التابعة لمنظمة "Purpose" التي تعمل مع الأمم المتحدة، موجّهة إلى المسلمين في الدول الأوروبية، تحديداً بريطانيا، على أن تُطرح مبادرات مماثلة مخصصة لدول أخرى تباعاً.

وتبدو الحملة بالتالي وكأنها تحاول حشد المسلمين في الدول الأوروبية من بوابة الانتماء لمجموعة دينية عابرة للحدود، ما يشير إلى مسألة الاندماج التي تثار كثيراً في أوروبا بشأن المجتمعات المسلمة التي يراها كثر منغلقة على نفسها. ويعطي ذلك انطباعاً بأن الحملات الكثيرة والمستمرة بشأن المناخ، والتي حضرت في أوروبا على نطاق قومي، لم تنجح في اختراق المجتمعات المسلمة والوصول إلى أفرادها إلا عبر هذا النوع من الحملات التي تتحدث عن المسلمين بوصفهم مسلمين لا بوصفهم مواطنين أوروبيين. فتحضر الآيات القرآنية وغيرها من النصوص الدينية التي تشجع على حماية الكوكب بشكل أو بآخر، كمدخل للحديث عن قضية التغير المناخي التي تصبح وكأنها خطيئة صغيرة أو مخالفة للشريعة من قبل أفراد ملتزمين دينياً.

يتعزز هذا الشعور عند متابعة فيديوهات الحملة في "أنستغرام"، حيث يحضر الحديث عن الفيضانات في بنغلادش وباكستان، أو الجفاف في الصومال وأفغانستان، من قبل المؤثرين المترفين في لندن. لكن الحملة، على ما يبدو، تنطلق من نطاق محلي بغرض خلق تأثير عالمي، على غرار حملات مثل "مي تو" و"بلاك لايفز ماتر" وغيرهما. وبالنظر إلى أهمية الموضوع، فإن الحملة تبقى نبيلة في أهدافها، ومن المهم أن تستمر كي تتوسع في نشاطها حتى من أجل مخاطبة المسلمين بلغاتهم في مجتمعاتهم المحلية إلى جانب الانجليزية، إضافة إلى العمل مع منظمات إسلامية كبرى في المنطقة أيضاً، وعدم الاكتفاء بنجوم السوشال ميديا.

ويشمل المؤثرون المشاركون في الحملة، صانع الأفلام الوثائقية سيد جازيب علي، الذي يلتزم برواية القصص الإنسانية، والمحلل محمد ناصيف، الذي يهتم بالعلوم والسياسة والبيانات الخاصة بأزمة المناخ، والناشطة أميرة إقبال، التي تعمل على زيادة الوعي بأهمية البيئة في الإسلام، وغيرهم من ناشطين وصحافيين يقومون جميعاً بإنشاء محتوى "لإلهام جماهيرهم" من أجل "تمكين وتوحيد الأصوات الإسلامية في الكفاح من أجل عدالة المناخ ومساعدة المزيد من المسلمين على أن يصبحوا أصواتاً مؤثرة في الكفاح من أجل عدالة المناخ".

View this post on Instagram

A post shared by @twobillionstrong


وبالنظر إلى الفتاوى الكثيرة والخطب الدينية والمقالات ومشاركات رجال الدين، خلال العقدين الأخيرين، بشأن التغير المناخي، والتي تمتلئ بها الإنترنت وتكرر ما تقوله الحملة تقنياً من دون تأثير حقيقي أو ملامسة ثقل التغير المناخي والضرر البيئي على الناس، فإن المشكلة غالباً ما تعود إلى السياسة وغياب الديموقراطية والشفافية. أما مشاركة الأفراد أنفسهم في التلوث، كإلقاء القمامة في الأنهار مثلاً أو قطع الأشجار أو الصيد الجائر وغيرها من الممارسات العدائية، فإنها لا ترتبط بالضرورة بغياب المعرفة بخطورة هذه الممارسات، بل لعلها تمتد إلى مفهوم أوسع هو "مجتمع القهر" الذي تغيب فيه قيمة الإنسان مقابل قيمة السلطة الحاكمة، ما يكرس مفهوم الضعف الخاص لدى الأفراد، ويخلف لديهم حالة استقواء على الآخرين أو لا مبالاة بمحيطهم، ولو أنهم يعيشون فيه، كونه في نظرهم ليس أولوية على الحالة الاقتصادية والسياسية.

بالتالي، ما لا تتحدث عنه الحملة هو الأسباب الأعمق لتجاهل كثير من المجتمعات المسلمة للتغير المناخي وقضايا البيئة، رغم مؤشرات التلوث العالية. فمن جهة، يؤمن البعض بنبوءات دينية قديمة، مردها أن التغير المناخي إيجابي وجزء من خطة إلهية قبيل يوم القيامة. ومن جهة أخى، يعتقد آخرون بأنها مشكلة الدولة المسيطرة على كل شيء، دون المجتمع. أو أكثر من ذلك، أنها مشكلة الدول المتقدمة وحدها، بوصفها المسؤولة عن أكبر قدر من انبعاثات الكربون. كما أن مشكلة التغير المناخي تبدو دائماً في النقاشات العامة، وكأنها ذات أثر مستقبلي بعيد في مقابل الكوارث اليومية التي يعيشها الأفراد في دول ذات غالبية مسلمة، مثل الحروب الأهلية والاضطرابات السياسية والفقر والجوع والبطالة وغيرها.

ومن الضروري القول أن الموضوع في مجمله بالتالي يرتبط بأن غياب الديموقراطية، يجعل الأفراد غير مؤثرين وغير مبالين بالشأن العام، مهما كان نطاقه، إلى جانب أن أساسيات في علوم المناخ تبقى بعيدة عن التعليم الرسمي، ما يجعل المعرفة بشأنها محدودة، خصوصاً أن علم المناخ يرتبط إلى حد كبير بعلوم تلامس المحرّمات الدينية مثل الأنثروبولوجيا، ما يجعله في أدنى أولويات بعض الحكومات المحلية.

كما أن الدعاية الرسمية في الكثير من الدول ذات الغالبية المسلمة، تركز على فكرة الغرب الشرير في كافة مجالات الحياة، بما في ذلك التغير المناخي، فتصبح الحكومات المحلية التي لا تفعل شيئاً، في دعايتها الخاصة، عاجزة لسبب وجيه هو "تكالب" الدول العظمى عليها. وتصبح قضايا حيوية، مثل الجفاف في سوريا أو التصحر في مصر أو الفيضانات وحرائق الغابات وغيرها، مشاكل تسَبّب بها الغرب بشكل غير مباشر، لا أكثر، بشكل يخلي مسؤولية الحكومات الفاسدة والتي تستفيد من تلك الكوارث وتتسبب فيها أحياناً.

View this post on Instagram

A post shared by @twobillionstrong

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها