الخميس 2023/01/26

آخر تحديث: 14:35 (بيروت)

شادي حلوة معتقل بتهمة "إثارة النعرات الطائفية"...لكنها إثارة لطيفة!

الخميس 2023/01/26
شادي حلوة معتقل بتهمة "إثارة النعرات الطائفية"...لكنها إثارة لطيفة!
"المراسل الأول في حلب"
increase حجم الخط decrease
ليس غريباً أن يقرر النظام السوري اعتقال مراسله المدلل شادي حلوة، الذي ملأ الفضاء حوله بالتشبيح والتطبيل والرقص على جثث السوريين منذ العام 2011، حتى لو توهّم مراسل التلفزيون الرسمي في حلب أنه أكبر وأهم من أن تلاحقه سلطات النظام المشهورة بقمع الحريات. لكن الغريب فقط هو إصدار حكم قضائي استباقي بسجن حلوة 6 أشهر مع غرامة مالية بسيطة بتهمة "إثارة النعرات الطائفية".

وتعود الغرابة إلى أن نظام الأسد عندما يقرر اعتقال أحد المغضوب عليهم، فإنه لا يلجأ عادة إلى إصدار أحكام قضائية مسبقة ولا يتبع الشكليات الرسمية الواردة في القوانين ذات الصلة، بل يرسل فرقة مدججة بالسلاح مثلاً لتنفيذ اعتقال سريع أو يعمم اسم المطلوب على الحواجز المنتشرة في كل مكان مثلما حدث مع المذيعة في التلفزيون السوري هالة الجرف مطلع العام 2021 على سبيل المثال. ولا يتحول حدث مماثل إلى خبر إلا بعد أيام، أو حتى أسابيع، مع محاولة عائلة الشخص عادة إبقاء الأمر سراً على أمل الوصول إلى حل ما من دون لفت الانتباه.



والتهمة الخطيرة التي تلاحق حلوة شكلياً اليوم، مشهورة في سوريا بخطورتها حيث يلحقها النظام بالمعتقلين السياسيين والكتاب والصحافيين المستقلين، كما أنها دائمة الحضور لتهديد الأفراد حتى من قبل القضاة أنفسهم للتراجع عن استئناف قرار قضائي مثلاً أو عند العند في تقديم اعترافات قسرية وغيرها من الحوادث التي يتحدث عنها السوريون في شهادات شخصية موثقة، لكنها في حالة حلوة تثير فقط الضحك بسبب هزلية طرحها من قبل الأطراف المعنية، علماً أن التهمة المذكورة تترك عادة لتقدير القاضي لتفسيرها حسب قناعته الشخصية لعدم وجود ما يحدد ما يثير النعرات الطائفية بدقة، كما هو الحال مع كافة الاتهامات الفضفاضة المماثلة في سوريا الأسد.

وعلنية ما يحدث مع حلوة، الشهير بمرافقته للقائد في الجيش السوري سهيل الحسن الذي تم ترفيعه من عميد إلى لواء مؤخراً، تشير إلى أن الموضوع أشبه بتهديد لحلوة لا أكثر، كي يلتزم الصمت في ملفات فساد مختلفة تحدث عنها في حلب، لإدراك من يقفون وراء التهديدات ووراء الدعوى القضائية في مجلس المدينة، بأنهم غير قادرين على المساس به من جهة، ولرغبتهم في الاستفادة منه ربما في تلميع صورتهم في المستقبل مثلاً أو غير ذلك من النظريات التي انتشرت في مواقع التواصل.

والحكم الصادر عن محكمة بداية الجزاء في حلب يعود إلى الدعوى القضائية التي رفعها مجلس مدينة حلب إلى محافظ حلب في أيلول/سبتمبر 2021 بعد كتابة حلوة منشوراً في تموز/يوليو من العام نفسه، تساءل فيه: "إلى متى سيبقى القائمون مكتوفي الأيدي تجاه تحريك عجلة الإنتاج، مجلس المدينة لديه أملاك في مناطق حساسة وعاجز حتى عن طرح أي مشروع"، واعتبر أن "إدارة حلب يجب أن تكون ممن يعرفها جيداً". واعتبر مجلس حلب أن حلوة يثير النعرات الطائفية بين أبناء الريف والمدينة، واتخذ المجلس صفة الادعاء الشخصي ضده، فيما تم تفسير العبارة التي كتبها حلوة حينها بأن شكوى من وجود مسؤولين في محافظة حلب تعود أصولهم إلى الساحل السوري، ما اعتبر إثارة للطائفية أيضاً.

وعلى الأرجح لن يوصل الحكم بحق حلوة إلى نتيجة تُذكر، بسبب صلات حلوة مع المسؤولين المختلفين بما في ذلك قادة في الجيش وقادة المليشيات والنافذين من أمثال عائلة القاطرجي، من جهة، ولأن "الجريمة" التي ارتكبها مشمولة على الأغلب بمرسوم العفو الرئاسي الذي أصدره رئيس النظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي من جهة ثانية حسبما أشار ناشطون موالون، علماً أن حلوة أشار في مقطع فيديو نشره في "فايسبوك" إلى أنه استانف الحكم متحدثاً عن "ثقته في القضاء".



وكان إعلاميو النظام والناشطون الموالون يعتقدون أن دفاعهم عن النظام وجرائمه خلال سنوات الحرب السورية، كاف لنيلهم مكانة مرموقة بعد "نهاية الحرب"، مدفوعين ربما بوهم خلقه النظام عبر إعطائهم هامشاً من الحرية قبل سنوات لتقديم انتقادات للحكومة والمسؤولين، قبل أن يتراجع عن ذلك في السنوات الأخيرة، مفعلاً قوانين مكافحة الجرائم المعلوماتية، من أجل اعتقال الأصوات الناقدة بتهم فضاضة مثل "وهن نفسية الأمة"، ومن بينهم ناشطون مثل وسام الطير الذي كان يدير صفحة "دمشق الآن" في "فايسبوك"، والمذيعة في التلفزيون الرسمي هالة الجرف.

لكن حلوة، بعكس هؤلاء، لم يتجاوز الخطوط الحُمر، ولم يخالف خطاب السلطة نفسها بانتقاده الأوضاع المعيشية في البلاد، بل لا يتعدى ما يحدث معه مجرد خلافات مع شخصيات نافذة هنا أو هناك، وهو أمر طبيعي في دولة تتصارع فيها تلك الشخصيات في ما بينها على النفوذ والمصالح والأموال. وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها حلوة لمضايقات مشابهة، ففي مطلع العام 2018، أُقيل حلوة من برنامج "هنا حلب" الذي كان يقدمه عبر التلفزيون الرسمي، واتَّهَم حلوة حينها وزير الإعلام السابق عماد سارة بالوقوف وراء القرار. كما تم إغلاق مقر إذاعة "صدى حلب" التي يديرها حلوة، في تموز/يوليو 2018، بعد مداهمته من قبل الشرطة.

وفيما أثارت كل مشاكله السابقة والحالية شماتة أعدائه من المراسلين الحربيين الذين ينافسونه على لقب المراسل الأول في حلب، مثل مراسلة قناة "سما" شبه الرسمية كنانة علوش، أو الحالمين بامتلاك مكانة مثله مثل ريم مسعود، فإن تلك العداءات المترافقة دائماً مع عبارة "ضاع شادي" الفيروزية ممتعة حتى لو أخذت صيغة كارتونية هزلية. واستمر حلوة في عمله بشكل طبيعي من دون مشاكل بعد تلك الحوادث، مقدماً خطاباً يزعم فيه أنه يكشف الفساد بجرأة، من دون تقديم مادة صحافية حقيقية في هذا السياق بالطبع، مكتفياً بتقديم الدعاية الرسمية، حتى في برنامج "الناس لبعضا" عبر قناته الشخصية في "يوتيوب".

يُظهر ذلك في مُجمله معنى الحياة في دولة شمولية مثل سوريا الأسد، وكيف تدير السلطة أجهزتها الرسمية، إعلامية كانت أم غير إعلامية، وكيف تصبح حياة الأفراد مهما كانت درجة ولائهم للنظام كبيرة، مرتبطة بشخصيات نافذة، ما يتطلب الحصول على سند وتشكيل علاقات شخصية من أجل الاستمرار في ممارسة المهام اليومية. ويتضخم ذلك في مجال الإعلام بسبب طبيعته العلنية. وتأتي مثل هذه الحوادث، مهما كانت نتيجتها صفرية، لتذكر الإعلاميين الموالين بأنهم قابلون للاستبدال ببساطة في حال توفرت الظروف المثالية لذلك، حتى لو اعتقدوا بسذاجة أنهم "الناقل للخطاب الوطني والسياسي السوري بكل فخر"، وأن أي انتقاد لهم هو جزء من الحرب على "الدولة السورية".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها