الخميس 2023/01/26

آخر تحديث: 16:14 (بيروت)

الحلوة "لالا".. والبقية شوالات بطاطا

الخميس 2023/01/26
الحلوة "لالا".. والبقية شوالات بطاطا
لوحة أريانا تامادون، "شيء حلو"، 2021
increase حجم الخط decrease
ما إن يلاحظ الناس شيئاً مختلفاً في شكلك، تصرفاتك، أو طريقة عيشك، حتى يجمعوا حجارتهم ليرشقوك بطريقة عفوية. العفوية البعيدة من الصدق وحُسن النية، بل تلك الآتية من برمجة العقول والآراء للَفظ كل ما "يؤذي" عاداتهم وما تربوا عليه، أو قناعاتهم بمفهوم ما هو "الصح".

- أوووه كم سمنتِ! أوه كم نحفتِ! لماذا تتركين الشيب بين خصلات شعرك؟ لماذا ترتدي ملابس رياضية كل الوقت؟
- يجب ألا تظل كل هذه الساعات على فايسبوك أو في غرفتك! لا تستسلم للاكتئاب.
- أخرُج! إنحف! إلبس! إنطلق! تنفّس! حالك محزنة فعلاً! نشفق عليك! كنت أجمل قبل سنوات... مَن فعل بك كل هذا؟
وغيرها من الحجارة التي لا تنضب بين أيدي هؤلاء.

نعود الآن إلى هؤلاء كي نعرف الجميلين، الكاملين، المليئين بالحياة والحيوية، الأنيقين الذين يعيشون الحياة الحقيقية كما يزعمون، والذين يستعملون غرفهم للنوم فقط، وفايسبوك فقط لنشر صور نجاحاتهم.

تستيقظ "لالا" باكراً ("لالا" دلع "نظلة" وليست واحدة من التيليتابيز)، وتذهب إلى عملها كمندوبة مبيعات مستقلة. يتطلب عملها أن تكون على أكمل وجه لملاقاة الزبائن وإقناعهم بمنتوجها. لم تترك "لالا" عملية تجميل وتنفيخ إلا وأجرتها، فالفاكهة بالنّظر كما يقولون. لهذا عمدت إلى إعادة خلق وجهها! فشخبرت على ما وُجد بالأصل من حاجبين، وشفتين، أنف وخدّين، وأطلت فكّها ورموشها، وكبّرت صدرها ومؤخرتها. لم تقصّر إلا اسمها.. فـ"لالا" يليق بها أكثر من نظلة بكثير، ويتناسب مع طلتها العصرية.

تخبىء لالا، كما قلنا قبلاً، بعض الحجار في فتحة صدرها لوقت الحاجة، وتتفرغ لاستعمالها عندما تنتهي من عملها وتجلس لتدخن نارجيلتها برأس الأناناس، الشمّام أو البطيخ. فتبدأ بانتقاد كل مَن لا يشبهها وتتهمهم بالإهمال والقبح.

وقد رأيت تعليقاً لها على منشور إحدى السيدات المميزات بثقافتهن ودراستهن متعددة المجالات، وكانت السيدة قد نشرت صورة لها وهي تحاضر في موضوع عن الرؤية الجمالية للفن أمام جمهور ينصت لها باهتمام. فما كان من "لالا" إلا أن كتبت في التعليقات: تشبهين شوال البطاطا وأنت بلا ماكياج، بلا أنوثة! ويبدو أن لالا لم تلتقط من المحاضرة المصوّرة، إلا كلمة جمالية، ونسيت الفن وما يرتديه من أسس وفلسفة جمالية بعيدة عما لمحته في معنى الجمال. شعُرتْ بعدها أنّ لديها الكثير كي تتقيأه في هذا المجال، وبما أن معيار الجمال لديها واضح ومحدد في دائرتها المتورمة من كثرة النفخ، فقد استطاعت بسهولة أن تعرف موطن "ضعف" هذه السيدة التي تحاضر، وشَعرَت بانتصار أنها تتفوق عليها بأنوثتها، حسب تعريفها للأنوثة، وباعتبارها هي معنى كل جمال.

كما أن لالا قد تتحول إلى طبيبة في أوقات الفراغ، فتتهم المختلفين بشتى الأمراض النفسية، وتشفق عليهم جداً جداً. وتحمد الله أنه خلقها اجتماعية، تنتقل من زيارة إلى أخرى ومن مقهى إلى آخر، على عكس هؤلاء الانطوائيين الوحيدين البشعين، الذين لا تعرف كيف يتحملون أنفسهم بشكلهم الأوّلي. تتساءل لالا: كيف يمكن للشخص أن يقضي معظم وقته وحده من دون أن تتحرك عضلة  لسانه 24/24؟

مَن اختار هذه الحياة سيعرف الإجابة جيداً، لكنه لن يقولها لكل اللالات؛ لأنهن لن يسمعنه ولن يفهمنه. فمن ضمن عمليات تجميلهن، قصصن، على ما يبدو، آذانهنّ الطويلة جداً وجزءاً كبيراً من عقولهن، إن وجدت.
وهذه الجملة الأخيرة يمكن بسهولة أن تُكتب بصيغة المذكّر أيضاً.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب